أجهزة حافظ الأسد القمعية | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢هــــ

الشيخ: محمد سمير

الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.. وبعد؛

فلا زال حديثنا مستمرا عن جرائم حافظ الأسد وطغيانه، وحافظ الأسد ككل الطغاة والمستبدين بدأ بالتزلف والنفاق حتى يخدع الشعب، وانتهى به الأمر إلى تقديم نفسه على أنه الزعيم الأوحد الذي لم تنجب البشرية مثيلا له منذ أن خلق الله آدم، ومحال أن يجود الزمان بمثله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ومن ثَمَّ حصر السلطات كلها بيده وقمع كل من يفكر مجرد تفكير بمعارضته، وحتى تستقيم له الأمور فلا بد لنظامه أن يقوم على ركني الطائفية والفساد، فبذلك يضمن ولاء أجهزته الأمنية وعدم تمردها عليه ومسارعتها إلى قمع كل حركة مناهضة له؛ لأن زواله يعني زوالها.

وبالمقابل فإن حافظ يغض الطرف عن كل جرائم الأجهزة الأمنية بل يسن القوانين المانعة من محاسبتهم ومساءلتهم إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن مدير إدارة أمن الدولة، وهيهات أن يصدره! “فالمادة (16) من المرسوم التشريعي تنص على ما يلي: لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في الإدارة -إدارة أمن الدولة- عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات الموكلة إليهم أو في معرض قيامهم بها، وتؤكد المادة 74 من المرسوم على ما ورد في المادة 16 أنه لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في إدارة أمن الدولة أو المنتدبين أو المعارين إليها أو المتعاقدين معها مباشرة أمام القضاء في الجرائم الناشئة عن الوظيفة، كما تنص المادة 101 على عدم نشر هذا المرسوم بالجريدة الرسمية” [الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات 3 / 213].

وكما هي عادة الطغاة فقد قام حافظ الأسد بالتخلص من رفاق دربه في الإجرام عندما اختلف معهم؛ فقام بإعدام سليم حاطوم بعد تكسير أعضائه، واغتال محمد عمران عبر إرسال بعض شبيحته إلى لبنان لتنفيذ المهمة، وشارك باقتحام منزل أمين حافظ والانقلاب عليه، ثم أطاح بالدمية نور الدين الأتاسي والحاكم الفعلي وزجهما في السجن ليمكثا هناك سنين طوالا؛ فأما صلاح جديد فلم يخرج من سجنه إلا إلى القبر، وأما الأتاسي فخرج وقد أنهكته الأمراض فلم يلبث إلا قليلا حتى هلك.

وفي الوقت ذاته بدأ بالتملق والنفاق لأطياف المجتمع المختلفة حتى يضمن هدوءها ريثما يحكم قبضته على مراكز القوة في الدولة “فتح الأسد أبوابه لكل راغب في الحوار معه ووعد كل طرف بما اعتقد أنه يريده؛ فقال للشيوعيين: إنه سيقيم جبهة تقدمية معهم، ووعد الناصريين بتوحيد سوريا مع مصر، وقال للإخوان المسلمين: إنه سيحسن علاقاته بالسعودية وسيتحالف مع رجال الدين، ومد جسوره نحو العراق فصار يستقبل بصورة علنية ممثلي النظام العراقي الذين كانوا يأتون من بغداد خصيصا لزيارته رغم أن علاقات العراق بنظام البعث السوري كانت في الحضيض” [حوار حول سوريا ص 34].

وهذا النفاق كان يلجأ إليه الأسد كلما شعر بضعف موقفه؛ فعند قيام ثورة الإخوان وتعاطف الشعب المسلم معها شعر الأسد بالحرج الشديد وخشي على كرسيه من الزوال فارتدى رداء الدفاع عن المسلمين “وقد قال الأسد في خطاب ألقاه في 18 آذار من عام 1980 ما معناه: لقد اختلفت مع رفاقي وأطحت بهم من أجل حريات المسلمين!! إذ كان ثمة 25 ألف ممنوع من دخول البلاد وكان هؤلاء يركبون الطائرة كي يمروا فوق بلادهم من الجو.. ومن المعلوم أن الأسد هو الذي طرح شعار: حرية الوطن من حرية المواطن” [حوار حول سوريا ص 32].

