القصة الأليمة لتنحية الحكم بالشريعة وآثارها وبيان محاولات استعادتها – مقالات مجلة بلاغ العدد ٦٩ – شعبان ١٤٤٦ هـ
مجلة بلاغ العدد ٦٩ - شعبان ١٤٤٦ هـFebruary 04, 2025
![](http://i0.wp.com/fromidlib.com/wp-content/uploads/2025/02/1%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D9%84%D8%AA%D8%AC%D9%86%D9%8A%D8%A8-%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9.jpg?resize=780%2C470&ssl=1)
من مشاركات القراء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فمما لا شك فيه أنه لا سعادة للأمة في دنياها وآخرتها إلا بتحكيم شريعة رب العالمين فهي مصدر عزها وكرامتها وبتحكيمها تعود الأمة إلى السيادة والريادة وتسترد قوتها وتكون لها اليد العليا، وقد عملت أمم الكفر على إبعاد الأمة عن دينها وبذلت جهوداً جبارةً ومكرت مكراً كبّاراً لتنحية شريعة الله عن الحكم في بلاد المسلمين حتى تم لها ذلك في معظم البلدان فنتج عن ذلك آثار وخيمة ونتائج منكرة.
وجرت محاولاتٌ عديدةٌ لاستعادة الحكم بالشريعة وتفيء ظلالها الوارفة والقضاء على الحكم الجاهلي الذي ذاق المسلمون من ويلاته ألوان القهر والعذاب.
وبين يدينا اليوم كتابٌ يتحدث عن ذلك بإجمالٍ واختصار وهو بعنوان: (القصة الأليمة لتنحية الحكم بالشريعة وآثارها وبيان محاولات استعادتها) للشيخ الدكتور محمد بن موسى الشريف فك الله أسره وفرج كربه.
ابتدأ المؤلف بتعريف الشريعة لغةً واصطلاحًا فعرفها اصطلاحاً: هي ما شرعه الله تعالى لعباده من الأحكام وبين شمولها لكل ما شرع الله من أحكام عقديةٍ أم علميةٍ أم أخلاقيةٍ.
ثم بين تفوق الشريعة على القانون الوضعي وأن الحق أنه لا مقارنة بينهما فالشريعة تامّةٌ من كل وجه والقانون الوضعي ناقصٌ من كل وجه.
ويُنقل عن الشهيد عبد القادر عودة أن الشريعة تمتاز على القانون الوضعي بثلاث ميزات جوهرية وهي الكمال والسمو والثبات والاستقرار.
ثم انتقل إلى الفصل الأول وجعله بعنوان: (تاريخ التحلل من الشريعة والاحتكام إلى القانون الوضعي) فذكر أن الشريعة كانت المصدر الوحيد للأحكام أكثر من 1300 سنة، ثم حدث أمران كانا السبب في تنحية الشريعة:
-الأول: تولي حكام طغاة جهلة بالشريعة مقاليد الحكم في بلاد إسلامية كثيرة كوالي مصر محمد علي باشا الذي كان أولهم من حيث تغيير الشريعة.
-الثاني: الاحتلال الأجنبي لديار المسلمين وعلى سبيل المثال: قدم الإنجليز بعد احتلالهم مصر قانون الإصلاح القضائي سنة 1300هـ، 1883م الذي غيروا به كثيراً من الحكم بالشريعة.
ثم ذكر بداية مظاهر تنحية الشريعة في الدولة العثمانية وكان ذلك عام 1839 وكان المرتكب لذلك الجرم هو السلطان محمود خان وكان قد ابتدأ تغيرات غير هذه (أي غير القوانين التجارية المخالفة للشريعة) يصح أن توصف بالتغريب ابتداءً من الشكليات نحو تغيير لباسه هو نفسه إلى اللباس الأوربي وانتهاءً بتغيرات تمس هيكل الدولة وقوانينها).
ثم بين أن الهالك أتاتورك ألغى ما تبقى من سيادة الشريعة بعد توليه الحكم وذلك على عدة مراحل ابتداءً بالقانون الجنائي وانتهاءً بقانون الأحوال الشخصية، وأما الهند فإن الإنجليز قاموا بعد احتلالها بتنحية الشريعة عن الحكم شيئاً فشيئاً حتى لم يبق منها سوى قانون الأحوال الشخصية.
وأما باكستان فإنها ما كانت لولا الوعود بتحكيم الشريعة ولكن ما إن وصل الزعماء والقادة إلى سدة الحكم حتى أخذوا يتهربون من وعودهم التي قطعوها للشعب فكانوا (يأتون مع طلوع كل فجر جديد بحيلة جديدة للفرار من الشريعة).
ثم انتقل الحديث عن تنحية الشريعة في مصر ابتداءً من الطاغية محمد علي الذي كانوا مفتونًا بالدول الأوربية عاملاً على تقليدها وقد أصدر عدداً من القوانين الوضعية المخالفة للشريعة ثم كان حفيده إسماعيل شراً منه فقد تربى في صالونات فرنسا وبين نسائها ومباذلها واستدعي على عجل لحكم مصر وهو في السادسة عشرة من عمره فعاد مبهوراً بفرنسا ومفاتنها وصرح مراراً أنه يريد أن يجعل مصر قطعة من أوربا.
وقد أخذ من أوربا جانب اللهو واللعب والبذخ والمسارح والتماثيل ولم يأخذ منها الجانب العلمي المطلوب لبلده وأنشأ المحاكم المختلطة التي كانت تحكم بالقانون الوضعي وكانت مثالًا في السوء والتحيز للأجانب ضد المصريين.
ثم احتلت انكلترا مصر فترجموا القانون الفرنسي وجعلوه قانونًا للمحاكم المصرية وعزلوا المحاكم الشرعية والشريعة الإسلامية من جميع جوانب التقاضي إلا في جانب الاحوال الشخصية فقط.
وفي 1955م أُلغيت المحاكم الشرعية ودمجت اختصاصاتها في المحاكم العادية إلا مسائل الأحوال الشخصية فقط ولقد كان المظنون بحكام مصر عقب جلاء المحتل الانجليزي أن يلغوا المحاكم التي تأخذ بالقانون الوضعي لكنهم أبقوها وألغوا المحاكم الشرعية.
ثم تحدث عن تنحية الشريعة في إندونيسيا وسوريا ولبنان والجزائر وتونس والمغرب والكويت والعراق والأردن وليبيا، وبعد الفراغ من الفصل الأول انتقل إلى الفصل الثاني وجعله بعنوان: (صلاحية الشريعة والرد على المناوئين)، وقد تضمنت عدة مباحث:
الأول- أقوال فقهاء وأساتذة القانون في مدح الشريعة:
ذكر فيها عددًا من أقوالهم مع أن الشريعة ليست بحاجة إلى شهادتهم إلا أنها مفيدةٌ في زيادة اليقين بعظمة الشريعة، وعلى سبيل المثال:
قال الدكتور (أنريكو انساباتو): إن الشريعة الاسلامية تفوق في كثير من بحوثها الشرائع الأوربية بل هي التي تعطي للعالم أرسخ الشرائع نباتاً.
وقال العلامة (سنتيلانا): إن في الفقه الاسلامي ما يكفي المسلمين في تشريعهم المدني إن لم نقل إن ما فيه يكفي الإنسانية كلها.
وقال (شبرل) عميد كلية الحقوق بجامعة فينا في مؤتمر الحقوقيين سنة 1927م: (إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها إذ إنه رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة).
الثاني- معوقات العمل بالشريعة:
وذكر فيه أن أكثر المعوقات المدعاة غير حقيقية وسبب ذلك:
1 – الجهل بحقيقة الشريعة وقدرتها على مواكبة تطلبات العصر وصلاحيتها في كل زمان ومكان ومرونة أحكامها.
2 – الظن بأن العمل بالشريعة محصور بالحدود والقصاص والتعزيرات والقول بوحشيتها وعدم صلاحيتها للعصر وهذا ظنٌ خاطئٌ مرده الجهل إذ الحدود جزءٌ من الشريعة وهي أعم من أن تُحصر بذلك على أهمية الحدود والقصاص والتعزيرات، والشريعة فيها في غاية الرحمة والعدل والحكمة وناقش هذه الجزئية مسهبًا، وساق عددًا من المعوقات المزعومة ورد عليها بإيجاز.
الثالث- أمثلة عجيبة لأقوال وأفعال أشخاص مناوئين للشريعة:
وذكر في هذا المبحث بعض الأقوال المنكرة للرافضين لتطبيق الشريعة مثل: فرج فودة الذي قال: (لن أترك الشريعة تطبق مادام فيّ عرق ينبض) وقد قتل فرج فودة لكفره رحم الله قاتله.
المبحث الرابع مخالفة القوانين الوضعية للشريعة الإسلامية وعدم صلاحيتها للمسلمين:
بين فيه مناقضة القوانين الوضعية للقرآن فهي تُبيح الخمر والميسر والربا والزنا في كثير من الحالات وهي تغير العقوبات الشرعية التي فرضها الله على السارق والزاني حال اعتبرت ذلك جريمة وغير ذلك كثير.
المبحث الخامس: مصائب ناتجة عن عدم العمل بالشريعة:
1 -إغضاب الله والخروج من دائرة الايمان لمن حكم بها راضياً.
2 -تعطيل نصوصٍ من القران والسنة.
3 – التناقض الكبير بين ما يؤمن به الناس وبين ما يحكمون به.
4 – عزل الفقه والفقهاء عن بحث أمور المجتمع مما يؤدي إلى ضمور الفقه.
5 – نشر الفتن والفوضى والفساد الخلقي والسلوكي.
6 – وجود طبقةٍ متنفذةٍ في مجالات الحياة يسوؤها الحكم بالشريعة.
المبحث السادس: محاولات العمل بالشريعة تطبيق الشريعة ذكر فيه نماذج للتقيد بالشريعة وأمثلة عن قوانين قننت الشريعة الاسلامية وبعض القضاة الذين حكموا بالشريعة مع أن القانون يمنعهم من ذلك.
المبحث السابع واجب المسلم المحكوم بالقوانين الوضعية ويتلخص ذلك في أمور:
1 – عدم الرضا بها والتبرؤ من تبعيتها وعدم التحاكم إليها إلا في حالة الاضطرار (ولذلك عدة ضوابط).
2 – العمل بكل قوة على إعادة الحكم بشريعة الإسلام.
3 – إظهار محاسن الشريعة وهي كثيرةٌ جليلةٌ.
4 – إظهار مساوئ القوانين الوضعية وهي أكثر من أن تحصى وذكر مطالبات عددٍ من العلماء من رجالات الأمة لبعض الملوك والعلماء الرسميين بتطبيق الشريعة وإلغاء القانون الوضعي ولكن كلامهم ذهب أدراج الرياح.
ثم كانت الخاتمة وهي مختصرةٌ جدًا..
وختاماً؛ فإن تطبيق الشريعة فرضٌ لا يسع مسلماً التخلف عن العمل على تحقيقه كلٌ بحسب قدرته واستطاعته وإننا في سورية بعد أن من الله علينا بسقوط النظام النصيري وإزالة دولته نبين أن أهم واجبٍ اليوم على القادة والمسؤولين هو العودة إلى تحكيم الشريعة في جميع البلاد وتنحية القوانين الوضعية الجائرة الظالمة التي ذاق منها المسلمون الأمرّين.
إن أرواح الشهداء قد ارتقت إلى ربها في سبيل تحكيم شرعه وقد صبر المسلمون على مآسي التهجير والقتل والتدمير والاعتقال ليأتي اليوم الذي ينعمون فيه بحكم شرع الله الذي لا يظلم أحداً وينال فيه كل ذي حق حقه قال تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:49].
اللهم حكم فينا شرعك وأقم فينا كتابك وأقر أعيننا بسيادة الكتاب والسنة والحمد لله رب العالمين.