النجاة بالإصلاح لا بالصلاح – مجلة بلاغ العدد ٦٤ – صفر ١٤٤٦ هـ
كلمة التحرير
إن المتابع لأخبار العالم العربي والغربي لا بد له أن يلاحظ حجم التغيرات الكبيرة التي يشهدها، من كوارث وفيضانات وزلازل وانهيارات وعواصف وطوفانات ونكبات ودماء وقتلى وجرحى ومشردين وغير ذلك، ولا شك أن كثيرًا من الناس يسألون: كيف ننجي أنفسنا من كل ذلك؟ وما السبيل الذي يعصمنا من وقوع شيء من ذلك بنا؟
والحقيقة أن الجواب واضحٌ في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أما في كتاب الله فقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117]، ولنلحظ أن الله تعالى قال “مصلحون” ولم يقل “صالحون“، فلا يكفي أن تكون صالحًا في نفسك لتنجو من ابتلاء الله تعالى، فكثيرٌ من المصائب حلت بأقوام صالحين، قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25]، وذلك لأن القوم الصالحين لم يُصلحوا غيرهم، واكتفوا بالمشاهدة والمراقبة وقولهم: “علينا بأنفسنا”، كمثل بني إسرائيل الذين كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، فعمّهم الله بالعقاب.
وأما في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال: «والَّذي نفسي بيدِه لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتنهَوُنَّ عن المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللهُ يبعثُ عليكم عذابًا منه ثمَّ تدعونه فلا يستجيبُ لكم»، فترْكُ إصلاح الناس يَحرمهم من إجابة الدعاء، بل جاء في حديث أوضح وألصق بموضوع مقالنا -إن جاز التعبير- قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الناسَ إذا رأوا الظالمَ فلم يأخذوا على يدَيه، أوشكَ أن يعمَّهم اللهُ بعقابٍ مِن عندِه»، وهذا الحديث واضح تمامًا في الدلالة على أن المنكر إذا فشا في البلد، ورآه الناس، ولم يُنكروه، كان سببًا في نزول عقاب عام من عند الله، ليس عقابًا خاصًا بمن ارتكب المنكر وحسب.
فالخلاصة: أننا إذا أردنا أن ننجو من عقاب الله وعذابه، فإن طوق النجاة هو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم السكوت عنه والاكتفاء بالمشاهدة.
ولا بد خلال أداء هذه الشعيرة العظيمة من الإتيان بشروطها وآدابها، كي تكون مثمرةً نافعةً، كاستعمال الأسلوب الحسن والكلمة الطيبة، والتعلم قبل الإدلاء بالنصيحة، وعدم الإنكار في المسائل التي يعتريها اختلاف مستساغ، وعدم التجسس وتتبع المعاصي التي استتر أصحابها واختفوا بها عن أعين الناس، فإن الواجب هو إنكار المنكرات الظاهرة، وغير ذلك من الأمور، فإن استجاب الناس فالحمد لله، وإن لم يستجيبوا فقد أدينا ما أمرنا ربنا، وليس علينا هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء، لكن لنحذر من أن يكون ذلك مانعًا لنا من الاستمرار في أداء هذه الشعيرة، فيوم القيامة يأتي النبي ومعه عشرة أو اثنان أو واحد، وقد يأتي وليس معه أحد.
أسال الله أن يعيننا على أداء هذه الشعيرة العظيمة، وأن ينجينا من عذابه في الدنيا ويوم يبعث عباده.
والحمد لله رب العالمين