الهوية السورية ||كتابات فكرية || مجلة بلاغ العدد ٢١ رجب ١٤٤٢
الأستاذ: خالد شاكر
في ظل ضوضاء إعلامية تتعلق بكتابة دستور لسوريا ثار حديث حول “الهوية السورية” ومدلولها ومحدداتها ومكانتها..
وهو حديث قديم جديد لازَم الثقافة القومية التي استشرت في العصر الأخير خاصة بعد إلغاء الخلافة العثمانية وظهور الدول الوطنية في العالم؛ حيث بدأت كثير من الدول في صياغة تعريف بنفسها ووطنها..
وخلال المائة سنة الماضية ظهر بوضوح أن أعداء الأمة عبر أذرعتهم العلمانية الإلحادية جعلوا التلاعب بتلك المسائل الوطنية والقومية أداتهم لتخريب العقيدة الإسلامية والأخلاق الكريمة والآداب الحسنة، فوضعوا تعاريف منكرة لتلك المصطلحات، ثم زعموا تقديس تلك التعاريف، وجعلوها فوق الإسلام وشعائره.
وكان من أخبث من حارب الإسلام عبر تلك النعرات الوطنية والشعوبية والقومية هم البعثيون الذين أطلقوا شعار: (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) ولم تجن تلك الأمة العربية من ورائهم سوى الخراب والدمار والشتات.
إن المسلم يرى الدنيا كلها والحياة بأسرها عبر منظور العقيدة الإسلامية؛ ومنها تتشكل خصائصه وتصوراته وروابطه وعلاقاته وتعاملاته..، ومن خلال الإسلام ينظر إلى الوطن والقوم والشعب والدولة والأعراق والأجناس والأديان.
فلو قبلنا مصطلح “الهوية” فإن “الهوية الإسلامية” هي أساس بنيان الفرد المسلم والمجتمع الإسلامي والدولة في الإسلام، وتلك “الهوية الإسلامية” ترتكز على تعاليم الإسلام ونظرته للفرد والمجتمع وحقوق وواجبات كل من فيه، وبناء عليها ترتقي وتنضبط العادات والتقاليد والأعراف والآداب والفنون والعلوم..
ومن خلال “الهوية الإسلامية” تكون النظرة للحدود المقبولة المنضوية تحتها من هُويات قطرية أو قومية أو عرقية أو لغوية أو مهنية أو ثقافية…، ويكون كذلك الرفض المطلق لكل ما خالف “الهوية الإسلامية” من مبادئ أو أهداف أو تصورات أو ممارسات تلك الهويات الفرعية.
إن “الهوية الإسلامية” هي الأصل الصحيح الثابت “للهوية السورية”، وهي التي تحدد المقبول والمرفوض مما يلصقه هذا الحزب أو ذاك ب”الهوية السورية”، فكل تعريف “للهوية السورية” يخضع لإطار “الهوية الإسلامية” فلا إشكال فيه، وكل تعريف “للهوية السورية” ينازع أو يعارض “الهوية الإسلامية” فهو رجز من عمل الشيطان وتسلط بعثي جديد، (ولا غرابة أن عددا من المنادين اليوم “بهوية سورية” لا ترتبط بالإسلام، هم أنفسهم كانوا قريبا من أعمدة حزب البعث الملعون).
وبخصوص الأقليات من أهل الكتاب، فقد نظم الإسلام شؤونهم، وعاشوا أكثر من ألف سنة في ديار الإسلام لهم حقوق وعليهم واجبات، وكان المجتمع الإسلام أرحم بهم من سواه من المجتمعات.
أما الطوائف الباطنية وعلى رأسهم النصيرية، فلم يكن تاريخهم معنا ولا تاريخنا معهم مشتركا قط، بل التدافع هو السنة السائدة بيننا نحن المسلمين وبينهم، فهم خنجر الحقد والإجرام المغروس في ظهر الأمة، ونحن عذاب الله المسلط عليهم، فلا يجمعنا بهم دين ولا نسب ولا أرض ولا خُلق ولا فِكر ولا ثقافة…، وصدق العملاء الممثلون للنصيرية الذين رفعوا سنة 1936 وثيقة لرئيس الحكومة الفرنسية في قولهم فيها عن الشعب العلوي: “هو شعب يختلف بمعتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم السني”..
فلو كان حديث من شاء عن هدنة للضرورة مع الباطنية، أو إعراض عنهم للعجز، فهذا رأيه، أما زعم وجود تاريخ مشترك أو هوية جامعة فهذا تزييف للتاريخ وتجاوز للحقائق ونسيان لثارات طويلة لم تهدأ في ألف عام.
* تلك هي الحقيقة التي يعلمها أعداؤنا ويعملون من خلال معرفتهم بها، والتي لن يضر من أنكرها إلا نفسه، ولن يغير إنكاره من حقائق الوجود شيئا، ولئن ذبح النصيرية آباءنا وإخواننا بالأمس تحت شعار البعث فبُعدا لمن يسلمهم اليوم رقبته تحت شعار الوطن، والحمد لله رب العالمين.