الحراسة في سبيل الله – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد ٢٨ – صفر ١٤٤٣ هـ

الشيخ: أبو حمزة الكردي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

* تعريف الحراسة في سبيل الله:

أصل الحراسة حفظ الشيء حفظا مستمرا وصرف الآفات عنه قبل أن تصيبه، وتكون جهادا في سبيل الله عندما تكون حفظا للمسلمين من الأعداء وصيانة لديار الإسلام من غزو أعداء الدين.

وهي نوع من أفضل أنواع الرباط؛ فالرباط هو الإقامة بالثغور تقوية للمسلمين، أما الحراسة في سبيل الله فهي إقامة في الثغور لتقوية المسلمين ولمواجهة العدو قبل تمكنه من إجرامه، فكل حراسة هي رباط وليس كل رباط هو حراسة.

هذا هو الأصل في الحراسة، وقد تشمل أنواعا تدخل فيه استئناسا كحراسة الدين بالعلم، وحراسة المجتمع بالدعوة، وحراسة الأعراض بالتربية..، حالها كحال جهاد الكلمة.

* فضلها:

للحراسة في سبيل الله فضائل عديدة، وكلما كانت في موطن أشد خطرا كانت أعظم أجرا، ومن فضائلها:

 

– أنها موجبة للجنة:

فعن سهل ابن الحنظلية: “أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير، حتى كانت عشية فحضرت الصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل فارس، فقال: يا رسول الله، إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم، ونعمهم، وشائهم، اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله»، ثم، قال: «من يحرسنا الليلة؟»، قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله، قال: «فاركب»، فركب فرسا له فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا نُغَرن من قِبلك الليلة»، فلما أصبحنا، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه، فركع ركعتين، ثم قال: «هل أحسستم فارسكم»، قالوا: يا رسول الله، ما أحسسناه، فثوب بالصلاة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وهو يلتفت إلى الشعب، حتى إذا قضى صلاته وسلم قال: «أبشروا فقد جاءكم فارسكم»، فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشِّعب، فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم، فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحت اطلعت الشعبين كليهما فنظرت، فلم أر أحدا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل نزلت الليلة؟» قال: لا، إلا مصليا أو قاضيا حاجة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أوجبت فلا عليك أن لا تعمل بعدها» رواه أبو داود بإسناد صحيح.

– أنها تحرم صاحبها على النار:

فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله» رواه الترمذي وحسنه.

وعن أبي ريحانة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «حُرِّمت عَيْن على النار سَهِرت في سبيل الله» أخرجه النسائي بإسناد صحيح.

– الحراسة في أرض الخوف أفضل من ليلة القدر:

فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر؟ حارس حرس في أرض خوف، لعله أن لا يرجع إلى أهله» رواه الحاكم وقال: صحيح.

– المكانة العالية عند الله وإن ازدراه الناس:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ؛ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنْ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ» رواه البخاري. فدل الحديث على أن بعض الناس لا تعير اهتماما أو قيمة للحارس في سبيل الله لأنها عندهم شيء بسيط يفعله عوام الناس، إلا أن أجرها عند الله عز وجل كبير، فطوبى له.

* بعض آداب الحراسة في سبيل الله:

1 – ابتغاء وجه الله عز وجل وإخلاص النية له تبارك تعالى:

فعلى قدر إخلاص النية يكون الأجر والثواب، فإنما الأعمال بالنيات، ومن مداخل الشيطان على المرء أن يتخذ الطاعة وسيلة للمعصية، فتكون الحراسة في سبيل الله حجة أو سببا لتصفية الحسابات مع المخالفين، وإيذائهم والتسلط على رقاب الناس والتضييق عليهم في قوتهم وأرزاقهم، كما قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: “أخرج الظلمة الفجرة الظلم والعدوان في قالب السياسة وعقوبة الجناة. وأخرج المكاسون أكل المكوس في قالب إعانة المجاهدين، وسد الثغور، وعمارة الحصون”.

2- إتقان العمل والحذر من أن يؤتى المسلمون من قِبله: فالحراسة في سبيل الله مهمة عظيمة، والناس استأمنوه على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، فلا بد من إتقان العمل وحسن الحراسة.

ولأهمية دوام الحراسة في موضع الخطر أمر الله المجاهدين بأخذ الحذر عند الصلاة في الجهاد، وشرعت صلاة الخوف بهيئة تخالف بقية الصلوات إعانة للمجاهدين على الحراسة في سبيل الله، قال تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا).

وعندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ليلة اتخاذ رجل للحراسة قال: «لَيْتَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي صَالِحًا يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ» متفق عليه، فاشترط فيه الصلاح وهذا شرط مهم كي يؤدي الأمانة على وجهها.

وعندما خرج أنس بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه للحراسة، نبهه صلى الله عليه وسلم قائلا: «ولا نُغَرن من قِبلك الليلة» أي لا تدع فرصة للعدو أن ينال منا ويصيبنا وأنت نائم، وكأنه يحضه على أن يستيقظ طيلة الليل.

فليحذر الحارس في سبيل الله من الغفلة عن حراسته أو اللهو والانشغال عن واجبه فإن الأمر جد لا هزل فيه.

2- أن تكون حراسة للحق لا للباطل:

الحراسة في سبيل الله تعالى تكون موافقة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم واتباعا لسنته لا بتداعا وانحرافا عن هديه، وفي زمن الفتن يزين الشيطان الباطل ليظن من انحرف أنه على حق؛ فتجد من يحرس ولكنها حراسة للأعداء من غزوات المجاهدين، وتجد من يسهر ولكنه سهر إعانة لسجان أثيم على الأسرى المظلومين، فهذه ليست حراسة في سبيل الله، بل هي في سبيل الشيطان.

* فاللهم اجعلنا من حراس الشريعة المدافعين عن دينك وحرماتك ومقدساتك، واجعلنا من أهل القول والعمل نقول حقًا ونعمل صدقًا، ونجاهد فيك حق الجهاد، ونحرس الحدود من المعتدين والباغين، ونصون الشريعة من المضللين والمحرفين، ونحفظ الجهاد من المخذلين والمثبطين، ونحفظ للمسلمين دينهم ودماءهم وأعراضهم وأموالهم، إنك ولي ذلك والقادر عليه.

والحمد لله رب العالمين.

لتحميل نسخة من مجلة بلاغ العدد 28 اضغط هنا 

لقراءة مقالات مجلة بلاغ العدد 28 اضغط هنا 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى