تلخيص كتاب “الصارم المسلول على شاتم الرسول” لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مجلة بلاغ العدد ٧٢ – ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

من مشاركات القراء

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد؛

فإن حب النبي عليه الصلاة والسلام من أصول الإيمان «لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولدِهِ، ووالدِهِ، والناسِ أجمعينَ» متفق عليه.

فبه استنقذنا الله من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وهو عليه الصلاة والسلام شديد الشفقة على أمته {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:128]، لم يترك خيراً إلا دلّها عليه ولا شراً إلا حذّرها منه فعلّمها الكتاب والحكمة وقام لها مقام الوالد: «إنَّما أنا لكم بمَنزِلةِ الوالِدِ، أُعلِّمُكم» رواه أبو داود.

فحقه صلى الله عليه وسلم أعظم الحقوق وحرمته – بأبي هو وأمي- أشد الحرمات فهو ليس كغيره من البشر، وقد توعد الله من آذاه بالعذاب المهين ورماه باللعنة {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} [الأحزاب:75].

وقد تطاول بعض زنادقة الباطنية على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأيام الماضية فرأيت تعريفَ الأمة بكتاب (الصارم المسلول على شاتم الرسول) لشيخ الإسلام ابن تيمية وبيان ما فيه من المسائل بشكل موجز جدًا ليكون ذلك دافعًا لطلبة العلم والمثقفين إلى قراءة هذا الكتاب والرجوع إليه في هذه المسألة المهمة.

وأما الساب الأثيم فله موعدٌ لن يخلفه وسيحِلُّ به من عذاب الله ما يجعله عبرةً لكل من تسول له نفسه الاعتداء على مقام النبوة وتعدي حدود الله في مقدساته.

اشتمل كتاب الصارم المسلول على أربع مسائل:

*المسألة الأولى:

((أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر فإنه يجب قتله)).

 

((هذا مذهبٌ عليه عامة أهل العلم، قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب النبي عليه الصلاة والسلام القتل)).

 

قال أحمد بن حنبل: “كل من يشتم النبي صلى الله عليه وسلم أو تنقصه – مسلماً كان أو كافراً – فعليه القتل وأرى أن يقتل ولا يستتاب”.

 

ثم أورد شيخ الإسلام الدلائل على انتقاض عهد الذي يسب الله أو رسوله أو دينه ووجوب قتله وقتل المسلم إذا أتي ذلك، وهذه الدلائل من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين والاعتبار

أما الكتاب فقد أورد عدداً من الآيات ومنها قوله تعالى:

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29].

فمن المعلوم أن من أظهر سب نبينا في وجوهنا وشتم ربنا على رؤوس الملأ وطعن في ديننا في مجالسنا فليس بصاغر ومنها قوله: {وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} [التوبة:12].

ومعلومٌ أن مجاهرتنا بالشتيمة والوقيعة في ربنا ونبينا وكتابنا وديننا يقدح في الاستقامة كما تقدح مجاهرتنا بالمحاربة في العهد بل ذلك أشد علينا إن كنا مؤمنين فإنه يجب علينا أن نبذل دماءنا وأموالنا حتى تكون كلمة الله هي العليا ولا يجهر في ديارنا بشيءٍ من أذى الله ورسوله ثم أورد الآيات الدالة على كفر الشاتم وقتله أو على أحدهما إذا لم يكن معاهداً وإن كان مظهراً للإسلام وبيّن أن الإجماع منعقدٌ على ذلك، ومن الآيات قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة:65].

وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقّص رسول الله صلى الله عليه وسلم جاداً أو هازلًا فقد كفر.

ومنها الآيات التي تدل على نفاق المعرض عن حكم رسول الله كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء:60].

وقوله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].

فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره من أن هذا ترك محض وقد يكون سبه قوة الشهوة فكيف بالنقص والسب ونحوه؟ ثم ذكر الأدلة من السنة النبوية على كفر الشائم وقتله ومنها:

(ما رواه الشعبي عن علي أن يهوديةً كانت تشتم النبي صلى الله عليه مسلم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها) وحكم عليه بأنه حديث جيد.

الحديث الثاني:

عن ابن عباس رضي الله عنهما: “أنَّ أعمى كانت له أمُّ ولدٍ تشتُمُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وتقعُ فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرُها فلا تنزجرُ قال فلما كانت ذاتَ ليلةٍ جعلَت تقعُ في النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وتشتُمه فأخذَ المِغْولَ سيفٌ قصيرٌ فوضعَه في بطنِها واتَّكأ عليها فقتلَها فوقع بين رجلَيها طفلٌ فلطَّختْ ما هناك بالدَّمِ فلما أصبحَ ذُكِرَ ذلك لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فجمع الناسَ فقال أنشُدُ اللهَ رجلًا فعل ما فعل لي عليه حقٌّ إلا قام فقام الأعمى يتخطَّى رقابَ الناسِ وهو يتزلْزلُ حتى قعد بين يدَي النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال يا رسولَ اللهِ أنا صاحبُها كانت تشتُمكَ وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرُها فلا تنزجرُ ولي منها ابنان مثلُ الُّلؤلُؤتَينِ وكانت بي رفيقة فلما كانت البارحةُ جعلت تشتُمك وتقعُ فيك فأخذتُ المِغْولَ فوضعتُه في بطنِها

واتَّكأْتُ عليها حتى قتلتُها فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ألا اشهَدوا أنَّ دمَها هَدَرٌ” رواه أبو داود والنسائي.

والمغول: الخنجر

والظاهر أن هذه القصة هي السابقة نفسها

الحديث الثالث:

قصة قتل كعب بن الأشرف وهي في الصحيح وهي مشهورةٌ فلا داعي لذكرها في هذا المقال المختصر

الحديث الرابع:

عن أبي برزة قال: “أغلظَ رجلٌ لأبي بكر الصديق فقلت: أقتله؟ فانتهرني وقال: ليس هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم” رواه النسائي.

الحديث الخامس:

قصة ابن أبي السرح وهي ما اتفق عليه أهل العلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: “لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي السرح عند عثمان بن عفان فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثًا كل ذلك يأبى فبايعه بعد الثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال: «أما كان فيكم رجلٌ رشيدٌ يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله» فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينك فقال: «إنه لا ينبغي لنبي ان تكون له خائنة الأعين» رواه أبو داود بإسناد صحيح.

وذكر شيخ الإسلام ما حدثه به العدول في غزوهم بني الأصفر في السواحل الشامية قالوا: “كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس إذا تعرض أهله لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والوقيعة في عرضه فعجلنا فتحه وتيسر ولم يكد يتأخر إلا يومًا أو يومين أو نحو ذلك ثم يقع المكان عنوةً ويكون فيهم ملحمةٌ عظيمةٌ

قالوا: حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوه”.

وقد ذكر شيخ الإسلام في هذا القسم سوى ما نقلنا، أحاديث وقصص فيها كلامٌ وضعفٌ ولكن اعتماده كان على ما صح وما سواه فمن باب الاستئناس والتقوية.

ثم انتقل الحديث إلى نقل الإجماع فقال: “وأما إجماع الصحابة فلأن ذلك نقل عنهم في قضايا متعددة ينتشر مثلها ويستفيض ولم ينكرها أحدٌ منهم فصارت إجماعا”.

وذكر بعض أخبار الصحابة وأقوالهم في ذلك ومنها:

 

عن مجاهد قال: “أُتي عمر برجلٍ سب النبي صلى الله عليه وسلم فقتله ثم قال: من سب الله أو سب أحدًا أمن الأنبياء فاقتلوه”.

وقال مجاهد عن ابن عباس: “أيما مسلم سب الله أو سب أحداً من الأنبياء فقد كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ردة يُستتاب فإن رجع وإلا قُتل، وأيما معاهد عاند فيسب الله أو أحداً من الأنبياء أو جهر به فقد نقض العهد فاقتلوه”.

 

وعن ابن عمر: “مر به راهب فقيل له: هذا يسب النبي صلى الله عليه فقال: لو سمعته لقتلته إنا لم نعطهم الذمة على أن يسبوا نبينا صلى الله عليه وسلم”.

 

وعن خليد أن رجلاً سبّ عمر بن عبد العزيز فكتب عمر: “إنه لا يقتل إلا من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن اجلده على رأسه أسواطًا ولولا أني أعلم أن ذلك خيرٌ له لم أفعل”.

 

ثم قال ابن تيمية: “فهذا قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان لا يُعرف عن صاحب ولا تابع خلافٌ لذلك بل إقرار عليه واستحسان له.

ثم ذكر أدلة الاعتبار فقال:

“وأما الاعتبار فمن وجوه:

أن عيب ديننا وشتم نبينا مجاهدة لنا ومحاربة فكان نقضاً للعهد كالمجاهرة والمحاربة وأولى.

ومنها:

أن مطلق العهد الذي بيننا وبينهم يقتضي أن يكفوا ويمسكوا عن إظهار الطعن في ديننا وشتم رسولنا كما يقتضي الإمساك عن دمائنا ومحاربتنا

ومنها:

أن العقد مع أهل الذمة على أن تكون الدار لنا تجري فيها أحكام الإسلام وعلى أنهم أهل صغار وذلة على هذا عوهدوا وصولحوا.

ومنها:

أن الله فرض علينا تعزير رسوله وتوقيره وذلك يوجب صون عرضه بكل طريق.

ومنها:

أن نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضٌ علينا وهو من أعظم الجهاد ومن أعظم النصر حماية عرضه ممن يؤذيه”.

ثم عرضٌ لبعض الشبهات وأجاب عليها.

فالنبي عليه الصلاة والسلام له أن يسامح في حقه وليس لغيره أن يسامح في حق النبي عليه الصلاة والسلام.

كما بيّن أن الأحاديث التي فيها عدم معاقبة النبي لمن آذاه إنما هي حال ضعف الإسلام وكان المسلمون حينئذٍ مأمورون بالعفو والصفح.

المسألة الثانية:

أنه يتعين قتل الساب ولا يجوز استرقاقه ولا المن عليه ولا فداؤه

 

أما إن كان مسلمًا على فبلإجماع وأما إن كان ذميًا فعلى الصحيح.

 

وناقش أدلة المخالفين موضحًا رجحان القول الذي اختاره.

المسألة الثالثة:

أنه لا يقتل ولا يستتاب سواء كان مسلماً أو كافراً

وكعادته بسط الأقوال في هذه المسألة مبينا للخلاف ومناقشًا الأدلة مرجحًا القول الذي اختاره.

وذكر مسألة توبة المرتد عمومًا وخلاف الفقهاء في وجوب توبته أو استحبابها وأدلة كل فريق.

وذكر أن الممتنع لا يستتاب وإنما يستتاب المقدور عليه.

وبين الفرق بين الردة المخففة والردة المغلظة.

كما بين خلاف العلماء في قبول توبة الزنديق بعد القدرة عليه ولماذا لم يقبل فريقٌ من أهل العلم توبته وذكر آثاراً عن الصحابة في ذلك.

المسألة الرابعة:

في بيان السب والفرق بينه وبين مجرد الكفر.

وذكر أن كل سبٍ وشتمٍ يبيح الدم فهو كفرٌ وإن لم يكن كل كفر سبًا.

ونقل عبارات أهل العلم في ذلك.

 

ثم بين أن السب المقصود هنا هو: ما عده أهل العرف سباً وانتقاصًا أو عيبًا أو طعنًا ونحو ذلك.

ثم ختم كتابه بذكر عددٍ من المسائل المتعلقة بهذا الباب فذكر حكم سب الأنبياء وأنه موافقٌ لما ذكر من حكم سب نبينا عليه الصلاة والسلام.

كذلك تعرض لحكم سب أزواج النبي عليه الصلاة والسلام

وحكم سب الصحابة رضي الله عنهم.

 

فرحم الله شيخ الإسلام وجزاه خيراً على غيرته على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى