ثالث عشر: عدم الاستعداد لنقد الذات ومراجعة المسار وتدارك الأخطاء
ومن أشد ما تعاني منه عقولنا عدم الاستعداد لنقد الذات ومراجعة المسار وتدارك الأخطاء، وذلك استناداً إلى أن الإنسان عليه بذل الجهد وليس عليه إدراك النتائـج، والخلط بين قدريـة النتـائج وحدوثهـا بقـدر الله ومشيئته وقتما يشاء وبين المراجعة والنظر في الخطة والتصور ومجال الأخطاء خطأ فادح لا يغتفر. فالله تبارك وتعالى أجاب المسلمين لما تعجبوا من هزيمتهم في غزوة أحد بقوله: “أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم..” ، أي راجعوا سلسلة القرارات والأعمال التي قمتم بها وستدركون مواضع الخلل والقصور.
هذا البحث المستمر عن التحسـين والتجويـد والتطويـر تقوم به كل المجتمعـات، أما في مجتمعاتنـا -فلسبب أو لآخر – يعتبر النظر إلى الماضي والنظر في أخطائه سبةً أو فتحاً لأبواب الفتنة والخلاف والنزاع والشقاق، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، وهكذا تكرر نفس الأخطاء وتسيل الدماء وتدفع المجتمعات والقوى الحية ثمن أخطائها مرة ومرتين وثلاث مرات، دون أن يتنبه أحد إلى بساطة الحل وإلى أن الثمن المدفوع في هذا الخطأ هو مقابل الحصول على فرصة في المستقبل. قد يستغرب القارئ هذا القول، ولكن استمع إلى إجابة توماس أديسون عندما سأله أحد الصحفيين عن حقيقة الإشاعة القائلة بأنه أجرى ألف تجربة فاشلة، فكان رده: “لقد عرفت ألف طريق لا يؤدي إلى الحل الصحيح”، فهو لم يحاول إخفاء تجاربه الفاشلة؛ بل اعتبرها نجاحاً مهد له الطريق نحو المستقبل.
ويقول روبرت شولر: “أفضل أن أغير رأيي وأنجح على أن أستمر على نفس الطريقة وأفشل” ، أما تيس روز فيقول: “إن أي اعتذار لا يصاحبه تغيير يعتبر إهانة” ، بينما يقول ونستون تشرشل: “لا يكفي أن نقوم بعمل ما نستطيع، بل علينا أن نقوم بعمل ما هو مطلوب” .
وفي المؤسسات الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية توجد ملفات كاملة للأخطاء والتجارب الفاشلة التي مرت بها، بحيث يتم الاستفادة منها.
📚جاسم سلطان |من الصحوة إلى اليقظة|ص١٥٢-١٥٣-١٥٤