أفغانستان جراح وآمال | كتابات فكرية | مجلة بلاغ العدد السابع عشر ربيع الأول 1442هجرية

بقلم: إحسان الله (أنس الأفغاني)

الشعب الأفغاني شعب مسلم ومجاهد، وهو بمثابة ترس للعالم الإسلامي وخاصة الشرق الأوسط.

وهو سد منيع أمام القوى الطاغية، والتاريخ محفوف بمواقفه البطولية في مواجهة المحتلین الغزاة؛ فقد دحر الغزاة الإنجليز، ومن ثم السوفييت، وطردهم من بلده، وها هو الآن يستأصل شأفة المحتلين الأمريكيين وحلفائهم رغم قوتهم وعتادهم، فلم تضعف همته أمام تلك التجهيزات والعتاد، ولم يستسلم للضغوطات والصعاب؛ لأنه شعب أبي لا یعرف الخضوع والقنوع، إلا لله رب العالمين.

ولكن خيانة العملاء هي السبب الدائم في غزو القوى المحتلة لبلادنا، فهذه الشرذمة من الخونة هم من أبناء جلدتنا؛ لكنهم قد باعوا ضمائرهم لأعداء الدين والوطن، وفضلوا عبودية الغرب على عيش العزة والحرية، فهؤلاء العملاء هم من يمهدون للمحتلين سبل غزو البلاد الإسلامية، ويذللون لهم الصعاب.

أفغانستان التي تلقَّب بمقبرة الإمبراطوريات، قد هزمت الإمبراطورية الإنجليزية، ثم أعقبها تمزق الاتحاد السوفييتي، وأما الغزو الأمريكي الغاشم فقد تَصَدَّى له الملا محمد عمر -رحمه الله- مؤسس الإمارة الإسلامية، ونظَّم مقاومة جهادية جبارة ضد الاحتلال الأمريكي، فقد كان -رحمه الله- خير قائد، كان متسماً بالشجاعة، والجرأة، والجسارة، والإقدام، والحكمة.

لقد قدم الأفغان خلال هذه المقاومة التي استمرت زهاء عشرين عاما تضحيات كبيرة، وبذلوا في سبيل ذلك كل غال ونفيس؛ فمنهم الشهداء، والجرحى، والأسرى، والأرامل، والأيتام، ومستهم البساء والضراء، وزلزلوا بالقذائف والصواريخ، لكنهم صمدوا في وجه ذلك كله، حتى منَّ الله عليهم بنصره، وحقق لهم الاستقلال من براثن المحتلين.

قد زرعنا هذا الانتصار بسيوفنا، ورويناه بدمائنا، فقد عَلِمنا أن المحتلين لا يفهمون سوى لغة القوة وحد السيف، فأجبرنا المحتلين على إنهاء الحرب والاحتلال بفضل الله ثم بفضل المقاومة الجهادية، والصمود والتضحية والعزم، رغم ضعف الأسلحة وقلة العتاد.

وها أنتم أولاء تشاهدون بأعينكم هزيمة الإمبراطورية الأمريكية شرّ هزيمة، وكسر قوتها، وغلب عليها الشعب الأفغاني بكل قوة وبكل حماسة، حتى حصل الاتفاق بين الإمارة الإسلامية والولايات المتحدة على إخراج جميع قوات المحتلين من أرض الأفغان.

وها هي قوات الناتو والأمريكان يتسابقون في الانسحاب من أرض الأفغان الطاهرة، ويخربون قواعدهم بأيديهم.

رحم الله أمير المؤمنين الملا عمر -رحمه الله- فقد كان ينظر بفراسته وبعين اليقين إلى هذا النصر قبل عشرين سنة، ولا يزال الشعب الأفغاني خاصة والعالم كله يتذكر قوله المنقوش على القلوب؛ حيث قال في بداية احتلال أميركا: “لقد وعدنا الله بالنصر، وأميركا بالهزيمة: فسنرى أيهما سيتحقق” (لقد تحقق أيها الأمير! ما وعدنا الله بالنصر والفتح).

في بداية احتلال أمیرکا في رئاسة جورج بوش، قال بوش سنة ۲۰۰۱ من الميلاد: “الطالبان ضعیفة، ومقاتلوهم ضعفاء”.

وفي سنة 2020، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب: “الطالبان قوة، ومقاتلوهم رائعون”.

وأضاف ترمب: “نحن تعبنا من هذه الحرب الطويلة، والطالبان كذلك”؛

ولكن نحن (الطالبان) قلنا له: لن نتعب من مقاومة المحتلين للأبد.

والأصل ما وصفه الأعداء، وأن هذا الثناء وإقرار العدو بقوة الطالبان: ليست منة تمنها علينا أميركا؛ إنما نحن صنعناها بفضل الله، ثم بحد سيوفنا، انتزعها الأفغان بشجاعتهم، وبسالتهم، وقوة شكيمتهم، واستقامتهم على الإيمان في السراء والضراء.

ولقد صدق قول الشاعر على الأفغان:

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم

طاروا إليه زرافات ووحدانــــا

– كلما نرى المجاهدين يتسابقون إلى الشهادة، ويتنافسون، ويقاتلون صفا كأنهم بنيان مرصوص، نتذكر الآية الكريمة: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) “الأحزاب، 23”.

– كلما نقوم بتدمير بنيان المحتلين، ونشاهد الأمريكان يخربون قواعدهم العسكرية بأيديهم، نتذكر الآية الكريمة: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) “الحشر، 2”.

– عندما نشاهد قوافل المحتلين تغادر أرض الأفغان منهزمين، نتذكر الآية الكريمة: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) “القمر، 45”.

* ووصل الأمر وحد قوة الطالبان بفضل الله تعالى: إلى أن الطالبان كانوا يطلقون سراح أسودهم المعتقلين بأيديهم من داخل سجون الأمريكان وعملائهم أمامهم. وقد تم إطلاق سراح 5000 مجاهد من السجون.

هل كان يتصور أحد قبل بضعة أعوام هذا الانتصار؟

من كان يتخيل أن خمسة آلاف من أسرانا سيطلق سراحهم في عدة أشهر من سجون الأمريكان وعملائهم؟

مرة وقفت سلسلة إطلاق سراح السجناء بسبب المجاهد الذي قتل ثلاثة جنود أستراليين، وكان ينتظر الإعدام في سجن كابول، وقد صار الإفراج عنه ممكنا في قائمة إطلاق سراح الأسارى ضمن الاتفاقية الموقعة بين الإمارة الإسلامية والولايات المتحدة.

ومع ظهور الإفراج عنه صاحت الحكومة الأسترالية على الرئيس الأمريكي بعدم الإفراج عنه، ولكن ماذا يفعل المسكين! المنهزم! ترمب؟ حيث أطلق سراح المجاهدين الذين قتلوا عدة أمريكان.

فوقفت المفاوضات وقفا تاما.

ماذا قال الطالبان؟ قالوا: لن نفاوض، ولن نتكلم بكلمة حتى يطلق سراح الخمسة آلاف مسجون تماما. كما وقعت عليها في الموافقة ضمن المفاوضات بين الطرفين.

توقفت سلسلة المفاوضات لقضية مجاهد، حتى أطلق سراح هذا البطل من بعد، واستقبله الطالبان كأسد من أسود الإسلام.

وقد توقفت سلسلة المفاوضات مرارا لمثل هذه القضايا من جانب الطالبان.

كلهم كانوا يعرفون أن المسجونين كانوا مقاتلين في صفوف الطالبان، وأسروا في الاشتباكات، وسيكونون مقاتلين من بعد؛ ولكنهم مساكين! منهزمون! لا يستطيعون شيئا؛ لأن الهزيمة قد ثبتت في تاريخ الأمريكان، كما ثبت الظفر والنصر في تاريخ الطالبان.

وستكتب هذه النادرة والأعجوبة من عجايب التاريخ: “أن الطالبان كان يطلق سراحهم بعدما أُسروا في المعارك الاشتباكية، بحضور هيئتهم من داخل السجن أمام العدو، رافعين رؤوسهم غير خاضعين…”

ولم تستطع قنابل بي 52 ولا الصواريخ الأميركية، ولا الأسلحة الثقيلة، ولا الطائرات الحربية، ولا الطائرات بلا طيار، شيئا في احتلال أفغانستان، وما زاد الأفغان إلا قوة وإيمانا: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) “آل عمران، 139”.

* وسر انتصار الإمارة الإسلامية في هذه المعركة الطويلة، قيادة العلماء العاملين، والتمسك بالشريعة الإسلامية في جميع القضايا، سواء كانت القضايا عسكرية أو اجتماعية.

وفي أثناء القتال تمسك الطالبان بأحكام الشريعة، وتورعوا عن سفك الدماء المعصومة، فضلا عن بقية جوانب الحياة.

ولا بد للحق أن ينتصر، وللباطل أن ينهزم، ولو بعد حين: (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) “الإسراء، 81”.

أفغانستان جراح وآمال بقلم: إحسان الله (أنس الأفغاني) أفغانستان جراح وآمال بقلم: إحسان الله (أنس الأفغاني)

لمتابعة مقالات العدد السابع عشر ربيع الأول 1442هجرية 

هكذا نصروه – التحرير

 الركن الدعوي

-الشهوة أصل الشبهة – الشيخ أبو اليقظان محمد ناجي

– عقائد النصيرية 10 – الشيح محمد سمير

– أحكام الجهاد مع الإمام الفاجر – الشيخ أبو شعيب طلحة المسير

– ويمشي في الأسواق – الشيخ همام أبو عبد الله 

– حب النبي صلى الله عليه وسلم – الشيخ أبو حمزة الكردي

 صدى إدلب 

– إدلب في شهر صفر 1442هـ – أبو جلال الحموي

– لقطة شاشة – أبو محمد الجنوبي

– مواقيت الصلاة في إدلب لشهر ربيع الأول 1442هـ – رابطة العالم الإسلامي

كتابات فكرية

– آفة الاستعجال – د. أبو عبد الله الشامي

– المعاركُ الجَّانبيةُ ومرارةُ الخُذلان – الأستاذ أبو يحيى الشامي

– أفغانستان جراح وآمال – إحسان الله (أنس الأفغاني)

– الحق أقوى من إعلامهم – الأستاذ خالد شاكر 

ركن المرأة

– طريق الهداية الأستاذة – نسمة القطان 

الواحة الأدبية  

– بين الإيمان والحب – الأستاذ غياث الحلبي

لتحميل نسخة من المجلة BDF اضغط هنا 

لمتابعة قناة مؤسسة بلاغ الإعلامية على التليجرام تابع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى