الكاتب: معظم بيك
عندما وردني اتصال من سوريا يخبرني بأنه قد تم اعتقال الصحفي الأمريكي بلال عبد الكريم من قبل مسلحي هيئة تحرير الشام، انزعجت من الأمر لكنني لم أكن متفاجئا. لقد كنت أناقش قضية العامل الإغاثي البريطاني توقير شريف مع بلال طوال الأسابيع القليلة الماضية. كما تحدثنا عن أهمية تحقيق العدالة من أجل توقير بعد اعتقاله من قبل الهيئة. لقد تم اعتقال توقير مسبقا من قبل هيئة تحرير الشام في أواخر حزيران وتم الإفراج عنه بعد ثلاثة أسابيع ليتم اعتقاله مجددا.
خلال فترة سجنه، قال توقير أنه تعرض للتعذيب بشكل ممنهج من قبل أحد المحققين في هيئة تحرير الشام. كانت تُمارس عليه إحدى الأساليب التي تدعى (الفلق) حيث يتم ضرب باطن القدمين بالسوط مسبباً ألما مبرحاٌ دون أن يترك آثاراً على القدمين. تعتبر طريقة التعذيب هذه شائعة الاستخدام لدى نظام الرئيس السوري بشار الأسد ضد معارضيه.
التعذيب وحقوق السجناء
خلال زيارته للمحكمة الأسبوع الماضي، صادف توقير الرجل الذي قام بتعذيبه وقابله وجها لوجه. ونشأ شجار بين توقير والرجل وانتهى بعد أن أشهر الرجل مسدساً في وجه توقير ومرافقه واقتادهما للاعتقال.
من جانبه، كان بلال يبحث في قضية التعذيب وحقوق السجناء طوال سنين عدة. ولقد تحدثت مع بلال مطولاً وخصوصاً لخبرتي السابقة في هذا المجال. وكان بلال على دراية بأن الجميع قادرون على ممارسة التعذيب من ضمنهم أولئك الذين تم تعذيبهم يوماً ما.
في عام 2015 قبيل أن تسيطر هيئة تحرير الشام على إدلب، أجرى بلال مقابلة معي حول حقوق السجناء والتعذيب. كان بلال قلقاً من احتمالية استخدام الفصائل المقاتلة لنفس الطرق التي تنتهجها حكومة الأسد، ومن أن احتدام الصراع سيجعل حالات التعذيب أمراً حتمياً. لكنه كان متفائلاً لوجود وثيقة مكتوبة من قبل عدة فصائل تضمن حقوق السجناء ومن المفروض العمل بها.
لقد تعرفت على بلال منذ سنوات عديدة وكان نعم الصاحب في مواقف عديدة في بريطانيا، مصر وسوريا. إنه رجل مرح، ذكي، عنيد وشجاع.
في عام 2012، أمضيت وقتاً مع بلال وتوقير كليهما حيث كانا يعملان في الشمال السوري. وخلال ذلك الوقت، تلقيت خبراً بأن قوى الأمن المحلية اعتقلت ثلاثة أشخاص أعرفهم. تم اتهامهم بتفريق الصفوف وعدم صرف أموال التبرعات بالطريقة المناسبة وهذه التهم شائعة جدا عند الفصائل المعارضة وقد طُلب مني أن أتدخل.
صدى الصرخات
قام بلال وتوقير باصطحابي لمقر الاحتجاز حيث سُمح لي فقط بالدخول. كان السجن عبارة عن منزل حيث كانت غرف الجلوس تستخدم للتحقيق وكانت الحمامات زنازين للسجناء. وبينما كنت أتحدث مع محقق سعودي شاب، سمعت صوتاً مكتوماً تلته صرخات تردد صداها في أروقة المكان الذي نجلس فيه. فسألت المحقق إن كان هنالك تعذيب للسجناء فأجابني أن هذا ليس تعذيباً، إنما هو نوع من الضرب المباح في الإسلام.
لم أقتنع بكلامه واستشهدت بحديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: “إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا”. وفي نهاية المطاف، سمحوا لي برؤية أحد السجناء لفترة قصيرة قبل أن أغادر.
وعلى الرغم من أن بلال وتوقير كانا ينتظرانني في الخارج، إلا أنهما سمعا الصرخات أيضاً. في بادئ الأمر ظنّا أن الصراخ صادر مني. في النهاية، تم تحرير السجناء بعد تدخلنا، لكن أحدهم الذي كان شاباً مصري الجنسية كان بالكاد يستطيع المشي بعد أن تورمت قدماه من شدة الضرب. لن أنسى أبداً تلك القسمات البائسة في وجهه. ومن منذ ذلك الحين، كان بلال من الأشخاص القلائل الذين تحدثوا بشجاعة ضد جور السجانين الذين انضم أغلبهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية واستمروا بتهديد بلال وتوقير إلى أن تلاشى ذلك التنظيم.
استهداف المكاتب
أتذكر مرة أنني سألت (بلال) إن كان بإمكاننا كمسلمين من المجتمع الغربي أن نحاول فرض رؤيتنا ومعتقدنا الخاص حول هذه القضايا على أناس يناهضون انتشارها. فأجابني بلال بلكنته الأمريكية: “محال يا رجل! لا يوجد مخلوق على وجه الأرض يرغب بأن يكون معذباً”.
لقد أرسل بلال تقارير من خطوط الجبهات الأولى برفقة فصائل ثورية مختلفة وتمت مشاركة هذه التقارير على نطاق واسع في وكالات الأنباء العربية والإنكليزية. ولذلك، وضعت الفصائل الثورية كامل ثقتها في بلال ووكالته الإخبارية On The ground News OGN . ومن جهة أخرى نعته النقاد بفم الإرهاب.
في عام 2016، ذهب بلال إلى شرق حلب لتغطية الأحوال المتدهورة هناك. كان ينوي أن يبقى هناك لفترة وجيزة، لكنه وجد نفسه وقع تحت حصار دام لأكثر من أربعة أشهر.
أوصلت تقاريره التي جرت تحت القصف المتواصل رسالة إلى الفصائل الثورية مما جعلهم يخوضون أشرس المعارك ضد الطيران الحربي الروسي حيث أجرى بلال في تقاريره مقابلات تفطر القلوب مع مدنيين أجبروا على النزوح من منازلهم.لقي قرابة 31000 شخصاً حتفهم خلال حصار حلب وكان بلال آخر من يغادر من الصحفيين. لقد كنت من ضمن أكثر من 2000 شخص احتجوا أمام السفارة السورية في لندن بعد سقوط حلب. وتواصلت مع بلال عبر بث مباشر ليتحدث للحشود عما شاهده في حلب. منذ ذلك الوقت، أصبح بلال ومكاتب OGN التابعة له في محافظة إدلب تستهدف بشكل متكرر. وكان بلال واثقاَ أن الحكومة الأمريكية هي من تقف وراء هذه الاستهدافات بغية إسكاته في إطار برنامج الاغتيال الذي تنتهجه. رفع بلال دعوى قضائية لهيئة حقوق الإنسان لإرجاء محاكمته وطالب حكومة الولايات المتحدة بإصدار بيان يثبت أو ينفي وجود بلال على قائمة المطلوبين. فقد نجا من خمس استهدافات من طائرات مسيرة. ولكنهم رفضوا الإجابة.
يخافون من الحقيقة
خلال حديثه مع وكالة CAGE ، خاطب بلال الحكومة الأمريكية: “ماذا لدى الحكومة الأمريكية لتخاف مني؟” إنهم يخافون من الحقائق التي نكشفها فيما يتعلق “بحربهم على الإرهاب” في سوريا. ربما لأن OGN كانت تنشر مقابلات حصرية مع قياديين كبار من ضمنهم الذين شكلوا هيئة تحرير الشام مؤخراً. وهذه المقابلات كانت لا تصب في مصلحة الولايات المتحدة.
منذ ذلك الحين، استمر بلال بنقل الحدث من الخطوط المتقدمة في أرض المعركة. في عام 2019، أصيب بلال بشظية بعد أن انفجرت قذيفة دبابة بالقرب منه خلال تغطيته لإحدى المعارك في حماة.
ظهرت هيئة تحرير الشام بعد مسميات وتشكيلات عديدة منحدرة من أصل واحد وهو جبهة النصرة والتي انشقت عن تنظيم القاعدة وتميزت عنها ليس فقط بالاسم بل بالفكر والأهداف. لكن ذلك في الواقع لم يكن كافياً. ومجدداً، أجرى بلال مقابلات مع أشخاص حياديين بالنسبة لمبادئه لكن روسيا والولايات المتحدة لم تكونا راضيتين عنهم. وكانت هناك دول أخرى مستاءة من ذلك.
خلال العامين الماضيين، تحدث معي بلال بعمق حول حقوق السجناء. ولقد تواصل بلال مع العديد من الأشخاص الذين صرحوا بأن التعذيب سائد في سجون ومراكز تحقيق هيئة تحرير الشام. عندما بدأ بلال بتسليط الضوء على هذه القضية، لم تكن هيئة تحرير الشام راضية عن نشاطاته لكنها سمحت له بمواصلة تقاريره الانتقادية. وكان ذلك أحد العوامل التي جعلت الهيئة مختلفة عن باقي الأنظمة العربية الأخرى التي اشتهرت بسمعتها السيئة في معاملة الصحفيين والتضييق عليهم، لكن ذلك لم يدم طويلاً.
المفارقة القاسية
إن الصحفيين أمثال بلال عبد الكريم هم قلة في العالم الإسلامي. ويجب أن يكون وجوده في إدلب مدعاة للفخر من قبل سلطات هيئة تحرير الشام. ويجب أن يُمنح أوسمة الشرف والجوائز كتقدير لجهوده المبذولة. بلال ليس مجرد صحفي، إنه الضمير الحي لما تبقى من المعارضة. قد ترفع هيئة تحرير الشام عن بلال تهمة التحريض على العصيان، لكن جريمته الحقيقية هي اتهام صفوف الهيئة بممارسة التعذيب. المفارقة القاسية هنا أن بلال نفسه قد يتعرض للتعذيب.
سمعتُ مناصري هيئة تحرير الشام يحتجون بأنهم يخوضون حرباً، وأن الوقت ليس مناسباً لهكذا مواضيع. هذا تماماً ما تبرر به الولايات المتحدة تعذيبنا في غوانتانامو، وهي نفس الذريعة التي يتخذها النظام السوري أيضاً.
سمعتهم يقولون أيضاً إن القانون فوق بلال وتوقير، أنا أتفق معهم لكن القانون فوق هيئة تحرير الشام أيضاً. يجب الإفراج الفوري عن بلال عبد الكريم والسماح له بالقيام بأعماله على أكمل وجه.
المشاهد المذكورة في المقال تعود للكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن السياسة التحريرية ل e
معظَم بك
معظَم بك معتقل سابق في سجن خليج غوانتانامو، مؤلف كتاب Enemy Combatant و مدير التواصل في منظمة CAGE ومقرها المملكة المتحدة. تابعوه على تويتر على المعرف @Moazzam_Begg
https://liberties.aljazeera.com/media-content/%d8%a8%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d9%85%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a-%d9%84%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b1%d8%b6%d8%a9-%d8%a7/