أربعون الشهادة
الحديث الثالث والعشرون: عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيد يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ».
رواه أحمد، والبخاري، ومسلم، وعند مسلم: «لما يرى من فضل الشهادة».
الفوائد:
☘️ أن تمني الرجوع للدنيا طلباً للقتل مرّات هو من خصال الشهيد لا يشاركه فيها أحدٌ غيره.
🍀 كون الشهادة في سبيل الله طريقاً مضموناً لبلوغ الجنّةِ.
🍀 التحريض على طلب الشهادة والحرص عليها والبحث عنها في مظانِّها، فما ذُكر هذا الفضل إلا لأهل الإيمان الباقين في الدنيا ليعرفوا قدرها ويتنافسوا في تحصيلها، قال ابن بطالٍ رحمه الله: ((هذا الحديث أجلُّ ما جاء في فضل الشهادة والحض عليها والترغيب فيها))اهـ، وقال النووي رحمه الله: ((هذا من صرائح الأدلة فى عظيم فضل الشهادة))اهـ.
🍀 خفّة آلام القتل وسكرات الموت على القتيل في سبيل الله؛ إذ لو كانت بِكُرُبَاِتها وشدائدها لما تمنوا إعادة ذوقها ومعالجة أهوالها.
🍀 أن للشهادة من الفضل والكرامة _مع كل ما ذُكر عنها في الكتاب والسنة_ ما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأن شأنها فوق ما يتصوره عقلٌ، فلما عاينوا تلك الكرامة _التي لم تكن لهم على بالٍ_ تمنّوا المزيد منها بتكرار القتل.
🍀 أن تمني عودتهم للدنيا لا لزيارة حبيب، ولا لرؤية قريب، ولا لطلب ملك، ولا تحصيل جاه، ولا لجمعِ مالٍ، وإنما فقط لنيل القتل مرة بل مراتٍ، فما عاينوه من الكرامة أنساهم كلَّ ذلك وجعل همتهم في طلب القتل (الشهادة) والذي صار بعد ملابستهم له لا يعدله شيءٌ عندهم، قال الملا علي القاري: ((وفيه إيماء إلى أنه لا يتمنى شيئاً من شهوات الدنيا إلا الشهادة، وهي ليست منها فيكون من قبيل: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم))اهـ.
أربعون الشهادة
الحديث الرابع والعشرون: عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ -وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
«الْقَتْلَى ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فلقي الْعَدُوَّ فَقَاتَلَ حَتَّى يُقْتَل، فَذَلِكَ الْمُمْتَحَنُ في خَيْمَةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ لاَ يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلاَّ بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ، وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا لقي الْعَدُوَّ فَقَاتَلَ حَتَّى يُقْتَل، فَتِلْكَ مُمَصْمِصَةٌ مَحَتْ ذُنُوبَهُ وَخَطَايَاهُ إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلْخَطَايَا، وَقِيلَ لَهُ ادْخُلْ مِنْ أي أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شِئْتَ فَإِنَّهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ -وَلِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ- بَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ يَعْنِي أَبْوَابَ الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ مُنَافِقٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى يُقْتَل فَذَاكَ في النَّارِ إِنَّ السَّيْفَ لاَ يَمْحُو النِّفَاقَ».
رواه أحمد، والدارمي، والطيالسي، والطبراني، وابن حبان، والبيهقي –واللفظ له-، وقال السيوطي : هذا حديث صحيح، وحسَّنة الشيخ الألباني.
الفوائد:
☘️ تفاوت حالات الشهداء في الجهاد فمنهم من هو في أعلى عليين ومنهم دون ذلك، قال القرطبي _رحمه الله_: ((قال علماؤنا أحوال الشهداء طبقات مختلفة ومنازل متباينة يجمعها أنهم يُرزقون))اهـ.
🍀 تكفير الذنوب بالشهادة في سبيل الله إلا ما خصّه الدليل وسيأتي.
🍀 فضل الجهاد بالنفس والمال في سبيل الله.
🍀 منزلةُ صفاءِ القلوب وزكائِها وطهارتها ونقائها، وضرورة العناية بها وتخليصها من شوائب الرياء والحسد والكبر والغرور ونحوها، وتعميرها بالأعمال الصالحة كالإخلاص والتواضع والإخبات والصدق وغير ذلك، قال تعالى: ﴿أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى﴾.
🍀 عظم أجر الثبات في القتال، لقوله: «وقاتل حتى يقتل».
🍀 أن من الشهداء صديقين لا يفضلهم النَّبيون إلا بدرجة النبوة.
🍀 خير دواء لمن أسرف على نفسه بالذنوب والخطايا القيام بالجهاد والصبر عليه، عكس ما يظن البعض من أن العاصي لا مكان له في الجهاد، قال شيخ الإسلام _رحمه الله_: (وَمَنْ كَانَ كَثِيرَ الذُّنُوبِ فَأَعْظَمُ دَوَائِهِ الْجِهَادُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ})اهـ.
🍀 التحريض على طلب العلوِّ في درجة الشهادة بإصلاح الظاهر والباطن مع الصبر والصدق.
🍀 أن المنافق قد يخرج للقتال بنفسه وماله، ويُقتل ولا يكون ذلك كفارة له بل هو في النار والعياذ بالله.
🍀 عِظم أمر النية وأن النجاة والخسران معلقٌ عليها، فالمسرف على نفسه بالذنوب صدق قلبُه فنجا، والمنافق كذبَ وخادَعَ فهلك وكلاهما مقاتِلٌ ثم مقتولٌ.
أربعون الشهادة
الحديث الخامس والعشرون: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:
«الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقٍ -نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ- في قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا».
رواه أحمد، والطبري، والطبراني، وابن حبان، والحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وحسنه الشيخ الألباني، والأرناؤوط.
الفوائد:
☘️ اختلف العلماء في معنى الحديث، وهو كون بعض الشهداء على بارقٍ -نهر بباب الجنة- حيث قد يُفهَم منه أن بعض الشهداء ليسوا وسط الجنة وإنما عند بابها، فقال ابن كثير _رحمه الله_: (وكأن الشهداء أقسام: منهم من تسرح أرواحهم في الجنة، ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة، وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر فيجتمعون هنالك، ويغدى عليهم برزقهم هناك ويراح، والله أعلم.) [تفسير ابن كثير: 2 / 164].
أربعون الشهادة
الحديث السادس والعشرون: عن أَنَس بْن مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ -وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ- أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ -وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ- فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ، قَالَ:
«يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى».
رواه البخاري، وأحمد، والطبراني، والبيهقي.
– سهمٌ غربٌ: قال ابن الأثير: أي لا يُعْرَف رَامِيه. يقال: سَهْمُ غرب بفتح الراء وسكونها وبالإضافة وغير الإضافة. اهـ.
الفوائد:
☘️ أن الجنة درجات وأعلاها الفردوس الأعلى.
🍀 أن أعلى درجات الشهادة قد ينالها المسلم وإن قُتِلَ في غير القتال بل وإن لم يخرج له أصلاً حتى وإن كان المقتول صغيراً؛ فإن حارثةَ كان غلاماً حَدَثاً لمَّا يبلغ الحُلُم.
🍀 حرص الوالدين ينبغي أن يوجَّه لإصلاح الأبناء بما ينجيهم وينفعهم في الآخرة.
🍀 دخول الشهيد الجنة إثر مقتله.
أربعون الشهادة
الحديث السابع والعشرون: عَنْ أُمِّ حَرَامٍ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
«الْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يُصِيبُهُ الْقَيْءُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ وَالْغَرِقُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ».
رواه أبو داود، والطبراني، والبيهقي، والحميدي عنها بلفظ: قَالَتْ: ((ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غُزَاةَ الْبَحْرِ:
«لِلْمَائِدِ أَجْرُ شَهِيدٍ، وَلِلْغَرِقِ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ».
قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ». فَغَزَتِ الْبَحْرَ فَلَمَّا خَرَجَتْ رَكِبَتْ دَابَّتَهَا فَسَقَطَتْ فَمَاتَتْ)).
والحديث حسنه الشيخ الألباني.
المائد: قال ابن الأثير: هو الذي يُدَارُ بِرأسِهِ من رِيحِ البَحْرِ واضْطِرَابِ السَّفِينَةِ بالأمْواج. اهـ.
الفوائد:
☘️ الحثُّ على الغزو في البحر وركوبه لأجل ذلك، قال المناوي: ((فيه حثٌّ على ركوب البحر للغزو))اهـ.
🍀 حرص الصحابة رضي الله عنهم على تحصيل أعلى درجات الشهادة.
🍀 جواز أن تسأل المرأةُ الشهادةَ في سبيل الله، وجواز تحصيل أسبابها بشروطها، قال البخاري: (بَاب الدُّعَاءِ بِالْجِهَادِ وَالشَّهَادَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) اهـ.
🍀 أن درجات الشهادة العالية تنالها المرأة كما ينالها الرجل.
🍀 صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بتحقق ما أخبر به.
🍀 أن من وقصته دابته في سبيل الله فهو شهيد.
أربعون الشهادة
الحديث الثامن والعشرون: عَنْ سَمُرَةَ بنِ جُندَب رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلَانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا قَالَا أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ».
رواه البخاري وهو بعض حديثٍ طويلٍ.
الفوائد:
☘️ علوُّ منزلة الشهداء وحسن دارهم في الجنَّة.
🍀 الحديث رواه البخاري تحت (باب درجات المجاهدين في سبيل الله)، وعند ابن حبان تحت: (ذِكْرُ مَنَازِلِ الشُّهَدَاءِ فِي الْجِنَّانِ بِثَبَاتِهِمْ لَهُ فِي الدُّنْيَا).
أربعون الشهادة
الحديث التاسع والعشرون: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلاَّ الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِي ذَلِكَ».
رواه مالك، وأحمد، ومسلم، والنسائي، وغيرهم.
الفوائد:
☘️ تحريض النبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه على الجهاد في سبيل الله قياماً بأمر الله له بذلك.
🍀 حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة أحكام دينهم والتثبت فيها.
🍀 تكفير الشهادة لكل الذنوب والخطايا إلا الدَّين، قال العلماء: ومثله كل ما هو من حقوق العباد.
🍀 ضرورة التحلل من حقوق العباد والتخلص منها والحذر من التساهل فيها.
أربعون الشهادة
الحديث الثلاثون: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ».
رواه أحمد، ومسلم، وفي لفظ له:
«الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الدَّيْنَ».
الفوائد:
☘️ إذا كانت الشهادة لا تكفِّر الدَّيْنَ وقد أُخِذ برضا الدائنِ وعلمه، فلأن لا تكفِّر غيره من حقوق العباد المادية والمعنوية من باب أولى والله أعلم، قال الصنعاني: ((وإذا كان هذا في الدَّيْنِ المأخوذ برضا صاحبه فكيف بما أخذ غصباً ونهباً وسلباً؟))اهـ.
🍀 أن المقتول الذي تكفَّر خطاياه هو من كان قتاله في سبيل الله.
🍀 فضل الجهاد والشهادة في سبيل الله حيث كُفِّرت بها جميع الخطايا إلا حقوق بني آدم، قال النووي: ((فيه هذه الفضيلة العظيمة للمجاهد وهى تكفير خطاياه كلها إلا حقوق الآدميين))اهـ.
🍀 فيه إشارةٌ إلى عِظَم شأن الدَّين، والتحذير منه، وكراهة الدخول فيه مهما أمكن.
أربعون الشهادة
الحديث التاسع والعشرون: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلاَّ الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِي ذَلِكَ».
رواه مالك، وأحمد، ومسلم، والنسائي، وغيرهم
إضافة مهمة على فوائد الحديث:
🍀 قال ابن علان رحمه الله: («إن قُتِلْتَ في سبيل الله وأنت صابر» أي: على ملاقاة القرن وجراحات السيوف وطعن الرماح وغير ذلك من أتعاب الحرب «محتسب» أي: مخلص لله تعالى، فإذا قاتل لمعصية أو لغنيمة أو لصيت فلا يحصل له ما ذكر في الخبر من الثواب ولا غيره «مقبل غير مدبر» أي: على وجه الفرار) [دليل الفالحين: 2/258].
🍀 قال النووي رحمه الله: (وأما قوله صلى الله عليه وسلم «إلا الدَّين» ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين وإنما يكفر حقوق الله تعالى) ا.هـ، وقال الشوكاني: (ويلحق بالدَّين ما كان حقاً لآدمي من دم أو عرض بجامع أن كل واحد حق لآدمي يتوقف سقوطه على إسقاطه) اهـ.
أربعون الشهادة
الحديث الحادي والثلاثون: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: أَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ أَمْشِي بِرِجْلِي هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ -وَكَانَتْ رِجْلُهُ عَرْجَاءَ- قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» فَقُتِلُوا يَوْمَ أُحُدٍ هُوَ وَابْنُ أَخِيهِ وَمَوْلًى لَهُمْ فَمَرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكَ تَمْشِي بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ».
رواه أحمد، قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن نصر الأنصاري وهو ثقة، وقال ابن حجر في الفتح: إسناده حسن، ورواه أيضاً ابن عبد البر في التمهيد، وأبو نعيم في معرفة الصحابة، والحديث حسنه الشيخ الألباني والأرناؤط.
أربعون الشهادة
الحديث الثاني والثلاثون: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ- إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ».
رواه مالك، وأحمد، والبخاري، ومسلم.
الفوائد:
☘️ فضل الجرح في سبيل الله سواء كان صغيراً أم كبيراً.
🍀 ربَّ جريح أو قتيل في الصف الله أعلم بنيته، قال ابن عبد البر : ((وفي قوله عليه الصلاة والسلام: “والله أعلم بمن يكلم في سبيله” دليل على أن ليس كل من خرج في الغزو تكون هذه حاله حتى تصح نيته ويعلم الله من قلبه أنه خرج يريد وجهه ومرضاته لا رياء ولا سمعة ولا مباهاة ولا فخراً))اهـ.
🍀 مدارُ قبول الأعمال الصالحة وانتفاع العبد بها مبنيٌّ على صحة النية واستقامة القصد، كما ذكر السندي: ((أن المدار على الإخلاص الباطني المعلوم عند الله لا على ما يظهر للناس))، وفي هذا تنبيه على خطر النية وضرورة معالجتها حتى لا يجتمع عليه كَلْمانِ كلم الدنيا بالجراح والآلام والآخرة بضياع الثواب ونزول العقاب.
🍀 عظَم فضل الشهادة في سبيل الله، فإذا كان ما ذكر هو في الجرح –وقد يكون صغيراً– فكيف بمن تتقطع أشلاؤه وتتطاير أطرافه وأعضاؤه في سبيل الله تعالى.
قال الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله:((وإذا كان هذا في فقد عضوٍ أو جرح أو نحو ذلك فأعظم من ذلك أن يفقد نفسه، يعني: أن يُستشهد في سبيل الله، فإنه والحال هذه أعظم أجراً وأكثر ثواباً))اهـ.
🍀 محبة الله لرؤية آثار الطاعة على عبده؛ ولهذا فالشهيد لا يغسل دمه في الدنيا، ويأتي يوم القيامة بجراحه ودمه ينزف، تنويها بعلو منزلته وجلالة كرامته، قال ابن حجر رحمه الله: ((قال العلماء الحكمة في بعثه كذلك أن يكون معه شاهد بفضيلته ببذله نفسه في طاعة الله تعالى))اهـ.
🍀 التحريض على الجهاد لنيل فضائله ومنها ما جاء في هذا الحديث، قال ابن عبد البر: ((هذا من أحسن حديث في فضل الغزو في سبيل الله والحض على الثبوت عند لقاء العدو))اهـ.
أربعون الشهادة
الحديث الثالث والثلاثون: عن الْبَرَاء بنِ عازبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟ قَالَ: «أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ» فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا».
رواه البخاري –واللفظ له- ومسلم.
الفوائد:
☘️ سعةُ فضل الله تعالى حيث أكرم هذا القتيل بالجنة والثواب الجزيل مع قلة عمله.
🍀 عظيم ثواب الجهاد والشهادة في سبيل الله بعد الإيمان إذ لا يعرف له عملٌ صالحٌ آخر.
🍀 حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية الناس وإنقاذهم من النار فقد أُرسل هادياً لا جابياً؛ إذ أرشد الرجلَ إلى الإسلام قبل شروعه في القتال، بل مقصود الجهاد الأوَّل هو دعوة الناس ودخولهم في دين الله.
🍀 تقديم التوحيد على سائر الأعمال وأن به حصولَ النجاةِ والفلاح.
🍀 سهولة دخول المرء الإسلامَ، ويسرُ فهم التوحيد، وحملُ الناس فيه على السلامة حتى يظهر خلاف ذلك –كما في حادثة ذات أنواط وغيرها–وإجراءُ أمرهم فيه على الظاهر، وعدمُ امتحانهم بالسؤال عن تفاصيله.
🍀 سرعة المبادرة إلى الجهاد وطلب الشهادة بعد الإيمان من غير اشتراطِ تريُثٍ وتأخيرٍ لأجل التربية ونحوها.
🍀 أن الأخذ بأسباب القتال أمرٌ جبليٌّ يستوي فيه المسلم والكافر أقرَّه الإسلام، ولا يناقض ذلك التوكلَ على الله تعالى، فالرَّجل جاء وهو مقنَّعٌ بالحديد ودخل الإسلام وقاتل كذلك، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير حاله.
أربعون الشهادة
الحديث الرابع والثلاثون: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم:
«سَيِّد الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إلَى إمَامٍ جائرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ».
رواه الحاكم وصحح إسناده، وتعقبه الذهبي بقوله: الصفار لا يدرى من هو. والخطيب في (تاريخ بغداد 3/155) والطبراني في الأوسط عن ابن عباسٍ، وحسَّنه الشيخ الألباني، وقال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الأوسط وفيه شخص ضعيف في الحديث.
الفوائد:
☘️ علوُّ مرتبة شهادة الجاهر بكلمة الحقِّ وأنه سيدٌ من سادات الشهداء.
🍀 فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه بابٌ من أبواب طلب الشهادة، قال الجصاص: ((وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أنه متى رجا نفعاً في الدين فبذل نفسَه فيه حتى قُتِلَ كان في أعلى درجات الشهداء))اهـ.
🍀 أن الشهادة يمكن تحصيل أعلى درجاتها بغير مقاتلة، والفضل لله يؤتيه من يشاء.
🍀 جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان فيه إتلاف النفس وتحقُّقُ القتلِ وليس ذلك من إلقاء النفس إلى التهلكة.
🍀 تحريض النبي صلى الله عليه وسلم أمته على كفِّ ظلم الظالمين، وأمرهم بالتزام الحقِّ، وعدم الركون والتملُّق إليهم.
🍀 أن الشهادة في سبيل الله من أعظم المقاصد التي ينبغي الحرص عليها، فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الآمر مكسباً سواها وأنعم بها وأكرم!.
جزء 1 من 2
أربعون الشهادة
الحديث الرابع والثلاثون: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم:
«سَيِّد الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إلَى إمَامٍ جائرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ».
رواه الحاكم وصحح إسناده، وتعقبه الذهبي بقوله: الصفار لا يدرى من هو. والخطيب في (تاريخ بغداد 3/155) والطبراني في الأوسط عن ابن عباسٍ، وحسَّنه الشيخ الألباني، وقال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الأوسط وفيه شخص ضعيف في الحديث.
الفوائد:
☘️ قوة اليقين بالمآل يخفِّف الرهبة في الحال، فنَطَقَ الآمرُ الناهي بالحقِّ جهاراً لما استيقن حُسن عاقبته وطيب منقلبه.
🍀 ليس وصفُ الشهيد خاصاً بمن يقتله الكفَّارُ في الحرب، فربَّ مقتولٍ ظلماً يعدُّ شهيداً وإن كان قاتله مسلماً.
🍀 أن الأخذ بالعزائم للقادر عليها أولى من الترخُّص وإن كان جائزاً، ولهذا قال ابن حجر: ((قال ابن بطال: أجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجراً عند الله ممن اختار الرخصة))اهـ.
🍀 قال ابن الأخوة بعد قصة ذكرها: فهذه كانت سيرة العلماء، وعاداتهم في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقلة مبالاتهم بسطوة الملوك لكنهم اتكلوا على فضل الله أن يحرسهم، ورضوا بحكم الله أن يرزقهم الشهادة فلما أخلصوا لله النية أثر كلامهم في القلوب القاسية فلينها، وأزال قساوتها، وأمالها للخير، وأما الآن فقد استولى عليهم حب الدنيا، ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل فكيف على الملوك والأكابر. [معالم القربة:21].
🍀 قال الخطابي: وإنما صار ذلك أفضل الجهاد، لأن من جاهد العدو كان متردداً بين الرجاء والخوف لا يدري هل يَغلِب أو يُغلَب. وصاحب السلطان مقهور في يده، فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف فقد تعرض للتلف، وأهدف نفسه للهلاك، فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجل غلبة الخوف.
وقال المظهر: وإنما كان أفضل لأن ظلم السلطان يسري في جميع من تحت سياسته وهو جم غفير، فإذا نهاه عن الظلم فقد أوصل النفع إلى خلق كثير بخلاف قتل كافر.
جزء 2 من 2