من لرتق الخرق وقد اتسع (3) لطائف دعائه صلى الله عليه وسلم يوم الطائف – ركن المرأة – مجلة بلاغ العدد ٤٢ – ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ
الأستاذة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
إن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومواقفه التي تجلت فيها عبوديته بأسمى معانيها لهي نبراس نهتدي به في هذا العصر الذي ابتلينا فيه بمواجهة عدو قل نظيره في التاريخ مكرا ولؤما وعنادا.
هذا العدو الذي استطاع أن يجند لحرب الإسلام طابورا خامسا من ضعاف النفوس الذين خرجوا يوما ما لحرب عدوهم، فلم يزل بهم مكرا بالليل والنهار ترغيبا وترهيبا ووعدا ووعيدا الى أن حرفوا بوصلتهم من جهاد أعداء الله ونصرة المظلومين إلى الاقتتال على أعراض الدنيا والمسارعة في أعداء الله، قائلين بلسان حالهم: نخشى أن تصيبنا دائرة، فأذاقوا المسلمين ويلات، وطاردوا المخلصين والثابتين، وجردوهم من قوتهم المادية وسلاحهم، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه.
نعم، لا ملجأ من الله إلا إليه، بكل ما تحتوي هذه العبارة من معنى وأبعاد، هل من حل؟ هل من مخرج لرتق الخرق وقد استع؟ نعم نعم، لقد علمنا قدوتنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم كيف نلجأ إلى الله في الملمات.
لقد كان دعاؤه صلى الله عليه وسلم الذي روي عنه صورة كاملة عن العبودية الحقة والالتجاء إلى الله:
“اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس… أنت أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي… إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري. إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي..، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل علي غضبك، أو أن ينزل بي سخطك. لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك“.
فماذا حصل؟
لما بلغ قرن الثعالب بعث الله إليه جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال، يستأذنه أن يطبق الأخشبين (أي الجبلين) على أهل مكة، فقال: «يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه».
– ثم جاء الإسراء والمعراج.
– ثم تباشير بيعة العقبة.
– ثم الهجرة والدولة الإسلامية.
– وبدر وما بعدها…
فيا من قاموا وبذلوا ما في وسعهم، ثم ابتلوا بقدر من الله بتوسيد الأمر لغير أهله ممن ليس له ضمن هدف إقامة شرع الله في الأرض ناقة ولا جمل، وامتطى ظهر تضحيات أبنائنا الأبرار ودمائهم التي بذلت سخية في سبيل الله ثم نكل بهم- استعن بالله، واجعل ضمن إعدادك بل من أهم إعدادك وسلاحك وعدتك وعتادك وسعيك الدعاء والتضرع وإتقان العبادة التي أمرنا بها في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول الفتن، ولا سيما في الليل، لرجاء الإجابة؛ لتكشف، أو يسلم الداعي ومن دُعي له.
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: “بَابُ العِلْمِ وَالعِظَةِ بِاللَّيْلِ” وذكر فيه حديث أم سلمة رضي الله عنها، قالت: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الخَزَائِنِ؟ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ».
لقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإيقاظ زوجاته ليصلين بالليل ويستعذن مما نزل من الفتن التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم تنزل بين البيوت، ولن يخذل الله من استعاذ به.
وأيضا أنتن يا أخواتي في الله: اقتدين بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، واستيقظن بالليل وأكثرن الدعاء والتضرع، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر)) رواه الحاكم في المستدرك، فالدعاء من قدر الله عز وجل، فقد يقضى الشيء على عبده قضاء مقيدًا بألا يدعوه فإن دعاه اندفع عنه.
وجاء في ((تحفة الذاكرين)) للشوكاني ما مختصره: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة)) ثم تلا قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر : 60] فالدعاء هو أعلى أنواع العبادة وأرفعها وأشرفها، والآية الكريمة قد دلت على أن الدعاء من العبادة، فإنه سبحانه وتعالى أمر عباده أن يدعوه، ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} فأفاد بذلك أن الدعاء عبادة.
من لي بثلة من نساء
شُمرت إلى الجهاد يداها
وقضت أوقاتها في صلاة
ودعاء يزيد من تقواها
والله من وراء القصد، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
لتحميل نسخة من مجلة بلاغ BDF اضغط هنا