جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الكذب والظلم في قوله: «سَيكون بعدِي أُمَرَاء يكذبُون ويظلمون فَمن صدقهم بكذبهم وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظلمهم فَلَيْسَ مني وَلست مِنْهُ وَلم يرد عَلَى الْحَوْض».
والجمعُ بين الكذب والظلم كثيرٌ في القرآن الكريم؛ كقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
لا بد للظالم من كذّاب يقلب له الحقائق ويُزين ظلمه للناس على أنه إصلاح {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} وهو ما يُسمى البروبيجندا الإعلامية، وهي طريقة الحكام الظلمة منذ القدم؛ قال الله تعالى عن فرعون: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ}.
هكذا تشويه لكليم الله موسى عليه الصلاة والسلام ومن قبله قال قوم نوح: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} ومن بعده قالوا عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} {مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى}.
ولكل ظالم كذَّابون وعلى قدر ظلمه تكون كذباته.
يقول الشيخ رشيد رضا: “إن دولة الكلام المؤيدة بجحافل الكذب والزور والبهتان والإفك والافتراء والإخلاق والاختراق والخلابة والتمويه والتلبيس والتدليس تترقى بترقي الحضارة، وتتدلى بتدليها، وتتسع باتساع دائرة العلوم والمعارف، وتضيق بضيقها، فهي مساوقة لدولة الأحكام مؤيدة لها… فهل يكثر على عبيد المال وعشاق العظمة والجاه ومنهومي اللذات والشهوات، ومفتوني السلطة والسيادة، أن يقلبوا جميع الحقائق، ويستحلُّوا جميع المحارم في سبيل التمتع بتلك اللذات، والعلو في تلك الدرجات، والإشراف على الأمم والشعوب بالأمر والنهي؟”.
قال العلامة ابن القيم: (ومدار الولايات كلها: على الصدق في الإخبار، والعدل في الإنشاء، وهما قرينان في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الأمراء الظلمة: «من صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم،….. ولهذا يجب على كل ولي أمر أن يستعين في ولايته بأهل الصدق والعدل).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فكلّ من خالف طريق الأنبياء، لا بُدّ له من الكذب والظلم؛ إما عمداً، وإما جهلاً)).
فالكذب قد يقع جهلًا ممن يرددون كذب الظلمة ولكنه يُسمى كذبا كما وصف الله المشركين بالكذب، وكثيرٌ منهم لا يتعمّد ذلك؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ على كُلِّ أفَّاكٍ أثيم} ليس من شرطه أن يتعمد الكذب، بل من كان جاهلاً يتكلم بلا علم، فيكذب؛ فإن الشياطين تنزل عليه أيضاً؛ إذ من أخبر عن الشيء بخلاف ما هو عليه، من غير اجتهاد يُعذر به، فهو كذّاب).
وهناك فرق كبير بين الخطأ وبين الظلم وفرق بين الخطأ وتبني الخطأ وتبريره بالكذب والافتراء؛ فاحذروا مجالس الشياطين ومعاونتهم لمن جمع بين الكذب والظلم؛ قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}؛ الأفاك: الكاذب، والأثيم: الظالم الفاجر، فهم أبعد ما يكون عن الهداية قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}.