ويعجب المرء من قدرة المستبدين والطغاة على الكذب الصراح والوقاحة العجيبة دون أن يرف لهم جفن!

وانطلاقا من الشعار الآنف الذكر عن حرية المواطن فقد قام الأسد بكبت جميع الحريات وقمع كل حركات النقد والمعارضة وكمم كل الأفواه عدا تلك التي لا تنطق إلا بتمجيد القائد وعظيم إنجازاته “خذ على سبيل المثال بنية السلطة؛ فقد كانت قبل الأسد ثلاثية المركز تقوم على تعاون الأمين القطري المساعد ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء مع أرجحية نسبية للأمين القطري المساعد..، في نظام الأسد انتقل مركز الثقل من الحزب القائد إلى الرئيس القائد الذي أقام نظاما رئاسيا حصر السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية فيه أو في من ينتدبهم؛ فهو 1- رئيس الجمهورية 2- وقائد الجيش الأعلى 3- وأمين عام الحزب 4- وله الحق دستوريا في حل مجلس الشعب ساعة شاء 5- وفي رد قوانينه ورفض تصديقها 6- وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي يعين أعضاء المحكمة الدستورية ومحكمة التمييز.. إلخ” [حوار حول سوريا ص 28 – 29].

وأما بالنسبة لانتخاب الرئيس والذي هو المرشح الوحيد الذي تكون نسبة نجاحه دوما 99.99 % فإن للمواطن الحق الكامل بعدم انتخابه وبقول كلمة لا، وبالمقابل فإن للأجهزة الأمنية أيضا الحق الكامل باعتقال هذا المواطن وإذاقته ألوان العذاب وحرمانه من جميع حقوقه البشرية “أما من الناحية العملية فإن عدم الاقتراع لحافظ الأسد أو الامتناع عن الاقتراع له يعدان جريمة لا غفران لها وعملا من أعمال الخروج على الوحدة الوطنية” [حوار حول سوريا ص 29].

وبالطبع فإن هذه السياسة القمعية التي تلاحق المواطنين وتحاسبهم على الصغيرة والكبيرة تحتاج أعدادا هائلة من العاملين في الأجهزة الأمنية المجردة من الدين والضمير والإنسانية.

“س: كم جهازا للقمع يوجد في سوريا؟

ج: هناك أجهزة بعدد الحقول والمجالات التي تغطيها؛ هي: الأمن الخارجي، والأمن الداخلي، وأمن الدولة، والمخابرات العامة، والأمن العسكري، والأمن السياسي، وأمن الرئاسة، ومخابرات القوى الجوية، وتوجد فروع أمنية متعددة تابعة للأمن العسكري هي فرع المنطقة المتخصص بمنطقة دمشق العسكرية وبالجبهة القريبة منها..، وفرع فلسطين..، وفرع التحقيق العسكري وهو مصنع للقتل والتعذيب يعمل ليلا ونهارا بلا توقف أو استراحة، كما يوجد في كل محافظة وقضاء سوري فروع لأجهزة الأمن التي ذكرناها” [حوار حول سوريا ص 128].

“س: كم عدد العاملين في أجهزة القمع؟

ج: لا أحد يعلم بالضبط، لكن بعض العارفين يجعلون العدد بين 250 و 300 ألف في مختلف الأجهزة الأمنية [يلاحظ أن هذا قبل قرابة ثلاثين عاما] ويتركز العاملون في الأمن في الجيش بالدرجة الأولى والذي يخضع لرقابة مستمرة تحصي أنفاس منتسبيه وخاصة ضباط الوحدات القريبة من دمشق، كما تولي أجهزة الأمن القطاعات الطلابية والعمالية اهتماما خاصا” [حوار حول سوريا ص 129].

وهذه الأجهزة الأمنية لا ضابط لها، وقانونها الوحيد هو الحفاظ على السلطة، ولا جناح عليهم بعد ذلك أن يفعلوا ما شاؤوا فلهم الحق باعتقال أي أحد وتعذيبه بالطريقة التي توافق أمزجتهم “إن إصدار أمر عرفي بحق أي شخص يراد اعتقاله هو أمر بالغ السهولة لكونه من صلاحيات رئيس الفرع الذي يقوم بالاعتقال، كما أن إصدار أمر عرفي ضد شخص معتقل هو بدوره أمر بالغ السهولة إذ يكفي أن يؤرخ الأمر بتاريخ سابق للاعتقال حتى يصبح الأمر والاعتقال قانونيين، علما بأن الأوامر العرفية تتجدد بصورة تلقائية إذا لم يلغها رئيس الجمهورية، حتى عندما يتعلق الأمر بمواطن تجرأ وسأل رجال الأمن: من يكونون؟ عندما اقتحموا بيته أو طلب إليهم إبراز نسخة الأمر القضائي الذي يجيز لهم اقتحام منزله وتفتيشه، وهو الأمر الذي يمنع القانون دخول بيوت المواطنين بدونه. خلال اعتقال المواطن في بيته يتم توجيه الألفاظ النابية إليه وإهانته أمام أسرته وأطفاله، وكثيرا ما يتعمد رجال الأمن منعه من ارتداء ثيابه ويأخذونه معهم بثياب النوم مثلما يقيدون يديه وراء ظهره ويربطون عصبة سوداء على عينيه داخل بيته” [حوار حول سوريا ص134].

وبعد القبض على المواطن بهذه الطريقة الإجرامية يساق إلى الأفرع الأمنية ليسام سوء العذاب “الروايات المفصلة المرعبة عن أجهزة القمع في نظام الأسد أخرجتها جمعيات حقوق الإنسان المختلفة في تقاريرها؛ منها: هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وكان نظام الأسد أكثر الخارقين لحقوق الإنسان، وتبقى ممارسته بغيضة كريهة كما تذكر جمعية (ميدل إيست ووتش) وهي فرع من جمعية (هيومن رايتس ووتش) مراقبة الشرق الأوسط في تقريرها الأهم عام 1991 م بعدما قتل على الأقل عشرة آلاف من المواطنين في السنوات العشرين الماضية، يستمر نظام الأسد في القتل في الإعدامات الجماعية الميدانية وأعمال العنف والقمع في السجون ويعذب المساجين والمعتقلين بصورة روتينية ويوقف الآلاف بدون تهمة أو محاكمة، وفي عام 1984 نشرت منظمة العفو الدولية قائمة بثمانية وثلاثين نوعا من أنواع التعذيب استعملت في سوريا بعهد حافظ الأسد، ومنها على سبيل المثال التعذيب الدنيء بقلع أظافر اليدين والرجلين والصعق بالتيار الكهربائي للمناطق الحساسة في الجسم، وضمت لائحة التعذيب طريقة (العبد الأسود) حيث تربط الضحية إلى آلة وعندما تدار تدخل قضيبا حديديا ساخنا في الدبر، وطريقة التعذيب المسماة (الفروج) حيث تربط الضحية رجلا أو امرأة إلى لوح خشبي دائر يشبه السفود الذي يشوى عليه الفروج وتضرب باستمرار بالعصي” [سورية لا خبز ولا حرية ص 18].

ولنكتف بهذا القدر وإلى لقاء آخر في مقال قادم إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين.

 

الشيخ محمد سمير

أجهزة حافظ الأسد القمعية | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢هــــ
أجهزة حافظ الأسد القمعية | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢هــــ
أجهزة حافظ الأسد القمعية | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢هــــ
أجهزة حافظ الأسد القمعية | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢هــــ
أجهزة حافظ الأسد القمعية | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢هــــ
أجهزة حافظ الأسد القمعية | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢هــــ

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢ هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى