مفوضية نصر الحريري وعدالة بيدرسون التصالحية.. لحظة النضج؟ |كتابات فكرية| | مجلة بلاغ العدد 20 جمادى الآخرة 1442
مفوضية نصر الحريري وعدالة بيدرسون التصالحية.. لحظة النضج؟ - الأستاذ حسين أبو عمر
الأستاذ: حسين أبو عمر
لعل بعض القراء الكرام سيظن أن المقصود بـ “لحظة النضج” هو أن ردة فعل الفصائل ومعظم النخب على قرار “نصر الحريري” بتشكيل “مفوضية الانتخابات” وعلى خطوة “غير بيدرسون” “العدالة التصالحية” كانت على مستوىً من الوعي والنضج السياسي وعلى مستوى الحدَثَين!!
لا، ليس الأمر كذلك؛ فتعاطي الفصائل والنخب مع خطوتي الحريري وبيدرسون لم يكن على المستوى المطلوب من الوعي ولا على قدر الحدث.
الكلام في هذه المقالة سيدور حول نظرية “لحظة النضج”، التي أبدعها ويليام زارتمان، وما تفرع عنها من نظريات.
تنص نظرية زارتمان على: «نجاح عملية الوساطة مرتبط ببلوغ لحظة النضج وإدراكها من قبل المتنازعين، ويكون ذلك بوقوع أطراف النزاع في المأزق الضار المتبادل الذي تلوح في أفقه كارثة وشيكة، أو عندما تسد جميع الطرق أمام الحلول الانفرادية؛ بحيث تبدو الحلول المشتركة بمثابة المخرج الوحيد، كما تحدث لحظة النضج أيضا لدى تغير موازين القوى ضمن كل طرف وقيام القيادات الصاعدة والقيادات المنتكسة بإعادة النظر في حساباتها. لكن إدراك لحظة النضج هذه من قبل أطراف النزاع قد لا يتأتى إلا بمساعدة طرف ثالث يعمل على التوفيق بين المتنازعين».
فـ “لحظة النضج” في مفهوم زارتمان هي النقطة التي تبدأ فيها الأطراف المتصارعة بالتفكير في الدخول في عملية تسوية للصراع، وهي التوقيت المناسب لتدخل الوسطاء من أجل إحداث تسوية سياسية؛ ويكون ذلك ممكناً عندما تشعر أطراف الصراع أنها في مأزق ضار، أو أنها أمام كارثة وشيكة، أو عندما تتكبد أطراف الصراع أو أحد الأطراف خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وعندما تبدأ القيادات المنتكسة بمراجعة حساباتها، وتبدأ بالبحث عن مخرج “يخفف من المعاناة” ويحقق لها بعض “المكاسب”.
هنالك عدة تجارب تدعم نظرية “لحظة النضج”، وأثمرت الوساطة فيها بعد دفع تكاليف كبيرة إلى تسوية سياسية؛ يقول عادل زقاغ: «فإثر الجولة التي قام بها “جيمس بيكر” وزير الخارجية الأمريكية آنذاك في يوغسلافيا عام 1991، صرح بأنه لا يمكن إجراء حوار جدي دون أن يكون هناك إحساس مشترك لدى جميع الأطراف بالخطر والاضطرار. لقد اعترف “بيكر” بأهمية نضج النزاع، وأثبت وسيط السلام المعروف ريتشارد “هولبروك” ذلك في تقاريره عن مهمته الناجحة التي أفضت إلى التوقيع على اتفاقية “دايتون”».
كذلك قد جعل صموئيل هانتنجتون معامل الخسائر في الأرواح والأموال أحد العوامل الرئيسية في الوصول إلى إيقاف حروب خطوط التقسيم الحضاري؛ قال: «عندما تصل الخسائر إلى عشرات أو مئات الألوف، ويصل عدد اللاجئين إلى مئات الألوف، وتتحول مدن مثل (بيروت) و(غروزني) و (فوكوفار) إلى أنقاض، يبدأ الناس في الصراخ: (…جنون… جنون… كفى… كفى!!)…، وتعود المفاوضات التي تكون قد تناثرت على مدى سنوات بلا طائل إلى المياه مرة أخرى، ويؤكد الوسطاء أنفسهم».
الوصول إلى “لحظة النضج” لا يرتبط بالخسائر بحد ذاتها، إنما يرتبط بالإحساس المتزايد بثقل التكلفة، يقول محمد المرواني معلقاً على نظرية “لحظة النضج” لزارتمان: «ويستند إحساس أطراف النزاع بأنها أمام مأزق إلى المعاناة وتزايد الخسائر التي ترتبط باستمرار التصعيد، وعندما يرتفع معامل التكاليف نسبة إلى المكاسب بشكل دراماتيكي، تشعر بالاحتجاز، وتبحث عـن بديل آخر».
والكلام هنا يقودنا إلى النظرية الأخرى، وهي نظرية “المصيدة”، التي أنتجها كل من جويل بروكنر وجيفري روبين، والتي تُعد بمثابة تطوير لافتراضات زارتمان.
* نموذج المصيدة:
يفترض منظرو المصيدة أن صانعي القرار في النزاعات المستعصية يمرون عبر أربع مراحل:
• المرحلة الأولى: يستهدف أحد الأطراف أو كلاهما تحقيق إنجازات محدودة، وتكون الخسائر فيها محدودة.
• المرحلة الثانية: تصاعد للخسائر، ويواكبها ارتفاع سقف الأهداف، يتم استنزاف الموارد عبر تقديم التزامات معينة للمكونات الداخلية.
• المرحلة الثالثة: استنزاف متبادل في الموارد والطاقات، وكل طرف يعمل على تهويل صور الخسائر التي لحقت بالخصم، والتقليل من شأن خسائره.
• المرحلة الرابعة: استنفاد في الموارد، والتوقف عن اعتبار التضحيات بمثابة ثمن للنصر، والبحث عن مخرج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
فالمرحلة الأخيرة في نموذج المصيدة هي “لحظة النضج” وهي التوقيت المناسب للتدخل من أجل إحداث “تسوية سياسية”، ولتشكيل “مفوضية الانتخابات” من قبل نصر الحريري، وللإعلان عن “العدالة التصالحية” من قبل بيدرسون.
لا يلزم إيصال كل الناس إلى مرحلة “لحظة النضج” والهزيمة النفسية، بل يكفي إيصال الجماهير لهذه المرحلة، وكذلك من يحملون صفة رسمية في تمثيل أطراف النزاع. ومن ثَم اعتبار المعارضين للتسوية “راديكاليين” بتعبير هانتنجتون، أو خارجين عن القانون، أو إرهابيين…
ولذلك قلنا في بداية المقالة: إن تعاطي الفصائل والنخب لم يكن على مستوى الحدث؛ فبيان “هيئة تحرير الشام” بدلا من أن يسقط أي صفة تمثيلية للثورة عن الائتلاف وهيئاته، جاء ليعلن عن استعدادهم للتشارك مع “كافة المؤسسات والأجسام الثورية”!!. والآخرون لا صوت لهم.
في الختام، خطوتا نصر الحريري وبيدرسون وإن تم التراجع أو التملص منهما حاليا، إلا أنه سيُعاد طرحهما، أو ربما أكثر منهما، عندما تحين اللحظة المناسبة “لحظة النضج”، وعندها سنعض أصابع الندم، وحينها لات حين مندم، إذا لم نبادر على وجه السرعة إلى نزع أي صفة تمثيلية عن كل من يرضى بالتفاوض مع بشار المجرم.
المصادر:
1 – عادل زقاغ – حل النزاعات الدولية ومسألة التوقيت المناسب: مراجعة لنظرية لحظة النضج.
2 – جمال سلامة – تحليل العلاقات الدولية: دراسة في إدارة الصراع الدولي.
3 – سامي الخزندار – إدارة الصراعات وفض المنازعات.
4 – صموئيل هانتجتون – صراع الحضارات.
5 – محمد المرواني – لجنة بناء السلم: مسارات التطور والمقاربات.
لمتابعة بيقة مقالات ⇐ مجلة بلاغ العدد 20 جمادى الآخرة 1442
تابع هنا ⇓
وتتساقط الأصنام – كلمة التحرير
الركن الدعوي
– الشيخ محمد سمير
– بَقِيَّة..
– الشيخ أبو شعيب طلحة المسير
– الشيخ أبو حمزة الكردي
صدى إدلب
إدلب في شهر جمادى الأولى 1442هـ
– أبو جلال الحموي
– أبو محمد الجنوبي
مواقيت الصلاة في إدلب لشهر جمادى الآخرة 1442هـ
كتابات فكرية
– د. أبو عبد الله الشامي
مفوضية نصر الحريري وعدالة بيدرسون التصالحية.. لحظة النضج؟
– الأستاذ حسين أبو عمر
– الأستاذ أبو يحيى الشامي
حماس وإيران؛ وجدلية العلاقة هل هي تقاطع مصالح أم تحالف أم تبعية!
– الأستاذ الزبير أبو معاذ الفلسطيني
– الأستاذ خالد شاكر
الواحة الأدبية
1 – الأستاذ غياث الحلبي