حجاب المسلمة وقرارها في البيت – ركن المرأة – مجلة بلاغ العدد ٤٩ – ذو القعدة ١٤٤٤ هـ
الأستاذة: خنساء عثمان
أختي المسلمة: الله الله في حجابك وقرارك في البيت، عضي عليهما بالنواجذ، واعلمي أن ثباتك عليهما من أعظم مسؤولياتك في الشرع وأجل قرباتك وعباداتك إن عرفت حق الله فيهما وشعرت بخطرهما وأهميتهما.
وهما والله الباب المغلق أمام مكر أعداء الإسلام… هذا الباب الذي لا يفتح إلا كسرا، فإن كسر صعب إصلاحه، ولا يكسر إلا بغفلة الأمة عن كيد أعدائها الذين ما برحوا يعملون ويدأبون مكرا في الليل والنهار، حتى إذا ما كسر هذا الباب العظيم؛ خرجت المرأة من بيتها، ولم تعد إليه، وصارت ألعوبة بيد الأشرار الذين خططوا وبمكر شديد ونفَسٍ طويل إلى أن أوصلوها إلى هذه الحالة المزرية سفاهة، وتفاهة، وتبرجا، وأداة طيعة بيد شياطين الجن والإنس، تنشر الفساد وتخرب النفوس بسفورها أو حجابها سواء بعد أن فقدت لباس التقوى.
فكيف حصل ذلك؟؟.
إنها خطوات الشيطان.
بدأت بعدم طاعتها لأمر الله في كتابه العزيز (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [سورة اﻷحزاب: 33] فخرجت من بيتها ومملكتها الحصينة إلى الشارع بحجج شتى زرعها أعداؤها وأعداء الإنسانية جمعاء في عقلها، مستسلمة لخططهم، لتضع نفسها وبناتها من الأجيال القادمة في منزلق خطير لم يقف إلى الآن عند قرار، بدايته عجيبة ودقيقة وماكرة وغير ملفتة للأنظار..، فتأملي ما حصل.
سأبدأ القصة بسؤال: ما قولك في الملاءة السوداء أو “الملحفة” التي كانت جداتنا يرتدينها؟ المؤلفة من قطعتين تنورة عريضة وإسدال وغطاء وجه فضفاض؟؟
لا شك أنها ساترة أليس كذلك؟
ماذا لو أخبرتك أنها يوما من الأيام كانت موضة صممها الفرنسيون ليقطعوا الطريق أمام العباءة الساترة السابغة من قمة الرأس إلى الأرض التي ورثتها الفروع من النساء عن الأصول وكانت لباس المسلمات عبر الأجيال؟
نعم سنرى هذه الملاءة اليوم ساترة، لكنها للأسف كانت يومها خطوة في طريقٍ نهايتُه السفور والتبرج، وخطوة أيضا في كسر الحاجز النفسي أمام التغيير للأسوأ تدريجيا لكي يأتي بعد ذلك اندثار الحجاب الأصلي الذي لم يعد موجودا من حينها ولا نعلم شكله الأصلي.
ومشت القضيةُ كما رُسِمَ لها يمشي المرء حينها في الشارع فيرى ما يلي…. الكبيرات لا زلن متمسكات بالأصل، أما الشابات فلباسهن هذه الملاءة “الملحفة”.
ومضت برهة من الزمن، فماتت الكبيرات وماتت معهن عباءاتهن، ولم يعد يرى في الشارع إلا الملاءة، ثم هل وقف الأمر عند هذا الحد؟ بالطبع لا، بل بطريقة خبيثة من أعداء الله بدأ انتشار (البالطو أو المانطو) ومن فوقه البرنيل وهما اسمان فرنسيان لهذا النوع من الحجاب، حينها وهنا!! بدأت معركة بين أنصار الملاءة والمتمسكين بها وأنصار التجديد والبرنيل، واشتدت المعركة، لكن، وللأسف كانت الهجمة قوية وأكبر من الجهود الفردية في ردها بسبب الغفلة الشديدة عن خطط أعداء الإسلام وعدم الحذر مما وراء الأشياء، والاكتفاء بالظاهر غير الملفت للنظر.
نعم، لقد نجح البرنيل في شق طريقه بين صفوف الشابات ونساء الأغوات وعلية القوم وبقيت الملاءة “الملحفة ” للكبيرات، أو المتأخرات عن ركب التقدم كما كانوا يزعمون.
فهل وقف الأمر عند هذا الحد؟
لا، أبدا، فالخطة تمشي قُدُما خطوة خطوة على خطى الشيطان…، قد تكون بطيئة في بعض الظروف لكنها أكيدة المفعول في النهاية.
لقد جاء دور خلع البرنيل واستبداله بالمنديل الأسود يغطى به الرأس والوجه فقط، ويبقى المانطو يظهر تفاصيل الجسم لكن دون أي إنكار يذكر في هذه المرّة، فالأم تمشي في الشارع بالبرنيل وابنتها بمنديل الرأس.
ثم ما زالت المناديل ترق وتشف حتى لم تعد تستر شيئا من الوجه أو الشعر أو الزينة أو أقراط الأذن ونحوها، وإنما هي غلالة رقيقة شفافة لا كبير معنى لها.
كان هذا كارثة بحق، حتى إن بعض المصلحين ومنهم الكاتب الراحل علي الطنطاوي، في كتابه صور وخواطر، في مقالة تحت عنوان “يا بنتي” قد أطلق صيحات الأسى فقال: “إن المنكرات لتزداد والفساد ينتشر، والسفور والحسور والتكشف تقوى شِرَّته وتتسع رقعته، ويمتد من بلد إلى بلد، حتى لم يبقَ بلد إسلامي -فيما أحسب- في نَجْوَة منه. حتى الشام التي كانت فيها الملاءة السابغة، وفيها الغلوّ في حفظ الأعراض وستر العورات، قد خرج نساؤها سافرات حاسرات كاشفات السواعد والنحور!.. إنكنّ قَصَّرْتُنّ الثيابَ ورفعتنّ الحجابَ شعرة شعرة، وصبرتُنّ الدهر الأطول تعملنَ لهذا الانتقال، والرجل الفاضل لا يشعر به، والمجلات الداعرة تحثّ عليه، والفُسّاق يفرحون به، حتى وصلنا إلى حال لا يرضى بها الإسلام ولا ترضى بها النصرانية، ولم يعملها المجوس الذين نقرأ أخبارهم في التاريخ، إلى حال تأباها الحيوانات”.
ثم انتقل المنديل لمرحلة “الإيشارب” وهي كلمة فرنسية تعني لفحة العنق. كان الإيشارب أسود في البداية، ولكن مع مرور الوقت لم يعد لللون أي اعتبار فصار أبيض ثم انتقل لباقي الألوان، وكما خطط له تَغَير الاسم فصار يطلق على “الإيشارب” اسم “الحجاب الشرعي” لتمرير الخطة.
ثم ماذا؟ هل وقفت خطوات الشيطان؟ بالتأكيد لا.
بدأ استبدال المانطو بالطقم “تنورة وجاكيت” أو ثوب يقصر ويضيق تدريجيا، ثم بدأ “الإيشارب “يصغر تدريجيا وينحسر من مقدمة الشعر ومؤخرته حتى لم يعد يغطي إلا جزءا يسيرا من الرأس.
كل هذا تمرره المخططات لتغيير الفطرة تدريجيا؛ إذ إن الفطرة لا تتغير فجأة، وإنما تنتكس بالتدريج كما جاء في كتاب “الحجاب” للشيخ عبد العزيز الطريفي.
لكن تنتفض المرأة فجأة وتعود لصفائها من أراد الله لهن الخير، وهذا ما حصل بالسبعينات من القرن الماضي فقد قامت صحوة إسلامية وانتشر الوعي بين الشباب المسلم، وعاد الجلباب يفرض نفسه بقوة بين الشابات الملتزمات، فارتدينه متحديات فساد حجاب أمهاتهن، بل إن منهن من كانت سببا في رجوع أمها للحجاب الصحيح.
ولكن، هل نام أعداء الإسلام عن ذلك؟
لا، أبدا، لقد بدأوا يلتفون على الحجاب من الخلف، ويصممون العباءات الفرنسية في بلاد الحرمين لتباع للحجاج والمعتمرين، فيرجعون بها إلى أهلهم في شتى البقاع المسلمة كهدية من أرض الحجاز.
وبهذا انتشر مرة أخرى الحجاب المتبرج في غفلة من الآباء وأولياء الأمور، ليصبح الحليم حيرانا بالمصائب التي نزلت على حجاب المرأة من الخطوط والأشكال اللافتة للنظر، مع إدخال أنواع الزينة اللامعة تحت الشمس لجلب الأنظار وزرع الفتنة، وكذلك عباءة الخصر الضيق لإظهار أعضاء الجسم المأمورة بحجبها، وتارة العباءة التي تشبه ثوب السهرة المصمم في دور الأزياء الغربية، وتارة تضع أكماما مستعارة فوق الأكمام الأصلية كي تبدو العباءة كثوب الرقص “والعياذ بالله”.
ثم ماذا حصل من الأمور الخطيرة التي قصمت ظهر الحجاب؟
لقد استبدلت العباءة والمانطو والسدال وغطاء الرأس بأنواع متبرجة حسب تدرج صاحبته في التخلي عن حجابها، متناسية أن هذه الملابس مصممة في دور الأزياء الغربية كي توحي بأنها بديل عن العباءة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأما البالطو الرسمي كما سول الشيطان للبعض فلقد أصبح ضيقا جدا ويصف أجزاء الجسم، وأحيانا يكون قصيرا إلى الركبتين بحجة أن الساق مغطى بالبنطال (الضيق).
وإذا نجت من ذلك كله فتراها ترتدي الحذاء الملون أو الرياضي الأبيض تحت حجابها الأسود، كي تبدو رشيقة كما يملي عليها أبالسة الجن والإنس لتلفت النظر إليها، وإلى الله المشتكى…!
هذا ما عانيناه من فساد الشارع إلى أن أذن الله فقام الجهاد المبارك بأرض الشام فاختفت كثير من مظاهر التبرج فارتاح المجتمع من أذى المتبرجات قليلا، لكن بمجرد أن جرت سنة الله بتأخير النصر قليلا لحكمة يعلمها حتى عادت مصائب التبرج أشد وأدهى، ففي كل يوم جديد يطلع علينا الشيطان حاملا بقرنه جديدا آخر من فنون التبرج الذي لم يسلم منه إلا القليل من الصالحات.
والسبب؟ ما أخبر الله في كتابه أنهم (نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) إنّ مما ذكروا به ونسوه آية الأحزاب (…وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ…) وفي الحديث: «المرأةُ عورةٌ، وإنّها إذا خرجتْ مِن بَيتِها استَشْرَفَها الشيطان، وإنّها لا تكون أقربَ إلى الله منها في قَعر بيتها».
فجنى المجتمع حنظلا مرا بكل أشكال المرارة وأنواعها من: فساد، وانتشار فتنة، وميوعة جيل، وتراجع عفاف الشباب.
فهل من حل؟
نعم الحل هو في قرارك في بيتك أيتها الأنثى، فبيتك جنتك في الدنيا وسبب لدخولك الجنة في الآخرة إن شاء الله، فالزميه ولا تخرجي إلا لحاجة، فإن خرجت فبحجابك الكامل الوقور، وربي ابنتك على هذا الوقار.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، وعلى آله وصحبه أجمعين.