《 ليالي حلب 33 》 الثورة في حلب20

الشيخ: أبو شعيب طلحة المسير 

《 ليالي حلب 33 》

الثورة في حلب20

في يوم الثلاثاء الحزين 15 ذي القعدة 1435 هـ الموافق 9 – 9 – 2014 فجعت الأمة الإسلامية برحيل كوكبة من خيرة مجاهديها الأبطال الذين جددوا للأمة كثيرا من معاني العزة والمنعة، فقد وقع في ذلك اليوم الانفجار الغامض الضخم برام حمدان والذي أدى لاستشهاد جل قادة حركة أحرار الشام الأول وكثير ممن كان يرافقهم أثناء عقدهم اجتماعا للشورى في المقر المحصن لأبي أيمن رام حمدان، رحمهم الله جميعا.

 

 وقد كان هذا الحادث الأليم ولا زال من أبرز حوادث الثورة السورية كلها وأغمضها وأخطرها، فهو ضربة جماعية لأكبر وأقوى جماعة في الثورة السورية وقتها، وقضاء على أفضل القيادات الشرعية والعسكرية السورية التي شهدتها الساحة..

 

 والتصور الأقرب للحادث أنه وقع عصر يوم الثلاثاء بعد عدة ساعات من بدء اجتماع الشورى عبر انفجار برميل سليلوز في مستودع الذخيرة الموجود في نفس المقر والمتواجد في الجهة اليسرى من المكان والتي لا يفصل بينها وبين الجهة اليمنى التي كان فيها الاجتماع سوى ممر صغير، وقد نتج عن هذا الانفجار انفجارات متتالية لبقية المواد والذخائر المتواجدة في المستودع، ووقوع حريق في الممر الوحيد الذي يصل الداخل بالخارج، ودخول غازات سامة لغرفة الاجتماع التي لم يكن لها طريق خروج سوى من الممر المحترق؛ فاستشهد بالاختناق جل من بغرفة الاجتماع من القادة واستشهد بالاحتراق جل من في الممر من مرافقة القادة، رحمهم الله جميعا.

 

وقد وقعت عدة تحليلات للحادث منها:

 1- أن الحادث من فعل الدواعش، الذين يتربصون بالمجاهدين وقادتهم ويحاولون اختراق تنظيماتهم، وهذا لا دليل عليه، ولو كانت لهم صلة به لطاروا به في المشرق والمغرب.

 

2- أن الحادث من فعل المخابرات الدولية، ويستأنس لذلك بـ:

– الدقة والاحترافية التي وقع بها التفجير.

– أنه وقع قبل أيام قليلة من بدء حملة قصف التحالف الدولي الصليبي لدولة البغدادي وجبهة النصرة في سوريا، فكأن المخابرات الدولية أرادت كسر شوكة الجماعات الثلاث الأكبر عبر الاغتيال ثم القصف.

– أنه وقع يوم الثلاثاء 9 – 9، ومعلوم أن من أكبر الصفعات التي أخذها الغرب تفجيرات واشنطن ونيويورك يوم الثلاثاء 11 – 9 (الحادي عشر من سبتمبر) سنة 2001، والغرب يعتني بالذكريات السنوية ومنها تلك الذكرى، فلو وقع الاغتيال يوم 11 – 9 لكان دليلا مؤكدا عليهم، فاختاروا تفجير اجتماع رام حمدان في نفس يوم الثلاثاء ولكن قبل اليوم الحادي عشر بيومين.

– يذكر مروجو ذلك قصة مفادها أن دولة الإمارات أهدت للقادة هواتف ثريا تتصل بالأقمار الصناعية، تسببت في تحديد أماكنهم، وهذا كلام غير دقيق، فقد كان القادة رحمهم الله وقتها يستعملون الهواتف العادية التي تتصل بالإنترنت الهوائي ولم يكونوا يتحرزون من حملها فلم يكن التحالف الصليبي بدأ عمله بعد، بل كانت هواتفهم العادية تلك معهم في هذا الاجتماع، فلا حاجة لهواتف الثريا ليتحدد مكانهم.

 

ومما يضعف تلك الرواية:

– أنه لم يشاهد أحد أي صاروخ أو طيران يمر فوق المنطقة أو يضربها، ولا توجد آثار في المكان لذلك.

– أن برميل السليلوز الذي انفجر كان محلي الصنع ولم يكن مستوردا، فلو كان مستوردا لخطر بالبال أن به شريحة وجهازا فجره، ولكنه صناعة محلية.

– أن التحالف الصليبي لم يقم بأي عملية تماثل تلك الحادثة طوال تاريخ حربه للمسلمين في العراق والشام وأفغانستان واليمن والصومال وغيرها، ولو كانت عنده تلك القدرة على ضرب مثل تلك الضربة القوية الدقيقة الخفية لما توانى في استخدامها.

 

3- أن الحادث قضاء وقدر لا تخطيط لبشر فيه، وهذا هو الأظهر لليوم، فلا أدلة على غير ذلك، ولا تكرر مثل هذا الحادث في تاريخ الثورة، ولو كان بفعل فاعل من البشر لكرره مرارا خاصة مع ما هو معروف من أنه قد أقيمت كثير من الاجتماعات المكشوفة التي تغري المتربص باستهدافها..

 

 * أيًّا ما كان فقد نفذ قضاء الله جل وعلا ووقع المكتوب في اللوح المحفوظ واستشهد هؤلاء القادة الأول:

– الشيخ أبو عبد الله الحموي.

– الشيخ أبو عبد الملك الشامي.

– الشيخ أبو سارية.

– الشيخ أبو يزن.

– الشيخ أبو أيمن.

– الشيخ أبو حمزة الرقة.

– الشيخ أبو يوسف بنش.

– الشيخ أبو الخير طعوم.

– أبو طلحة الغاب.

– أبو أيمن رام حمدان.

– أبو الزبير الحموي.

– محب الدين الشامي.

– طلال الأحمد تمام.

– د. يوسف العاصي.

وغيرهم من الأفاضل رحمهم الله جميعا..

 

ولعل اختيار الله جل وعلا لهم الشهادة الجماعية ذلك اليوم هو: تكريم لهم قُبيل حلول المدلهمات والنوازل والفتن التي انقسم الناس فيها بين ناج وهالك وضائع؛ كتدخل التحالف الصليبي وما تبعه من تنسيق للبعض مع طيرانه أو طيران بعض دوله ضد بعض المسلمين، وكالهزائم الكبيرة التي أدت لسقوط مناطق شاسعة، وكالقتال الداخلي بين الفصائل، وكالمؤتمرات الدولية والحلول السياسية التي فتنت الكثيرين، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون”..

 

ختم لتجربة الأحرار الأول بنهاية مشرقة تكون ملهمة للأجيال، فرغم أن عمر الحركة يومها منذ كانت كتائب أحرار الشام إلى وفاة القادة لم يتجاوز السنين الثلاث إلا أنهم:

– استطاعوا تقديم النموذج الأفضل في الثورة السورية لجمع الكلمة وتوحيد الصف والتعاون على البر والتقوى.

– واستطاعوا تقديم القدوة الحسنة للبذل والتضحية والدفاع عن المسلمين، فكان لهم السهم الأعلى والنصيب الأوفر في صد عادية النصيرية ومن والاهم.

– واستطاعوا تقديم البيئة الأنسب التي كانت مهوى أفئدة كوادر الثورة السورية.

– واستطاعوا تقديم التجربة الأوعى للجمع بين الجهاد المنضبط والسياسة الشرعية.

– واستطاعوا تقديم الصورة الأجمل للمجاهد مع مجتمعه، فكانت لهم المحبة الأكبر في قلوب أهل الشام.

 

استطاعوا ذلك بفضل الله تعالى خلال السنين الثلاث التي مرت وقتها من عمر الثورة، ولكن كما أن للإنسان عمرا فإن للجماعات والتنظيمات والدول عمرا، ولقد كانت أحرار الشام في الشهور الأخيرة قبل استشهاد القادة رحمهم الله تعاني تحديات كبرى في: نازلة الخوارج، وفي التآمر الدولي، وفي الكيد الذي أدى لتفكك مشروع الجبهة الإسلامية بعد أن كان أملا كبيرا يعول عليه القادة الشهداء، بل وفي بوادر تنوع رؤى وتيارات داخل الحركة، وهي أمور نزلت بعموم الساحة وأصابت الجميع ومن ضمنهم الأحرار، فكانت حركة الأحرار في آخر شهور أولئك القادة رغم مسارعتهم للعمل ووضعهم خطط إصلاح إلا أن تشابك الوضع وقتها أصابهم بشيء من الشلل ولم يجعلهم قادرين على الخروج بالأمة من عنق الزجاجة، فشاء الله أن يقبضهم على صالح عملهم أمام تلك الحالة الجهادية الثورية التي تحتاج علاجا طويلا؛ فتنتقل ثورة الشام إلى مرحلة جديدة من الصواب والخطأ والتقدم والتقهقر والثبات والتذبذب، وتتعالج بعض الأمراض مع طول الزمن، ولعل الله أن يقيض للجهاد الشامي في قابل أيامه القريبة قادة يجمعون بين القوة والأمانة فينتفضون بالثورة من جديد ويجددون معاني الجهاد بشموله وكماله وتعود حينها بإذن الله حلب وحمص والغوطة، وتفتح حماة ودمشق واللاذقية، وما ذلك على الله بعزيز.

 

 استشهد قادة أحرار الشام فرثاهم القريب والبعيد والموافق والمخالف، وظهر الحب العميم لتلك الثلة المباركة عليها رضوان الله تعالى.

Exit mobile version