عبادة استنزال النصر – ركن المرأة – مجلة بلاغ العدد ٦١ – ذو القعدة ١٤٤٥ هـ
الآنسة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
جراحاتنا أليمة وآمالنا عظيمة، نعمل ونجهد ونجاهد الظلم والظلمات، وقد سُلّط علينا بذنوبنا من قال الله عز وجل عنهم: {وَمِنَ النّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيُشهِدُ اللَّهَ عَلى ما في قَلبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصامِ} [البقرة:204]
هذا النموذج المرائي الشرير الذلق اللسان الذي يجعل شخصه محور الحياة كلها والذي يعجبك مظهره ويسوؤك مخبره، فإذا دُعي إلى الصلاح وتقوى الله لم يرجع إلى الحق ولم يحاول إصلاح نفسه، بل أخذته العزة بالإثم، واستنكف أن يوجه إلى الحق والخير، ومضى في طريقه يهلك الحرث والنسل، قال تعالى: {وَإِذا تَوَلّى سَعى فِي الأَرضِ لِيُفسِدَ فيها وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ} [البقرة:205].
يتقن الكذب والتمويه والدهان حتى إذا جاء دور العمل ظهر المخبوء وانكشف المستور من حقيقة هذا المخلوق النكد وفضح بما فيه من حقيقة الشر والبغي والحقد والفساد والغدر مما كان يستره بنعومة الدهان وذلاقة اللسان من تظاهر بالخير والصلاح..
الذي تولى فقصد إلى الفساد في الأرض وأخرج ما يعتمل في صدره من الحقد والضغن والشر والفساد، ثم عندما قيل له اتق الله تذكيرًا له وتخويفًا من غضب الله أنكر أن يقال له هذا القول واستكبر أن يوجه إلى التقوى وتعاظم أن يُؤخذ عليه خطأ، فاستعز بالإجرام والذنب والخطيئة ورفع رأسه أمام الحق الذي يذكر به وأمام الله بلا حياء منه، فنشر الويلات من المحن والعذاب وشمّت الشامتين بأمة الإسلام والمسلمين.
*فكيف السبيل لنصرة الحق والدين!!
لقد عانى الأنبياء وأتباعهم من الصدود والجحود الشيء الكثير، فصبروا وأكملوا الطريق حتى لاقوا ربهم وقد بلّغوا وأدوا الرسالة على أكمل وجه صابرين يرجون ما عند الله غير آبهين للدنيا ولمن اغتر بها، وقد قال الله عنهم في كتابه العزيز: {وَكَأَيِّن مِن نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيّونَ كَثيرٌ فَما وَهَنوا لِما أَصابَهُم في سَبيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفوا وَمَا استَكانوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصّابِرينَ} [آل عمران:146]
لقد صبروا فلم تضعف نفوسهم، ولم تتضعضع قواهم، ولم تلن عزائمهم، فأحبهم الله ورضوا بحب الله أعظم عطاء مسح على الجراح وآسى القراح.
*ثم ماذا كان قولهم؟!
قال تعالى: {وَما كانَ قَولَهُم إِلّا أَن قالوا رَبَّنَا اغفِر لَنا ذُنوبَنا وَإِسرافَنا في أَمرِنا وَثَبِّت أَقدامَنا وَانصُرنا عَلَى القَومِ الكافِرينَ} [آل عمران:147]
لقد كان من تأدبهم مع الله أنهم طلبوا من الله وهم يجاهدون في سبيله غفران الذنوب وتثبيت الأقدام ثم بعد ذلك النصر على القوم الكافرين.
لقد حققوا الأدب اللاّئق بالمؤمنين في حق الله الكريم {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ} [آل عمران:148]، وأعظم من ذلك أعلن حبه لهم وهذا أكبر نعمة وأعظم ثواب.
فأين نحن من هؤلاء وقد سلكنا الطريق الذي سلكوه وطلبنا الطلب الذي طلبوه!!
فهل أخذنا الأسباب التي أخذوا بها!!
أسأل الله أن يرحم ضعفنا ولا يؤاخذنا على تقصيرنا ويمد لنا يد العون كي نسير على الطريق الصحيح ونأخذ الخط المستقيم، لأننا للأسف ضيعنا مفاتيح النصر ونبحث عنها في المكان الخطأ.
*سؤال بسيط.. ليس لعامة المسلمين وإن كانوا مسؤولين أمام الله بل لمن حمل الراية!
كيف حال بيوتنا؟؟ أين يدرس أبناؤنا؟؟
ونحن نعلم أن التعليم أداة لا يستهان بها بأيدي أعدائنا سيطروا به على عقولنا فضاعت الحقائق وضل الجيل.
هل اهتمامنا في تدريس أبناءنا دقائق الفقه ومغازي رسول الله صلى الله عليه كاهتمامنا بضرورة قصوى في حياتنا!!
وإذا لم يتعلم أبناؤنا هذا فكيف يحبون الإسلام والإنسان عدو ما يجهل، وقد فطن الصحابة رضوان الله عليهم لهذا فكانوا يعلمون أبناءهم مغازي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما يعلمونهم السورة من القران.
هل المعيار في ملابس أبنائنا رضى الله أم رضى الناس؟؟
ونحن نرى الأمهات وكيف أن ملابس بناتهن أو أبائهن خط أحمر لا تتنازل فيه عن رضى الناس في سبيل رضى الله، ولا تتنازل عن شيء من الأناقة المزعومة في سبيل الحشمة.
بل إننا نرى الشارع في بلاد الإسلام معرضًا للفتنة المتحركة ابتداءً من الطفلات وهلم جرًا، ولو لم يكن للباس أهمية عظمى لما بعث عمر بن الخطاب عماله في أذربيجان وأصحابه يوصيهم: “عليكم باللبسة المعدُيّة، وإياكم وهدي العجم فإن شر الهدي هدي العجم” أخرجه ابن شيبه وأحمد في مسنده.
وقد ثبت من وجه آخر عن عمر رضى الله عنه قوله: “عليكم بلباس أبيكم إسماعيل”، والمراد تشبهوا بلباس بني معد بن عدنان زياً وخشونةً، فلنتأمل حالنا وقول عمر رضي اللّه عنه.
أين ذكر الله في أوقاتنا المليئة بتصفح النت:
والله عزو جل يقول: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا لَقيتُم فِئَةً فَاثبُتوا وَاذكُرُوا اللَّهَ كَثيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحونَ} [الأنفال: 45]
هل الليل للقيام بين يدي الله أم بين يدي النت وغيره!!
هل عندنا حساسية لحرمات الله نغضب لانتهاكها!!
هل حياتنا إسلامية!!
في الحقيقة إذا وضعنا علامات للإجابات فأغلبها لا يتجاوز الخمسين في أحسن الأحوال، فأين أسباب النصر!!
بالطبع أنا لا أقول أن نوقف جهادنا إلى أن تصير الإجابة مئة أو تسعين، لكن نعمل على إصلاح حالنا مع جهادنا ونقيم الإسلام في بيوتنا ليقيمه الله على أرضنا، ومن أناب إلى الله أعانه الله، فالهمة الهمة ولنأت النصر من أبوابه عسى أن لا يستبدلنا الله.
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا واجعلنا من أسباب النصر لا من أسباب الهزيمة، إنك ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.