التدخل الإيراني بالثورة الفلسطينية كيف بدأ وإلى أين وصل – كتابات فكرية – مجلة بلاغ العدد ٤٢ – ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ

الشيخ: إسماعيل بن عبد الرحيم حميد أبو حفص المقدسي

الحمد لله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه..

يقول تعالى: (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [ الأنفال: 37].

استطاع الخميني استغلال الثورة الفلسطينية استغلالا كبيرا ليصل إلى ما يريده منها، وكانت القضية الفلسطينية وما زالت أهم الأدوات التي لا يمكن الاستغناء عنها، وإذا رجعنا في الزمن لخمسة وأربعين عاماً فقط سنرى المشهد بشكل جيد، وسنستطيع تقييم الأمر بشكل أفضل؛ حيث لجأ الخميني إلى منظمة التحرير الفلسطينية وارتمى في حضن ياسر عرفات الذي وفر له ملجأً آمنا ومعسكرات لتدريب الحرس الثوري الإيراني، بل وأمد الحرس الثوري الإيراني بالعتاد العسكري من خلال الحدود العراقية.

وعندما انتصرت ثورة الخميني عام 1979 على نظام الشاه وعاد الخميني من فرنسا لاستلام مقاليد الحكم في إيران حاول الخميني مكافأة ياسر عرفات واستدعاه إلى طهران، بل وقدم له السفارة الأمريكية كهدية لتكون هي السفارة الفلسطينية الأولى في العالم، وحاول استمالة ياسر عرفات إلى جانبه والسيطرة عليه، ولكن ياسر عرفات رفض طلب الخميني؛ فقد كانت للخميني أطماع أخرى، وهي:

أولاً – احتلال العالم العربي والإسلامي.

ثانياً – نشر التشيع في الأمة الإسلامية والعربية على وجه الخصوص.

ثالثاً – السيطرة على القرار الفلسطيني والتحكم في منظمة التحرير الفلسطينية.

رابعاً – إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية عن حاضنتها الاستراتيجية (الأمة العربية والإسلامية).

خامساً – استغلال التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية لصالح المشروع الرافضي.

سادساً – استغلال قوى الثورة الفلسطينية الموجودة في لبنان ومن يتعاطف معها من الأحزاب السياسية اللبنانية.

سابعاً – دعم حركة أمل الشيعية في الجنوب لتصبح قوة ذات تأثير في القرار السياسي اللبناني.

ومما زاد في الشق والبعد في العلاقات الإيرانية الفلسطينية في ذلك الوقت هو نشوب الحرب العراقية الإيرانية ووقوف ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب صدام حسين ودولة العراق.

ولكن العلاقات بين إيران ومنظمة التحرير الفلسطينية لم تنقطع رغم ما أصابها من فتور في ذلك الوقت.

وحينها أدرك الخميني أنه سيخرج من لبنان بدون أي تواجد فعلي وقوي فدعم تأسيس حزب الله في ذلك الوقت، واستغل أيضاً منظمة التحرير الفلسطينية وعلى وجه الخصوص حركة فتح لما تحمله منطقة الجنوب اللبناني من سيطرة شيعية في مدن وقرى الجنوب اللبناني والمحاذية لحدود فلسطين والتي كانت تعد محطة لانطلاق المقاومين الفلسطينيين لتنفيذ عملياتهم العسكرية في شمال فلسطين المحتلة.

وبعد أن أصبح لحزب الله قوة عسكرية ذات تأثير في الجنوب جاء اجتياح لبنان عام 1982 والذي تمخض عنه طرد منظمة التحرير الفلسطينية من الجنوب اللبناني ومن لبنان إلى تونس في ذلك الوقت، فما كان من ياسر عرفات إلا أن سلم أسلحته الثقيلة إلى حركة أمل الشيعية وإلى حزب الله اللبناني ليصبح ذا قوة عسكرية كبيرة وبأسلحة منظمة التحرير الفلسطينية.

طبعا بعد ذلك تغيرت ملامح الوضع السياسي اللبناني وبدأ حزب الله يأخذ مكانة في ميزان القوى السياسية اللبنانية لينتقل من مرحلة الصداقة مع منظمة التحرير الفلسطينية إلى مرحلة العداء حينما تحالف مع الوجود الأمني السوري الذي جاء بناء على اتفاقية الطائف ليتدخل بقوته إلى جانب الجيش السوري في حربه على المخيمات الفلسطينية في لبنان.

هذه بعض الأحداث والمحطات التاريخية المهمة التي لا بد أن نعرج عليها ليعرف القارئ كيف بدأت العلاقات الإيرانية بالفصائل الفلسطينية وإلى أين وصلت الآن.

– انطلاق حركة الجهاد الإسلامي:

كان لانطلاقة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بريق خاص، خاصة وأنها رفعت شعارات جديدة على واقع الثورة الفلسطينية لم يعرفها الواقع الثوري الفلسطيني، وهذا لغياب التيار الإسلامي عن العمل والمقاومة الفلسطينية المسلحة، ولأن العمل المسلح كان بعيدا عن الاستراتيجية الإخوانية؛ حيث إن حركة الإخوان المسلمين كانت بمثابة الحاضنة التي يأوي إليها الشباب المسلم الذين يحملون هم الدعوة الإسلامية ومن التوجهات الدعوية كافة، ولكنهم بعد مدة من الزمن لا يجدون لهذه الدعوة أي نشاط جهادي كبير على أرض الواقع، فقام كثيرون من هؤلاء الشباب بترك هذه الحركة وتأسيس جماعات أخرى ترفع راية الجهاد وتحرير البلاد والعباد من الأنظمة الوظيفية كما حدث في مصر وغيرها من بلاد المسلمين، ومن هؤلاء الشباب من شكل وأسس تنظيم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بقيادة فتحي الشقاقي.

فما كان من الخميني إلا أن قام باحتضان هذه الحركة ومدها بالمال والسلاح ورتب علاقاتها مع نظام حافظ الأسد في سوريا؛ ليصبح لهذه الحركة دور مهم في العمل المقاوم داخل فلسطين خاصة في قطاع غزة، ثم ينتقل إلى الضفة المحتلة، ثم إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948.

ولكن حركة الجهاد الإسلامي لم تسلم في حينه من الانتقادات من قبل عناصر وقيادات الإخوان المسلمين في فلسطين، بل وصل بهم الحال إلى تكفير حركة الجهاد الإسلامي وقياداتها لعلاقتها بإيران.

– انطلاق حركة حماس:

ثم بعد ذلك جاء انطلاق انتفاضة الحجارة عام 1987 والتي لم تكن لأي فصيل سياسي فلسطيني أي يد في إشعالها، رغم تبني الفصائل الفلسطينية هذه الانتفاضة، وبعد شهرين على أقل تقدير تم الإعلان عن انطلاق حركة المقاومة الإسلامية حماس في بيان يحمل تاريخ 14 / 12 / 1987 ليظهر وكأن هذه الحركة هي من أسست هذه الانتفاضة الشعبية، رغم ضعف الإخوان المسلمين في فلسطين في ذلك الوقت، والجميع يعلم حجم الإخوان في فلسطين بشكل عام.

وكان لحركة حماس دور كبير في مقاومة الاحتلال، إلا أنه تم تضخيمه من قبل الماكنة الإعلامية لدولة الاحتلال الإسرائيلي لعدة أسباب ليس هذا مقام ذكرها.

إلى أن جاءت انتفاضة الأقصى عام 2000 والتي انطلقت على خلفية تدنيس الخنزير (شارون) للمسجد الأقصى، فكان للعمل المسلح دور مهم في مواجهة الاحتلال، والذي قامت إيران وحزب الله باستغلاله بشكل كبير وتبني جميع الحالات العسكرية ودعمها بالمال والسلاح وإظهار هذا التبني من خلال وسائل الإعلام المختلفة؛ لتظهر إيران بمظهر المحتضن للثورة الفلسطينية فتغزو عقول الشباب الثائر في فلسطين وبلاد المسلمين، ومما زاد من هذا الزخم حرب عام 2006 والتي نشبت بين الاحتلال وحزب الله على خلفية عملية عسكرية نفذها حزب الله على الحدود اللبنانية قام من خلالها بأسر بعض الجنود الصهاينة، فأصبح المجرم حسن نصر الله أيقونة للعمل الثوري في نظر كثيرين من شباب الأمة.

وما كان من إيران إلا أن تستثمر هذه الأحداث لتزيد من سيطرتها على الفصائل الفلسطينية من خلال بعض المال، رغم أن المال الذي يأتي من شعوب الأمة العربية والإسلامية أضعاف ما يأتي من إيران.

 

– الثورة السورية كاشفة:

ثم جاءت الثورة السورية الكاشفة التي تميز الخبيث من الطيب لتتمايز الصفوف، ولتقف شعوب الأمة في مواجهة الأعداء كافة من الغرب الكافر والشرق الملحد وتنكشف حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس بشكل لا يقبل التأويل فقد اصطفا إلى جانب من يقتلون شعوب الأمة في سوريا والعراق ولبنان واليمن والأحواز..

ومن باب الإنصاف لقد وقفت حركة حماس إلى جانب الثورة السورية في بداياتها، وكان ذلك بطلب من دولة قطر؛ فقد تعهدت قطر في حينه بفتح أراضيها لإقامة قيادة حماس ولتكون قطر بديلا لها عن الأراضي السورية، ثم بعد أن كانت هذه الحركات محط أنظار شعوب الأمة العربية والإسلامية بل كانت هي الشعلة التي يتطلع لها العالم الإسلامي في قيادة مسيرته نحو الحرية والكرامة، أصبحوا السبب في إحباط الشعوب حينما وقفوا في صف روسيا وإيران والنظام النصيري في سوريا والذي قتل وهجر الملايين من أبناء الأمة، لتصاب الأمة بالذهول خاصةً الشعب السوري الجريح الذي لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن قتل العشرات من أبنائهم.

ومن خلال البوق الإعلامي الفلسطيني استطاعت إيران تخدير شعوب الأمة بل واحتلال خمس دول عربية ابتداء بالأحواز ومرورا بالعراق ولبنان وسورية وانتهاء باليمن، ومخططهم القادم الكويت والبحرين وبسط سيطرتهم على جزيرة العرب، نسأل الله أن يرد كيدهم في نحرهم.

 

هذا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

لتحميل نسخة من مجلة بلاغ BDF اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى