الحصاد المر للأسر التي فرت لديار الكفر – ركن المرأة – مجلة بلاغ العدد الثامن والثلاثون ذو الحجة ١٤٤٣ هـ
الأستاذة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة التوبة 39]
آية في كتاب الله تعطينا السبب ونتيجته لمن اثاقل الى الأرض ملقيا عرض الحائط المسؤولية الملقاة عليه تجاه أبنائه وذرياته وأرضه التي أورثه الله إياها.
ففي منتصف شهر آذار عام ٢٠١١ انتفضت بقعتنا من بلاد الشام في وجه الطغيان وصاح صائح الجهاد بآيات محكمة وكأنها أنزلت علينا (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
فلبى النداء ثلة من أبناء الإسلام قاوموا الطغيان فحقق الله عز وجل على أيديهم المعجزات.
ثم مضت سنة الله التي اقتضت أنه لا يسقط صرح من صروح الطغيان إلا بابتلاء واختبار، قال تعالى: (مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [سورة آل عمران 179].
فبدأ البلاء والاختبار والتمحيص الذي كان من نتيجته فرار قوم إلى الخارج زاهدين فيما عند الله لمن جاهد في سبيله من مغفرة للذنوب ونيل الجنات ووعد بالنصر والفتح القريب..
راغبين فيما عند أوربا والدول الإسكندنافية من رفاهية مزعومة وحلم العيش الرغيد، ولم يشعروا أنهم عرضوا أنفسهم للهلاك في الدنيا والآخرة؛ فإن الجبان الرعديد يعيش ذليلا مستعبدا تابعا لغيره قد أورد نفسه المهالك التي جاءت في حديث أسلم بن عمران التجيبي، قال: (كُنَّا بمدينةِ الرُّومِ، فأخرَجوا إلينا صَفًّا عظيمًا مِنَ الرُّومِ، فخرَجَ إليهم مِنَ المسلِمينَ مِثلُهم أو أكثَرُ، وعلى أهلِ مِصرَ عُقبةُ بنُ عامِرٍ، وعلى الجماعةِ فَضالَةُ بنُ عُبَيْدٍ، فحمَلَ رجُلٌ مِنَ المُسلِمينَ على صفِّ الرُّومِ، حتَّى دخَلَ عليهم، فصاحَ الناسُ، وقالوا: سُبحانَ اللهِ، يُلْقي بيدَيْهِ إلى التَّهْلُكةِ! فقام أبو أيُّوبَ الأنصاريُّ فقال: يا أيُّها الناسُ، إنَّكم لَتُؤَوّلونَ هذه الآيةَ هذا التأويلَ، وإنَّما نزلَتْ هذه الآيةُ فينا -مَعشرَ الأنصارِ- لمَّا أعزَّ اللهُ الإسلامَ، وكَثُرَ ناصِروه، فقال بعضُنا لبعضٍ سِرًّا دونَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أموالَنا قد ضاعَتْ، وإنَّ اللهَ قد أعزَّ الإسلامَ، وكَثُرَ ناصِروه، فلو أَقَمْنا في أموالِنا، فأَصْلَحْنا ما ضاعَ منها؛ فأنزَلَ اللهُ تبارَكَ وتعالى على نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَرُدُّ علينا ما قُلْنا: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]؛ فكانَتِ التَّهلُكةُ الإقامةَ على الأموالِ وإصلاحِها، وتَرْكَنا الغَزْوَ).
لقد قطعت مجموعة من السوريين عباب البحر بالزوارق المطاطية، ومساحات شاسعة مشيا على الأقدام بين غابات كثيفة ومترامية الأطراف، متعرضين لمخاطر الضياع والسرقة أو القتل؛ هاربين من أنظار حرس الحدود، لقد استطاعوا أن يتحملوا كل هذا بدون تردد، ثم إنهم عندما وصلوا تحملوا الذل والهوان؛ فالمهندس عمل خبازا، والطبيب عمل سائقا فتره زمنية لا بأس بها بشكل متعمد من السلطة، وتحملوا العمل الشاق منذ وصولهم علاوة على الذل والهوان، بل حتى الذين ذهبوا إلى تركيا وهي أقرب لنا من ناحية الدين يعانون من الذل الذي هو ثمرة ترك الجهاد.
لقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالشام) وقالت أهواؤهم: عليكم بأوروبا، فاتبعوا أهواءهم وفرحوا بالرفاهية الظاهرة في أوروبا فدفعوا الثمن.
ولكن لكل ظاهر باطن، ولكل سلعه ثمن؛ فالحكومات في أوروبا ليست من الغباء أن تستقبلك بلا ثمن، إنها تريد أبناءك وأحفادك وذريتك رفدا بشريا يقوي دولتها ويذوب في ثقافتها ودينها.
وهذه مصيبة كبرى للأب والأم المسلمين، ولو لم يشعرا بها في هذه الدنيا فالمسلم راع ومسؤول عن رعيته، فكيف يرمي برعيته الذين هم أولاده وذرياتهم في أتون الكفر والمعاصي والشذوذ والدعارة الممنهجة؟ متجاهلين حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين).
إن كل ذنب وكل فساد في ولد من أولاده وذريته إلى يوم القيامة سيلقاه في صحيفته منشورا يوم الدين.
وهكذا لم تمض إلا سنوات قليلة حتى انجلى الغبار وبانت النوايا وبدأت سرقة الأبناء بظل القانون في السويد خاصة.
لقد كانت السويد أسرع من غيرها بذلك لأنها ليست بقوه أمريكا التي إمكانياتها تسمح لها الانتظار حتى يولد الجيل الثالث مثلا فيكون لها خالصا… مطموس الهوية والدين.
أما السويد فلا تستطيع الانتظار لضعف إمكاناتها مقارنة بدول أوربية أقوى منها، فبدأت في الجيل الأول تسرقه عن طريق السوسيال ليذوب في مجتمع السويد ويكون رافدا بشريا لها.
نعم، لقد بدأ الحصاد المر لما قدمته أيدي الفارين من مسؤولية حفظ الأرض وحفظ العرض وحفظ العهد، وتلك نتيجة طبيعية لمن يذهب إلى أعدائه.
إنها ضريبة الذل التي قال عنها سيد قطب رحمه الله: “هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيرًا ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون”.
نعم صيحات وويلات والأبناء يسحبون بقوة القانون من الآباء، والأخبار تأتينا صباح مساء عن خطف الأبناء، ولا حيلة عندهم لحل تلك المشكلة والوهن قد أصاب الناس…
فما الحل؟
الحل بالرجوع إلى أوامر الدين فهي البلسم وهي الحل…
أختي المؤمنة:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحذيفة بن اليمان، ومعاذ بن جبل، وهما يستشيرانه في المنزل، فأومأ إلى الشام، ثم سألاه فأومأ إلى الشام، قال: (عليكم بالشام، فإنَّها صفوةُ بلادِ اللهِ يُسكِنُها خيرتَه من خلقِه، فمن أبَى فليلحَقْ بيمنِه، وليسْقِ من غُدَرِه، فإن الله تكفَّل لي بالشَّامِ وأهلِه).
فيا سعادة من امتثل أمره صلى الله عليه وسلم.
وما عليك إلا أن تسمعي وتطيعي، وكل ما يحصل لك من ابتلاء وصبر على الفتن في بلاد الشام هو في صحيفة حسناتك إن شاء الله، والعاقبة للمتقين، ولن يضيع الله أجر من لاقى المصاعب وعانى التشرد والدنيا ساعة فلا تتأسفي عليها وانشغلي بطلب ما عند الله.
فإن المرأة إن انشغلت في الدنيا وتغيبت عن حضور الصراع أو الإعداد له فإن الأمة كلها تغيب معها، فمن يربي الشباب لتلك المعركة ومن يعد أمهات الجيل القادم من بعدها؟
لذلك يجب أن تعي أختي المسلمة أن مهمتك أعظم مما تتصورينه؛ فهزيمة المسلمين تتحمل المرأة جزءا كبيرا منها لأنها لو قامت بمسؤوليتها وغرست الحمية لله في قلوب الأبناء وترك اللهاث خلف الدنيا وحميت أبناءها من الفرار من الزحف لما أصاب الأمة هذا الهوان المرير الذي تعانيه بسبب حب الدنيا…
قال عمر رضي الله عنه: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”.
لتحميل نسخة من مجلة بلاغ اضغط هنا
لمتابعة بقية مقالات مجلة بلاغ العدد 18 اضغط هنا