الفرق بين الحياة الأولى والموت الأخير 

الفرق بين الحياة الأولى والموت الأخير 

 

*** ملاحظة  هذا الكلام ليس لي، بل هو كلام منشور في مجلة المنار قبل أكثر من مائة سنة. 

ورد في مجلة المنار التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في العدد الخامس من السنة الخامسة مقال بعنوان: “آثار محمد علي في مصر” جاء فيه: 

(ما الذي صنع محمد علي؟ لم يستطع أن يحيي ولكن استطاع أن يميت. كان معظم قوة الجيش معه وكان صاحب حيلة بمقتضى الفطرة فأخذ يستعين بالجيش وبمن يستميله من الأحزاب على إعدام كل رأس من خصومه ثم يعود بقوة الجيش وبحزب آخر على من كان معه أولاً وأعانه على الخصم الزائل فيمحقه، وهكذا حتى إذا سُحقت الأحزاب القوية وجه عنايته إلى رؤساء البيوت الرفيعة فلم يدَع منها رأسًا يستتر فيه ضمير (أنا)، واتخذ من المحافظة على الأمن سبيلاً لجمع السلاح من الأهلين، وتكرر ذلك منه مرارًا حتى فسد بأس الأهالي وزالت ملكة الشجاعة منهم وأجهز على ما بقي في البلاد من حياة في أنفُس بعض أفرادها، فلم يبقِ في البلاد رأسًا يعرف نفسه حتى خلعه من بدنه أو نفاه مع بقية بلده إلى السودان فهلك فيه. 

أخذ يرفع الأسافل ويعليهم في البلاد والقرى كأنه كان يحن لشبه فيه ورثه على أصله الكريم حتى انحط الكرام وساد اللئام ولم يُبقِ في البلاد إلا آلات له يستعملها في جباية الأموال وجمع العساكر بأية طريقة وعلى أي وجه؛ فمحق بذلك جميع عناصر الحياة الطبيعية من رأي وعزيمة واستقلال نفس ليصيّر البلاد المصرية جميعها إقطاعًا واحدًا له ولأولاده على أثر إقطاعات كثيرة كانت لأمراء عدة… 

ظهر الأثر العظيم عندما جاء الإنكليز لإخماد ثورة عرابي، دخل الإنكليز مصر بأسهل ما يدخل به دامر على قوم، ثم استقروا ولم توجد في البلاد نخوة في رأس تثبت لهم أن في البلاد من يحامي عن استقلالها، وهو ضد ما رأيناه عند دخول الفرنساويين إلى مصر، وبهذا رأينا الفرق بين الحياة الأولى والموت الأخير… 

وقصارى أمره في الدين أنه كان يستميل بعض العلماء بالخِلَع أو إجلاسهم على الموائد؛ لينفي من يريد منهم إذا اقتضت الحال ذلك، وأفاضل العلماء كانوا عليه في سخط ماتوا عليه. 

 

ولا أظن أن أحدًا يرتاب بعد عرض تاريخ محمد علي على بصيرته أن هذا الرجل كان.. لمصر قاهرًا، ولحياتها الحقيقية معدمًا، وكل ما نراه الآن فيها مما يسمى حياة فهو من أثر غيره).

الشيخ: أبو شعيب طلحة المسير

Exit mobile version