من لرتق الخرق فقد اتسع / الحلقة الثانية “القدوة الحسنة” – ركن_المرأة – مجلة بلاغ العدد ٤١ – ربيع الأول ١٤٤٤ هـ
الأستاذة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
لقاؤنا اليوم هو تكملة ما بدأناه في الحلقة السابقة لعلنا نكون مع الثلة التي ترتق هذا الخرق وإن اتسع…، إذا صدقنا النية والعزيمة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وهو عز وجل ينصر الحق بحوله وقوته إذا كان حاملوه قد أخذوا بالأسباب كاملة وجردوا أنفسهم لله متوكلين عليه وشعارهم (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [سورة الشعراء: الآية 62].
ويقينهم هو (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ) [سورة الشعراء: الآيتان 63 – 64].
نعم بقوة الله وقدرته يستعينون لأن النتيجة ليست من اختصاصهم… وما حدث يوم بدر أجمل حادي لمن اتصف بصفة أهله.
فاصنعي من نفسك أختاه ما تبحثين عنه في غيرك.
– ومن أهم أسباب صلاح النفس وإكمالها والثبات بها رغم شدائد الطريق القدوة الحسنة:
فللقدوة الصالحة والأمثولة الطيبة الأثر الأخطر في تربية الأمم وتنشئة الأفراد.
والإسلام يعتني عناية بالغة بإيجاد الرجل والمرأة القدوة في فكرهما وسلوكهما.
ومن أمثلة ذلك أن الله عز وجل أمرنا باتخاذ إبراهيم عليه السلام أسوة وقدوة (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ)؛ وذلك لصفات كانت فيه، لكي نتصف بهذه الصفات فننال رضا الله.
وأبرز هذه الصفات هي:
أولا: تبرؤه من كل من عادى الله (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [سورة التوبة : الآية 114].
فتبرأي أختاه من كل من عادى الله.
ثانيا: سلامة قلبه واعتقاده، فقد جاء ربه بقلب سليم.
فسلمي قلبك أختاه من كل الآفات والبلايا في عصر الفتن القادمة من كل حدب وصوب.
وما اللغط حول قضية اهتمام المرأة بخدمة بيتها ترتيبا وتنظيفا وطبخا إلا إحدى هذه البلايا ليحرموا الزوجة من سعادتها في خدمة بيتها، وليحرموها من الشعور بالسعادة حين تسعد زوجها، فسلمي قلبك من هذا اللغط، ولا تبتلعي الطعم الذي وضعه لك أعداء الإسلام، ولا تنخدعي بلحن قولهم، فالأمر له تبعات وخسائر أنت والأمة من وراءك غنية عنها.
ثالثا: كان إبراهيم عليه السلام حاسما في موقفه من الآخر غير المؤمن (…قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [سورة اﻷنعام: الآيتان 78 – 79].
رابعا: اعتزل الشرك ومظاهره وسلوكياته (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا) [سورة مريم: الآية 48].
نعم إبراهيم عليه السلام قدوة لنا علينا اتباعها في واقعنا وسلوكنا عملا واقعا لا شعارات وأماني وأحلام.
فلنبحث عن معالم القدوة بمعاييرها القرآنية، ثم لنعمل على إيجاد أو إنتاج هذه القدوة في حياة الأمة.
ولعل أهم معالم القدوة الربانية هي:
الإيمان الراسخ.
والحياة لله منعا وعطاء.
وقبولا ورفضا.
ورضاء وغضبا.
وسلما وحربا.
وأخذا وتركا
مهتدين بهدي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا)؛ لأن أي قدوة ستفقد قيمتها إذا خرجت عن خطى الرسول صلى الله عليه وسلم.
فنصيحة لكل أخت علمت أن مهمة القدوة الصالحة هي إصلاح أحوالنا حتى نلتقي مع ما كان عليه سلف الأمة الذين رُبوا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لها برنامج في الجلسات العائلية للاقتداء بالصالحين تقرأ فيها سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم صور من حياة الصحابة ثم صور من حياة التابعين.
اقرأي لهم أختاه عن حذيفة بن اليمان كيف هاجر، ثم كيف حفظ لنا أحاديث الفتن التي نحن أحوج ما نكون إليها في هذا العصر، روى البخاري في كتاب الفتن ومسلم في كتاب الإمارة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي».
وعنه أيضا: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ» رواه مسلم، فالحذر من الشر لكي لا تنكت نكتة سوداء في قلوبنا.
وعنه رضي الله عنه: “لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَنْجُو فِيهِ إِلَّا الَّذِي يَدْعُو بِدُعَاءٍ كَدُعَاءِ الْغَرِيقِ” رواه ابن أبي شيبة، وفي هذا إرشاد لأمر مهم جدا في عصور الفتن ألا هو الإكثار من الدعاء والتضرع فيه كتضرع الغريق.
– حدثيهم عن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وكيف كانت خير زوجة، تخدم زوجها وترعاه.
ولتكوني أختي لأسرتك شمسا إذا طلعت تبددت ظلمات الجاهلية من أخبار النسويات والمخنثين.
إن أعداءنا يريدوننا أن نعيش للدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة، يريدون منا أن ندرس للدنيا ونتزوج للدنيا ونربي أبناءنا للدنيا، ثم نخرج من هذه الدنيا الفانية بالبوار والخسران.
فتحرري من إسارهم.
ودكي قيودهم وارميها بوجه الجاهلية.
ورددي قوله تعالى: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا) [سورة مريم: الآية 48].
وللحديث بقية إن شاء الله.