عقائد النصيرية 12 بعض جرائمهم التاريخية | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد التاسع عشر جمادى الأولى 1442هجرية
الشيح: محمد سمير
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.. وبعد؛
فسنتناول في هذا المقال وما يليه شيئا من تاريخ النصيرية، وهو تاريخ كالح منتن يقطر حقدا على أهل السنة، ولذلك تراه مليئا بالغدر والخيانة والتحالف مع أعداء المسلمين، ولا أزال معجبا بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد اختصر تاريخ النصيرية كاملا ببضع كلمات؛ حيث قال: “وَهُمْ دَائِمًا مَعَ كُلِّ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَهُمْ مَعَ النَّصَارَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ عِنْدَهُمْ فَتْحُ الْمُسْلِمِينَ لِلسَّوَاحِلِ وَانْقِهَارُ النَّصَارَى؛ بَلْ وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ عِنْدَهُمْ انْتِصَارُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّتَارِ، وَمِنْ أَعْظَمِ أَعْيَادِهِمْ إذَا اسْتَوْلَى -وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى- النَّصَارَى عَلَى ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ”.
فهذه الكلمات من شيخ الإسلام تجعلك تقف على حقيقة القوم؛ فعداؤهم للمسلمين عداء متجذر عبر السنين لم تمحه ولم يخفف من غلوائه تطاول القرون.
* ولنأت الآن على شيء من تفاصيل خياناتهم وغدرهم وقبح أفعالهم:
– فمن ذلك استهزاؤهم بالمسلمين وبدينهم، يقول الرحالة ابن بطوطة في رحلته المسماة “تحفة النظار في غرائب الأمصار” واصفا ذلك عندما مر ببلادهم: “وأكثر أهل هذه السواحل هم الطائفة النصيرية الذين يعتقدون أن علي بن أبي طالب إله، وهم لا يصلون ولا يتطهرون ولا يصومون. وكان الملك الظاهر ألزمهم بناء المساجد بقراهم، فبنوا بكل قرية مسجداً بعيداً عن العمارة ولا يدخلونه ولا يعمرونه. وربما أوت إليه مواشيهم ودوابهم، وربما وصل الغريب إليهم فينزل بالمسجد ويؤذن إلى الصلاة، فيقولون: لا تنهق علفك يأتيك”.
– ومن ذلك خطف المسلمين وبيعهم إلى الكفار، يقول أبو الفداء في كتابه “المختصر في أخبار البشر” في حوادث سنة سبعمائة وخمسة: “وفيها أي سنة (705) سار جمال الدين أقوش الأفرم بعسكر دمشق وغيره من عساكر الشام، إلى جبال الظنينين، وكانوا عصاة مارقين من الدين، فأحاطت العساكر الإسلامية بتلك الجبال المنيعة، وترجلوا عن خيولهم، وصعدوا في تلك الجبال من كل الجهات، وقتلوا وأسروا جميع من بها من النصيرية والظنينين وغيرهم من المارقين، وطهرت تلك الجبال منهم، وهي جبال شاهقة بين دمشق وطرابلس، وأمنت الطرق بعد ذلك، فإنهم كانوا يقطعون الطريق ويتخطفون المسلمين، ويبيعونهم للكفار”.
– ومن ذلك المجازر الشنيعة التي ارتكبوها سنة سبعمائة وسبع عشرة، ودامت خمسة أيام قبل أن يقضي عليها عسكر المسلمين، وقد ذكر هذه الواقعة عدد من مؤرخي المسلمين كابن كثير في البداية والنهاية والمقريزي في السلوك لمعرفة دول الملوك والصفدي في أعيان العصر وأعوان النصر، وسأسوق القصة جامعا بين رواياتهم معتمدا رواية ابن كثير مضيفا إليها الزيادات المهمة في رواية المقريزي والصفدي، واضعا الزيادات بين قوسين: “وفي هذه السنة (أي717) خرجت النصيرية عن الطاعة وكان من بينهم رجل سموه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله، (من أهل قرية قرطياوس من أعمال جبلة) وتارة يدعي علي بن أبي طالب فاطر السموات والارض، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. وتارة يدعي أنه محمد بن عبد الله صاحب البلاد، (وأنه بينا هو قائم يحرث إذ جاءه طائر أبيض فنقب جنبه وأخرج روحه وأدخل في جسده روح محمد بن الحسن)، وخرج يُكفر المسلمين وأن النصيرية على الحق، واحتوى هذا الرجل على عقول كثير من كبار النصيرية الضلال، (وأمرهم بالسجود له فسجدوا، وأباح لهم الخمر وترك الصلوات وصرح بأن لا إله إلا علي ولا حجاب إلا محمد، ورفع الرايات الحمر، وشمعة كبيرة… ويحملها شاب أمرد زعم أنه إبراهيم بن أدهم، وأنه أحياه، وسمى أخاه المقداد بن الأسود الكندي، وسمى آخر جبريل، وصار يقول له: اطلع إليه وقل كذا وكذا، ويشير إلى الباري سبحانه وتعالى، وهو بزعمه علي بن أبي طالب، فيخرج المسمى جبريل ويغيب قليلاً، ثم يأتي ويقول: افعل رأيك) وعين لكل إنسان منهم تقدمة ألف، وبلادا كثيرة ونيابات، وحملوا على مدينة جبلة فدخلوها وقتلوا خلقا من أهلها، وخرجوا منها يقولون: لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان. وسبوا الشيخين، وصاح أهل البلد: واإسلاماه، واسلطاناه، واأميراه، فلم يكن لهم يومئذ ناصر ولا منجد، وجعلوا يبكون ويتضرعون إلى الله عز وجل، فجمع هذا الضال تلك الأموال فقسمها على أصحابه وأتباعه قبحهم الله أجمعين. وقال لهم: لم يبق للمسلمين ذكر ولا دولة، ولو لم يبق معي سوى عشرة نفر لملكنا البلاد كلها. (ولو كنت في عشرة بقضيبٍ واحد لا بسيفٍ ولا بترس ولا برمح، انتصرتُ عليهم وقتلتهم) ونادى في تلك البلاد أن المقاسمة بالعشر لا غير؛ ليرغب فيه، وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين: قل لا إله إلا علي، واسجد لإلهك المهدي الذي يحيي ويميت حتى يحقن دمك ويكتب لك فرمانا، وتجهزوا وعملوا أمرا عظيما جدا، (ونهبوا الأموال، وسبوا الأولاد، وهتكوا النساء، وقتلوا جماعةً من المسلمين بجبلة، ورفعوا أصواتهم: لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان، وسبّوا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم) فجردت إليهم العساكر فهزموهم وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وجما غفيرا، وقُتل المهدي أضلهم وهو يكون يوم القيامة مقدمهم إلى عذاب السعير، كما قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ)”. ولا يسعنا هنا سوى أن نترحم على شيخ الإسلام الخبير بهم حيث يعطي قاعدة تاريخية ذهبية فيقول في فتاواه الشهيرة عن النصيرية: “فَإِذَا كَانَتْ لَهُمْ مُكْنَةٌ سَفَكُوا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ”.
– ومن ذلك التحالف مع أعداء المسلمين ومعاونتهم لإسقاط حصون المسلمين وثغورهم، يقول شيخ الإسلام: “وَمِنْ الْمَعْلُومِ عِنْدَنَا أَنَّ السَّوَاحِلَ الشَّامِيَّةَ إنَّمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا النَّصَارَى مِنْ جِهَتِهِمْ… فَإِنَّ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ مَا زَالَتْ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى جَزِيرَةِ قُبْرُصَ يَسَّرَ اللَّهُ فَتْحَهَا عَنْ قَرِيبٍ وَفَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي خِلَافَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَتَحَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، إلَى أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ. فَهَؤُلَاءِ الْمُحَادُّونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ كَثُرُوا حِينَئِذٍ بِالسَّوَاحِلِ وَغَيْرِهَا فَاسْتَوْلَى النَّصَارَى عَلَى السَّاحِلِ؛ ثُمَّ بِسَبَبِهِمْ اسْتَوْلَوْا عَلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ؛ فَإِنَّ أَحْوَالَهُمْ كَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي ذَلِكَ”.
وكذلك كان النصيريون يتعاونون مع الفرنسيين أعداء الدولة العثمانية ويطالبونها بالمجيء إليهم ويتعهدون بقتال العثمانيين، يقول ليون كاهون (وهو ضابط أرسلته فرنسا في بعثة تبشيرية واستكشافية إلى جبال العلويين عام 1878م كما ذكر ذلك المترجم) في كتابه “رحلة إلى جبال العلويين” وقد نقله إلى العربية الدكتور سهيل زكار: “إلا أنني كنت أسمع الجملة التي يرددها الجميع: متى سيأتي الفرنسيون؟ ليأت الفرنسيون كرمى لله، ما من ضرورة لإرسال جنود فليقدموا لنا الإدارة والمدارس وإذا أرادت فرنسا حمايتنا فسنتكفل نحن بطرد الحكومة التركية من طرابلس حتى اللاذقية. لماذا لا تريدنا فرنسا؟” وللعلم فهذه الرحلة كانت بعد احتلال الجزائر بأكثر من سبعة وأربعين عاما، وقد انتشر خبر المجازر التي ارتكبتها هناك في الآفاق وعم أرجاء الأرض، ومع ذلك يريد النصيريون مجيء فرنسا إلى سوريا.
وبعد أن احتلت فرنسا سوريا وقف النصيريون في صفها وكانوا نعالا خسيسة في أقدامها تطأ بهم القذارات والنجاسات وتستخدمهم لتثبيت سلطانها، ولا بأس بأن تضحك عليهم ببعض الفصول الهزلية، ومن ذلك دعمها للنصيري الذي ادعى الألوهية سليمان المرشد، يقول الزركلي في كتابه “الأعلام” في ترجمته: “متأله من النصيرية، من قرية (جوبة برغال) شرقي اللاذقية، بسورية، تلقب بالرب! بدأت سيرته سنة 1920 م، وسجن سنة 1923، ونفي إلى الرقة حتى سنة 1925، وعاد من منفاه فتزعم أبناء نحلته (النصيرية) وهم من فرق الباطنية، يتسمون بالعلويين (يؤلهون عليا، ويقولون بالحلول) وكانت الثورة في سورية أيام عودته قائمة على الفرنسيين، وانتهت بتأليف حكومة وطنية لها شيء من الاستقلال الداخلي، فاستماله الفرنسيون واستخدموه، وجعلوا لبلاد (العلويين) نظاما خاصا، فقويت شوكته وتلقب برئيس (الشعب العلوي الحيدري الغساني) وعيَّن (سنة 1938) قضاة وفدائيين، وفرض الضرائب على القرى التابعة له، وأصدر قرارا جاء فيه: (نظرا للتعديات من الحكومة الوطنية والشعب السني على أفراد شعبي، فقد شكلت لدفع هذا الاعتداء جيشا يقوم به الفدائيون والقواد.. إلخ) وجعل لمن سماهم الفدائيين ألبسة عسكرية خاصة. وكان في خلال ذلك يزور دمشق، نائبا عن (العلويين) في المجلس النيابي السوري.
فلما تحررت سورية وجلا الفرنسيون عنها، ترك له هؤلاء من سلاحهم ما أغراه بالعصيان، فجردت حكومة سورية قوة فتكت ببعض أتباعه، واعتقلته مع آخرين، ثم قتلته شنقا في دمشق”.
ويقول الدكتور الشكعة في كتابه “إسلام بلا مذاهب”: “وكان سلمان هذا ذكيا مثَّل الدور تمثيلا جيدا (يعني دور الألوهية) فكان يلبس فيما يروى عنه ثيابا فيها أزرار كهربائية ويحمل في جيبه بطارية صغيرة متصلة بالأزرار، فإذا أوصل التيار أضاءت الأنوار من الأزرار، فيخر له أنصاره ساجدين، ومن الطريف أن المستشار الفرنسي الذي كان وراء هذه الألوهية المزيفة كان يسجد مع الساجدين ويخاطب سلمان بقوله (يا إلهي)”.
* ولنكتف بهذا القدر في هذا المقال، وإلى مقال قادم نتحدث فيه عن تاريخ آل الأسد من الجد إلى الولد، والحمد لله رب العالمين.
لمتابعة مجلة بلاغ العدد التاسع عشر جمادى الاولى 1442 للهجرة _ كانون الثاني 2021 للميلاد اضغط هنا
لتحميل نسخة من مجلة بلاغ العدد التاسع عشر اضغط هنا