النَّسَوِيَّاتُ المُلتَزِمَاتُ – كتابات فكرية — مجلة بلاغ العدد ٣٩ – المحرم ١٤٤٤ هـ
النَّسَوِيَّاتُ المُلتَزِمَاتُ
الأستاذ: أبو يحيى الشامي
أنهت حياتها بالانتحار، بعد أن أفرغتها من معناها، وأنكرت سبب وجودها، حققت أو لم تحقق ما منَّاها الشيطان من الدنيا، لكنها فقدت الإيمان والاستسلام للخالق جلَّ وعلا، وخسرت الموعود في الآخرة.
إن من ينظر إلى هذه النتيجة بغير النظر إلى مقدماتها يتعجب، كيف انتقلت هذه الخاسرة من الإسلام إلى الشذوذ والإلحاد ثم إلى الانتحار؟!
أما من يعود إلى أساس هذه النزعة الخبيثة يعلم أن سببها التمرد على الشرع ورفض ما أمر الله به عباده، ولا يأتي هذا فجأةً أو من فراغٍ، بل يسبقه شهواتٌ وشبهاتٌ وتسويلٌ من شياطين الإنس والجن، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً.
النسوية سفيرة الشذوذ والإلحاد، ففي تمردها على ما تراه مجتمعاً ذكورياً أو سلطة الرجل تتمرد على حاجتها الفطرية إلى هذا الرجل، ومن هذا المدخل يُعرض الشذوذ لتتغلب على الحاجة الفطرية، أن تكتفي المرأة بالمرأة كما أخبر النبي صلى الله عليه، وتتمرد على الأوامر الإلهية بقوامة الرجل وتقديمه فيما يصلح شأنه وشأنها، وهذا مدخل السقوط على دركات التفلت من كل الفرائض، ثم جحود حق من فرضها ووجوده، والعياذ بالله.
ليس حتماً أن تؤدي النسوية بالنسويات إلى الشذوذ والإلحاد، لكنها تؤدي إلى محاربة الدين، فالنسوية علمانية مقنعةٌ بقناع الدفاع عن حقوق المرأة، الحقوق التي حددتها القوانين الغربية والاتفاقيات الدولية، وتمكين المرأة من تحصيل مكاسب الوهم المادية على حساب الرجل في مجالاتٍ كثيرةٍ؛ ابتداء من المساواة في الميراث، ورفض تعدد الزوجات، وتحديد النسل، وليس انتهاء بمنازعة الوظائف والقوامة، وهذه دعوةٌ مغريةٌ لضعيفات الإيمان لا تكون إلا بالمجادلة في صحيح وصريح النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وهكذا تسعى النسويات إلى فصل الدين أو جزء منه بطريقةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة.
وليس غريباً ولا عجيباً أن تسلك هذا المسلك المتفلتة المضيعة للفرائض المزاحمة للرجال السافرة بينهم، لكن التي تدعي الالتزام معلنة ذلك بحجابها وخطابها، فيكون سقوطها في هذا الوحل دليلاً على ضعفها الداخلي وزيف ادعائها، والأعجب من ذلك أن نرى بعض الدعاة يدافع عن نسوياتٍ مجادلات في نصوص الشريعة مراعاة لهنَّ وجبراناً لخاطرهن، فيصفهن بالأخوات الملتزمات، ويصف الذين يواجهونهن بالشرع أنهم ذكوريون يستخدمون النصوص للانتقاص من المرأة الملتزمة، ويضيف أن بسبب هؤلاء ظهرت الحركات النسوية!!.. سبحان الله، إن هذا ينظر إلى المتخاصمَين لا إلى ما يتخاصمان فيه، ولا من يتخاصمان إليه، ولو كانت التي أزعجها النص ملتزمةً حقاً لرفعته فوق رأسها قبولاً وتسليماً، وكيف يكون الالتزام إن لم يكن بكل ما أنزله الله؟!، وقد ذمَّ الله عز وجل من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، أو يأخذ ببعضه وينبذ وراء ظهره بعضاً.
إن “النسويات الملتزمات” يوشكن ألا يكنَّ ملتزمات في نظر من يرى الالتزام ثياباً وخطاباً، ووقتها يندم على كل كلمةٍ قالها في الدفاع عنهن ضد نصوص لا يجادل فيها إلا من سفه نفسه، وإن المؤسسات والجمعيات التي تعمل على خلع ربقة الإسلام من أعناقنا لا تبدأ بنقض القواعد العامة الواضحة، بل تثير الشبهات والشكوك فيما يجد بعض “الملتزمين ظاهرياً” مجالاً لنقاشه، كمثل قول الله {وَاضْرِبُوهُنَّ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ناقصات عقلٍ ودينٍ”، وإن أعداء الإسلام يصبرون على المرأة في حجابها وزينةٍ تظهر التزامها، ويدسون رويداً ما يجعلها داعيةً لهم وإليهم وهي في هذه الزينة المخادعة، حتى تسقط وتسقط غيرها في هذه الحبائل.
لماذا يتقي الناس من الأوبئة والأمراض المعدية التي تهدم الجسد ولا يتقون من الانحراف الذي يهدم الدين والأخلاق؟!
من يلام عندما تتطور حال الضلال بالفرد أو المجتمع المستهتر؛ وتبدأ نتائج الدعوات الانحلالية بالظهور شيئاً فشيئاً حتى تصبح كالسيل الجارف؟!
يلام من نظر بسطحية وتساهل من أول مرة، وغشته مظاهر الالتزام التي هي شعار المجتمع قد صبر عليها غُزاتُه حتى حين، ولقد رأينا مقاطع صوَّرتها جمعيات ومؤسسات النسوية التي تعلن شعارات تحرير وتمكين المرأة، فيها نساءٌ محتجباتٌ يحضرن محاضراتٍ جنسية، ودعواتٍ للامتناع عن الزواج عند وبعد بلوغ أوانه الطبيعي، أو يقمن بحركاتٍ مريبةٍ بين البالونات الملونة والشموع، حيث لا يحضر دستورنا ولا صلاتنا ولا كلمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن ذكر الالتزام للدفاع عن المحجبة النسوية، كذكر إسلام النائبة الأمريكية الصومالية الأصل “إلهان عمر” التي تدعم الشذوذ والإجهاض، وما تلبث “النسويات الملتزمات” أن يتحولن إلى “إلهان عمر” إن أتيحت الفرصة، وإن من يعترض على بعض الشرع يعترض على كله، في الوقت الذي نرى كفاراً في أمريكا ذاتها يحاربون الشذوذ والإجهاض والنسوية، ويعددون مضار النسوية على المجتمع والمرأة ذاتها.
هذه صرخة نذيرٍ للتصدي لهذه الدعوة الفاسدة المفسدة الهدامة، التي تضع قناعها أو تنزعه حسب الظروف وقوة أو ضعف تصدي المجتمع لها، وإنها إن لم تكن ظهرت في مجتمعنا المسلم قبل سنواتٍ إلا أنها اليوم ظاهرةٌ وبوقاحةٍ، تنتشر مراكزها ويكثر دعاتها، {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة : 67]، وإن كان الله منع القيام في مسجد الضرار وأمر بهدمه، فالجمعيات والمراكز النسوية الداعية إلى تحرير المرأة من التزامها بكل ما أمر ربها أولى بالمنع والهدم، وهذا واجبنا جميعاً.
بعض البلدان المسلمة انتقلت حكوماتها العميلة من مرحلة الدعوة إلى مرحلة التقنين، فهم يحاولون فرض اتفاقية “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” = “سيداو”، ولقد قامت مظاهرات واحتجاجات ضد تطبيق هذه الاتفاقية، في فلسطين مثلاً شاركت النساء المسلمات بقوة في هذه الاحتجاجات، وهذا فيه خير، فلا يرفض تدمير المرأة بصورة تحريرها كالمرأة ذاتها، كما أنه لا يرد على النسويات مثل النساء، إن ردهن أقوى وأشد إلجاماً، وتأديبهن لهن أكثر وقعاً وأنسب فعلاً.
إن صاحب البدعة والقول الباطل والفعل الفاسد يعامل على حسب تطور وخطورة ما يقوم به، وإن الجبال من الحصى، ويبدأ الخرق صغيراً ثم يتسع على الراقع، فالله الله في وأد دعوة هدم نساء وأسر ومجتمع المسلمين في مهدها، فإنها إذا شبت صارت فتنتها أرغب وصار دفعها أصعب.
لتحميل نسخة BDF من مجلة بلاغ اضغط هنا
لمتابعة بقية مقالات مجلة بلاغ اضغط هنا