من مآسي سجن تدمر ٢ – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد ٢٩ ربيع الأول ١٤٤٣ هـ

مجلة بلاغ العدد التاسع والعشرون ربيع الأول ١٤٤٣ هجرية – تشرين الأول ٢٠٢١ ميلادي

الشيخ: محمد سمير

الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.. وبعد؛

فلا زال حديثنا مستمرا عن جرائم الأسد وطائفته النصيرية في سجن تدمر، وقد ذكرنا بعض الكتب التي تحدثت عن مآسي السجناء وما تعرضوا له من فظائع وأهوال تشيب لها نواصي الولدان، ونستكمل في هذا المقال ما بدأناه في المقال السابق.

1 – ومن الكتب التي تحدثت عن مجازر سجن تدمر كتاب “الطريق إلى تدمر كهف في الصحراء”، للمهندس سليمان أبو الخير، وكان يدرس في ألمانيا ثم جاء إلى سورية ليبيع سيارة ويستعين بثمنها على إكمال دراسته، فوقع في مخالب المخابرات السورية، وظل يتقلب في أعطاف أفرعها الأمنية يتلقى من العذاب أشده ليعترف بأمور لم يسبق له أن سمع عنها، حتى انتهى به المطاف في سجن تدمر ليمضي فيه خمس سنين قبل أن يطلق سراحه.

ومما ذكره في كتابه: “أسرد عليك حكاية طريفة؛ فقد جاؤوا بنزيل من البادية، وكالعادة مارسوا عليه كل أسباب التنكيل يريدون منه أن يعترف بجلب مناشير (بيانات) من العراق تندد بالنظام، لقد قاسى الرجل طويلا إلى أن انهار واعترف بجلب المناشير، وحين سئل عما فعل بهذه المناشير جاءت الإجابة المضحكة المبكية: لقد نشرنا بها الأشجار” ص138.

ومما ذكره أيضا: “يصعب علي في هذا المقام أن أنسى ما حييت حكاية الشيخ إمام المسجد الكبير في النبك الشيخ عبد الكريم العطا ذا اللحية السوداء الكثة المترامية الأطراف، لقد أشعلوا فيها النيران، وكلما هم الرجل برفع يديه وهو يشهق من حرها محاولا إطفاءها كانوا يتبارون في جلده بقسوة اجتمع فيها الحقد بالانتقام إلى الحد الذي ما عاد الرجل معه يقوى على رفع يديه ثانية لإطفائها، والتي راحت تلتهم اللحية والوجه معا، حين ضاق به الحال صاح الشيخ صياح من انتظمه الظلم إلى أقصى مداه، صاح ملئ الضمير العالمي ماتت ينابيعه، أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، يا الله بمن سواك نستغيث، سرت في المكان قهقهات اجتمعت فيها كل صور الكفر والفجور والعهر وهم مجتمعون على الشيخ الصابر المحتسب ضربا وقهرا وتنكيلا، اجتمعوا عليه بسياطهم وعصيهم، وما زالوا به حتى كسروا فكه السفلي.

– وينه ربك يا حقير، دعه يأتي ليدافع عنك، سوف نضعه مكانك وليدافع عن نفسه إن كان يستطيع أن يفعل ذلك” ص184، تعالى الله عن كفرهم وزندقتهم.

2- ومن الكتب المؤلفة في ذلك كتاب: “خلف أسوار تدمر” للشيخ عمر حديفة شرعي فيلق الشام حاليا، وكان سبب اعتقاله أنه كتب على السبورة في صفه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، وكان عمره خمسة عشر عاما، فاعتقل بعد عامين ليُسأل من أمره بكتابة هذه العبارة، ومكث في السجن اثني عشر عاما، ومما ذكره في كتابه: “وذات مرة جاء [العريف فواز] ومعه شرطي جديد يريد أن يدربه على قتل الناس وكيفية الضرب، فنادى لأحد الشباب وأسقطه أرضا، وقال للشرطي: اضربه مائة كرباج، فقال الشرطي مندهشا: قد يموت إن ضربته مائة كرباج، فقال له العريف فواز: أتراهن على أن أضربه ستمائة كرباج دون أن يصرخ صوتا واحدا، وفعلا قام بضرب هذا الشاب المسكين أكثر من ستمائة كرباج ولم يصرخ صوتا واحدا، ثم أوقفه منحنيا وضربه أكثر من عشرين كرباجا على ظهره وأكثر من عشرين على رأسه حتى تورم من شدة الضرب، وكل ذلك دون أن يصرخ الأخ بأي صوت، فقال له العريف مندهشا ومتعجبا، قم وقل: أنا بطل، فوقف الشاب، وقال: أنا بطل، فرد عليه العريف، وقال: ارفع صوتك، وقل: نحن أبطال، فقال بصوت مرتفع: نحن أبطال، فقال العريف فواز: إن كانت هناك جنة فأنتم أهلها، ونظر إلى الشرطي بجانبه، وقال له: وإن كانت هناك نار فنحن أهلها (كلمة صدق أنطقه الله بها)” [ص49 – 50].

ومما ذكره أيضا: “وكان مما يحدث أن الشرطي إذا أراد أن يمسح حذاءه نادى لأحد أفراد المهجع أن يخرج بشكيرا ويأتي إليه ليمسح له حذاءه، فيسأله وهو يقوم بمهمة المسح: ماذا تعمل في حياتك اليومية لما كنت خارج السجن؟ فيرد الأخ قائلا: أعمل عتالا أو عاملا، علما بأنه مهندس أو طبيب، وذلك خشية أن يُنزل به العقوبة والإهانة” [ص 106].

إني والله ما أجد من الكلمات ما أصف به حقارة ونذالة أولئك السجانين الجهلة الحمقى المتخلفين الذين سلطهم الهالك حافظ الأسد على خيرة شباب المسلمين وعلمائهم، فالزبانية يشعرون بنقصهم ووضاعتهم أمام المثقفين والمتعلمين فينتقمون منهم بمضاعفة العذاب عليهم، وربما كان في السجانين من هو مصاب بخلل في عقله ويعطى صلاحيات التحكم بالسجناء حتى قد يصل الأمر -وكثيرا ما حدث- إلى القتل.

3- ومن الكتب المؤلفة كتاب “القوقعة” لمصطفى خليفة، وهو نصراني وإن كان اسمه لا يوحي بذلك.

كان هذا الرجل يدرس في فرنسا ليعمل في إخراج المسلسلات والأفلام، فلما أنهى دراسته عاد إلى سوريا، فاستقبلته المخابرات في المطار، ثم ساقته إلى أحد الأفرع ومنه إلى تدمر ليبقى هناك اثني عشر عاما قبل أن يكتشف النظام أن هذا نصراني ولا علاقة له بالإخوان المسلمين، وأن سوقه إلى تدمر ومكثه هناك اثني عشر عاما كان عن طريق الخطأ، ومع ذلك لم يطلق سراحه، بل أخذوا يحققون معه ويحاولون تقريره أنه ينتسب إلى الحزب الشيوعي، ولما أخفقوا طلبوا منه أن يكتب برقية يشكر فيها حافظ الأسد لأنه سيطلق سراحه ويتعهد ألا يتدخل في السياسة، فرفض، فبقي في السجن ولم يخرج إلا بعد وساطات كثيرة من خاله والذي كان وزيرا في حكومة الأسد، وزور توقيعا يشكر فيه حافظ الأسد على لسان ابن أخته.

وكتاب القوقعة يلاحظ فيه أمران: الأول صياغته الفنية جيدة جدا كون مؤلفه مخرج سينمائي، والثاني أن كونه نصرانيا بل ملحدا كما ذكر عن نفسه في القوقعة جعله يذكر ألفاظ كفر الزبانية وشتائمهم كما هي دون أن يضع نقاطا كما اعتاد المؤلفون مكان الألفاظ الكفرية الشنيعة أو الشتائم الفاحشة، وهو بهذا يوضح إيغال القوم في الكفر والسفه والإجرام.

ومما ذكره: “حكني رأسي من القفا، وكما يفعل كل إنسان يحكه رأسه مددت يدي عفويا وحككت، وسمعت صوتا راعدا: ولك يا جماعة شوفوا الكلب شوفوا عم يحك رأسه كمان، شووو… عم يحك رأسه.

وسحبتني الأيدي خارج الرتل تقاذفتني صفعا ولكما؛ لكمة تقدمني وصفعة توقفني، النار في الرقبة والوجه، تمنيت لو أبكي قليلا”.

ومما ذكره: “التفت المساعد إلى السجناء وبصوت أقوى: من فيكم طبيب أو مهندس أو محامي يطلع لبره، خرج من بيننا أكثر من عشرة أشخاص.

وقفوا هون، ثم متوجها للسجناء: كل واحد معه شهادة جامعية يطلع لبرات الصف، خرج أكثر من ثلاثين شخصا كنت أنا بينهم”.

فانظر يرحمك الله إلى زهرة شباب سوريا أين انتهى بهم المطاف إرواء للحقد الطائفي وإشباعا لشهوة التكالب على السلطة.

ومما ذكره: “إن عدد أفراد دفعتنا كان 91 شخصا، قتل منهم ثلاثة في الساحة الأولى أثناء الاستقبال، وهؤلاء لم يدخلوهم إلى المهاجع، وخلال فترة غيابي عن الوعي مات عشرون آخرون متأثرين بجروحهم وإصاباتهم البليغة، واثنان من الدفعة أصيبا بشلل دائم نتيجة أذى كبير بالعمود الفقري، واحد فقط أصبح أعمى بعد أن تلقى ضربة كرباج فقأت عينيه”.

ومما ذكره: “يوجد في مهجعنا فقط ثلاثة وعشرون طبيبا من مختلف الاختصاصات”.

فهؤلاء الأطباء بدل أن يكونوا في مكانهم الطبيعي في العيادات والمستشفيات يخدمون أمتهم، بدل ذلك كدسهم نظام البعث هنا، وليته اكتفى بذلك، بل إن طبيب السجن النصيري محمد يونس العلي “قام بقتل أربعة عشر طبيبا من زملاء دفعته” فهذا النصيري القذر والذي كان قد فصل من الجامعة لسوء سلوكه كان يشعر بالنقص والدونية فقام بقتل زملائه الذين كانوا معه في الجامعة انتقاما لذلك.

ومما ذكره وهو يتحدث عن مرض الجرب: “منذ اليوم الأول حدد الدكتور غسان الأمر [أحد السجناء] هذا الدكتور وهو زميل البورد الأمريكي للأمراض الجلدية له مؤلفات كثيرة ويعتبر عالما في اختصاصه على المستوى العالمي..، وهو المرجع الأخير في الطب لكل الأطباء الذين في المهجع”.

ومع كل هذا الإجرام كان الأسد وزبانيته ومنافقيه يطلقون عليه لقب “باني سورية الحديثة” ولعمر الله إنه هادمها ومدمرها، ولولا جرائمه لكانت سورية من أكثر البلدان رقيا في العالم، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

 

4 – ومن الكتب المؤلفة كتاب “رحلة في سجون الطاغية”، لحسن بن محمد الطحان، وأصله من الجولان، وهو من عشيرة النعيم، وقد اعتقل في المزة وانتهى به المطاف في سجن تدمر، وقد أجبر هناك على التنازل عن أرض له لبعض الشبيحة من أقرباء زوجته.

“قال لي ما علاقتك بالأمير هاشم فاعور؟ أجبته أنه ابن عم زوجتي، وزوج أختها، طلب مني المساعد أن أتنازل له عن أرضي في مدينة قدسيا من ريف دمشق..

وحيث إني لا أملك حرية الرفض أو المناقشة لما تعرضت له من ضرب، وكما هي حال السجن التي اعتدنا عليها إذ لا حرية في الاختيار في الأشياء ولا خيار في الأمور سوى التنفيذ والقبول دوما بكلمة نعم سيدي..، وطلبوا مني أن أوقع على وكالة مدونة ولم أقرأ ما فيها” [ص95 – 96].

5 – ومن الكتب المؤلفة “بانتظار نفخة البعث قصة الموت والرعب في تدمر” وهي قصة شاب كان عسكريا يدعى ريبال، وبينما هو يرجع بالدبابة إلى الخلف داس على صاروخي كوبرا، فاعتقل ولفقت له تهمة التعامل مع اليهود، وبعد خمسة عشر يوما من التعذيب المستمر أقر بذلك مكرها، فنقل إلى تدمر، ومما ذكره أنه أجبر على شرب بول السجان، فانظر هل ترى أحقر وأنذل من هذا الصنف الذي ينتمي كذبا إلى البشر، والجدير بالذكر أن ريبال مع كونه فر إلى السويد لم يفصح عن اسمه كاملا ولا قبل بأن تنشر صورة وجهه لشدة الخوف الذي أصابه عندما كان في تدمر، وإنما نشر الكتاب علي أبو مريحيل وهو صحفي فلسطيني أجرى لقاء مع ريبال وسمع قصته.

6 – ومن الكتب المؤلفة: “الرحيل إلى المجهول يومياتي في السجون السورية” لآرام كرابيت، وهو رجل أرمني يتبع للمكتب السياسي للحزب الشيوعي، اعتقل لمدة ثماني سنوات في السجون السورية، ولما رفض أن ينسحب من الحزب الشيوعي نقل إلى سجن تدمر ليمضي بقية حكمه والذي كان ثلاثة عشر عاما.

ومما ذكره: “قال العميد محمد سيفو: سنفرج عنكم ولكن بعد أن توقعوا، قلت: لقد حكمتم علينا من قبل محكمتكم المفصلة على مقاس نظامكم، لماذا المساومة إذا؟ قال: نحن من يقرر، سنحاكمكم أولا وبعدها توقعون على الشروط، نحن هكذا نفعل ما نراه مناسبا لنا..، اسم دولتنا دولة البعث الأسد، من يريد أن يعيش فيها فأهلا وسهلا ومن لا يريد فليرحل إلى بلاد الله الواسعة ليخرج من بيننا، وأضاف ما دمنا في السلطة سنفعل بكم ما نشاء”.

 

7 – ومن الكتب المؤلفة “ناج من المقصلة” لتوفيق برو، ولم يتيسر الاطلاع على هذا الكتاب.

 

8 – ومن الكتب المؤلفة كتاب: “في القاع سنتان في سجن تدمر العسكري الصحراوي” لخالد فاضل، وهذا الكتاب ذكره عبد الله الناجي في مقدمة كتابه “حمامات الدم”.

9 – ومن الكتب المؤلفة “تدمر وتستمر المجزرة”، ذكره أيضا الناجي في كتابه الآنف الذكر ولم يذكر من هو مؤلفه ولم يتيسر لي الاطلاع على هذا الكتاب وسابقه أيضا.

وبعد: فإن الإجرام متأصل في نفوس النصيريين والبعثيين، ولا مكان عندهم للحوار أو النقاش، إنما هو الظلم والتعذيب والعدوان وامتهان الكرامة.

ونختم بهذا المقال حديثنا عن جرائم الهالك حافظ الأسد وإن كان استيعابها يحتاج مجلدات تفنى دون تسويدها الأعمار، ونشرع في المقال القادم إن شاء الله في الحديث عن جرائم الأبله بشار بن حافظ والذي لا يشبه حافظا في الشكل وإنما يشبه صلاح جديد!!، وكلاهما قذر وقد ورث ذلك.

والحمد لله رب العالمين. 

 

 

من مآسي سجن تدمر ٢ - الركن الدعوي - مجلة بلاغ العدد ٢٩ ربيع الأول ١٤٤٣ هـ الشيخ محمد سمير
من مآسي سجن تدمر ٢ – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد ٢٩ ربيع الأول ١٤٤٣ هـ
الشيخ محمد سمير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى