معركة التغيير والأخطاء القاتلة  4- فخ العمل السياسي 

بسم الله الرحمن الرحيم 

 

معركة التغيير والأخطاء القاتلة 

 

4- فخ العمل السياسي 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد: 

 

ففي قوله تعالى: (( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ))

 

يقول الطبري رحمه الله : ودّ هؤلاء المشركون يا محمد لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم، فيلينون لك في عبادتك إلهك، كما قال جلّ ثناؤه:  (( وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ))

 

وفي قوله تعالى : (( وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا ))

 

قال قتادة : لما نزلت هذه الآية قال صلى الله  عليه وسلم  : ( اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) . 

وقال ابن عباس : كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  معصوما ، ولكن هذا تعريف للأمة لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شيء من أحكام الله – تعالى – وشرائعه .

 

وقد دل ما سبق على منهج ثابت يتعامل به أعداء الدين مع أصحاب الدعوات وهو منهج يقوم على استدراج أصحاب الدعوات للركون إليهم ولو شيئا قليلا وصولا إلى إدخالهم في معادلة الاحتواء والتنازلات المفضية إلى خسارة الدنيا والآخرة 

 

وفي واقعنا المعاصر  الذي أحكمت فيه المنظومة الدولية الجاهلية سيطرتها تجلى منهج الإستدراج عبر أسلوبين :

 

الأول : مع جماعات الإسلام الحركي التي تؤمن بالتعايش مع المنظومة الدولية الجاهلية وترتضي أدواتها وسيلة في التغيير وهنا يتم إشراكها في لعبة الديمقراطية ودخول البرلمانات الشركية 

 

الثاني : مع جماعات الإسلام الحركي التي لاتؤمن بالتعايش مع المنظومة الدولية الجاهلية أو تؤمن بها ولكنها تتخذ وسيلة مهددة لسيطرة المنظومة ومصالحها  فهنا يتم إدخال هذه  الجماعات في معادلة الإحتواء والتنازلات  وفق هوامش متاحة ومسارات مدروسة وصولا إلى تنازلها عن ثوابتها وجعلها تؤمن بإمكانية التعايش واكتساب الشرعية الدولية لتأخذ الدور الوظيفي الذي يوكل لها ومثال ذلك جماعات الجهاد التي تحولت إلى أحزاب سياسية

 

•هذا وتسمي جماعات الإسلام الحركي التي تتعاطى إيجابا مع  منهج الإستدراج وفق الإسلوبين السابقين  هذا التعاطي عملا سياسيا رغم أن القائم عليه في كلا الإسلوبين هو الدول العميقة المدعومة من المنظومة الجاهلية بواجهة استخباراتية  صريحة أو سياسية مخادعةمن ناحية ورغم أنه يتماهى بشكل أو بأخر  مع فلسفة العمل السياسي للمنظومة مع إلباسه لبوسا شرعيا في أغلب الأحيان لإظهار أن هذا التعاطي ينطلق من السياسة الشرعية من ناحية أخرى 

 

وفي ضوء ماسبق تتضح الحقائق الآتية :

 

1- منهج استدراج أصحاب الدعوات وجماعات الإسلام الحركي للركون والدخول في معادلة الاحتواء والتنازلات هو منهج ثابت غايته معلومة ونتائجه معروفة 

 

2-الصراع مع المنظومة الدولية الجاهلية هو صراع وجودي تحكمه لغة الدم وعليه فالكلام عن التغيير عبر وسائل متعايشة ومتماهية مع  أدوات هذه المنظومة ومساراتها يعتبر ضربا من العبث وإزهاقا للأنفس وتضييعا للجهود والتضحيات

 

3- التعاطي السني مع منهج الإستدراج لفخ العمل السياسي يقوم أولا على الإستقامة على أمر الله واللجوء الحقيقي والمستمر إلى الله طلبا للثبات على الحق وفق القاعدة السنية ( اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) ثم اعتماد سياسة راشدة -تقوم على فقه شرعي راسخ و قراءة صحيحة للتجارب والواقع وشورى سنية  -تمكنها من تجنب الإنزلاق والوقوع في فخ العمل السياسي والدخول إلى معادلة الاحتواء والتنازلات من ناحية وتجعلها تستفيد من سنة التدافع والإنجازات الميدانية من ناحية أخرى فالفرق واضح بين العمل السياسي المنضبط بوصفه تكتيكا تعتمده الجماعات للاستفادة من سنة التدافع والإنجازات الميدانية وبين العمل السياسي العبثي الذي يدخل الجماعات في مسارات المنظومة الدولية ويدمجها مع حلولها السياسية المعلومة ومخرجاتها الاستسلامية المعروفة

 

يقول تعالى : ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير ( 112 ) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ( 113 )

الدكتور : أبو عبد الله الشامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى