دولار

1⃣

ضاقت به السُّبُلُ وأعيَتهُ الحِيَلُ، ولم تبقَ له عينٌ تنكسرُ أمامَ الناسِ لاقتراضِ القليلِ من المال، ما يُسكِّنُ به جوعَ أطفاله الذين يَتضَاغَون في غالبِ الأيام، ويَبيتون طاوِينَ في أكثرها.

زوجتُه تحثُّهُ وتؤنِّبُهُ وتدفعه إلى طرقِ بابِ جارهِ بعد منتصفِ الليل، لكي يطلبَ قيمةَ دولارٍ واحدٍ، يشتري بها خافضَ حرارةٍ لطفلته التي تغلي وتهذي، الجارِ الذي تأفَّفَ منه عندما اقرضه ثمن كيسين من الخبزِ منذ أيامٍ، وللمفارقة المؤلمة يبيعُ أبناءُ الجارِ أكياساً من الخبزِ اليابسِ كل أسبوعٍ، عدا ما يُلقونَه في القمامة.

السيارةُ المُهترئةُ المخصصةُ لمجموعته ملكٌ عامٌّ، لا يسمح قائدُ المجموعةِ أن تنتقلَ إلا للأغراضِ العسكريةِ وتحركاته الشخصيةِ، فتحركاتُه كلُّها للخدمةِ العامة كما أفتى نفسَهُ، ولن تتحركَ لنقل الطفلةِ إلى المشفى، ولن يحصلَ والدُ الطفلة على قيمةِ الدولارِ ممن خَصَمَ نصفَ مُرتَّبهِ الذي تأخرَ شهوراً.

بعد أن سَكنَت الطفلةُ وانخفضت حرارتُها إلى مستوى حرارة الجدار بجانبها، خرج ليُبلغَ مؤذنَ الفجرِ كي ينعاها، وتوجه بعد الدفنِ إلى نقطةِ الرِّباطِ التي لا يختلف حالها عن حال الطفلة كثيراً، عندما ترتفعُ حرارتُها فلا تجدُ من يعالجها وعندما تنخفضُ فينعاها المؤذن، وقرر أنها آخر نوبةِ رباطٍ له على هذا الحال، ويعودُ بعد أن يسدِّدَ ما عليهِ من ديونٍ، ويضعَ في بيتِه بلاغَ الأسبوعِ من القوتِ، ويُبقيَ في جيبهِ قيمةَ دولارٍ.

ما أنصفَ الآمنُ من كان سبباً من أسبابِ أمنه، وما عرف القاعدُ حقَّ المجاهد.

أبو يحيى الشامي
t.me/ay_shami

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى