شوارد أبي اليقظان (35) لتكونن من المسجونين

شوارد أبي اليقظان

35) لتكونن من المسجونين:

التهديدُ بالسجون شنشنةٌ أعرفها من أخزم؛ هددت به امرأةُ العزيز الصِّديقَ يوسف عليه السلام؛ {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ}، فبعد إكرام المثوى ورفعة المنزلة؛ تهديدٌ بالذلة والصغار إن لم يفعل الفاحشة.

التهديدُ بالسجون سنةٌ فرعونية؛ توعد به فرعونُ اللعينُ موسى الكليمَ عليه السلام؛ {قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}، لما انبرت شكيمةُ موسى عليه السلام في الحق، عدل اللعينُ عن الحِجاج إلى البطش واللجاج؛ وهذا شأن المتكبرين إذا قهرهم الدليل والبرهان، وافتضح أمرهم للعيان.

لتكونن من المسجونين

يُذِّكر موسى عليه الصلاة والسلام بهول غياهب سجون القهر والظلم؛ قال الكلبي رحمه الله: “وكان سجنه أشد من القتل”. وقال النسفي رحمه الله: “أي لأجعلنك واحداً ممن عرفت حالهم في سجوني وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فرداً لا يبصر فيها ولا يسمع فكان ذلك أشد من القتل”. وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله: “وقد كان السجن عندهم قطعا للمسجون عن التصرف بلا نهاية، فكان لا يدري متى يخرج منه”. وقال سيد رحمه الله: “فليس السجن عليه ببعيد. وما هو بالإجراء الجديد! وهذا هو دليل العجز، وعلامة الشعور بضعف الباطل أمام الحق الدافع. وتلك سمة الطغاة وطريقهم في القديم والجديد”.

 لتكونن من المسجونين

هذا شأن الفراعنة مع مَن تمرد عليهم وخالف أمرهم، أما المناقشة بالعقل والمناظرة بالحجة فلا حاجة لهم بها طالما حالهم؛ {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}، ومن أفلت منهم ولم يقبع في سجنهم عمدوا إلى التشويه الإعلامي ليقتلوا شخصيته وشعارهم خلُق الأولين؛ {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}؛ قال الضحاك: “من المشتومين”. كما قيل للخليل عليه السلام: {يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ}؛ أي لأسبنك.

◊غير أن من نجَّاه الله من سجن حب الدنيا وتخلص قلبه من آخر أغلالها وهو حب الجاه والرياسة فإنه سيردد مع الصديقين؛ {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}.

الشيخ أبو اليقظان المصري

 

Exit mobile version