إغاظة الكفار في الجهاد |الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد 20 جمادى الآخرة 1442
إغاظة الكفار في الجهاد - الشيخ أبو حمزة الكردي
الشيخ: أبو حمزة الكردي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
* الإغاظة والمراغمة:
هي طريقة وأسلوب من أساليب الحرب التي يمارسها الإنسان مع أعدائه وخصومه، وهي من الأساليب الناجحة في إشعار العدو بالخيبة والهزيمة والفشل، يقول الإمام السعدي رحمه الله: “المراغمة اسم جامع لكل ما يحصل به إغاظة لأعداء الله من قول وفعل”.
قال تعالى: (وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [سورة التوبة: 120]. يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: “(وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ) أي: ينزلون منزلا يرهب عدوهم (وَلا يَنَالُونَ) منه ظفرا وغلبة عليه إلا كتب الله لهم بهذه الأعمال التي ليست داخلة تحت قدرتهم، وإنما هي ناشئة عن أفعالهم، أعمالا صالحة وثوابا جزيلا (إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)”.
ويقول السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: “(وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّار) من الخوض لديارهم والاستيلاء على أوطانهم، (وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا) كالظفر بجيش أو سرية أو الغنيمة لمال (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ) لأن هذه آثار ناشئة عن أعمالهم”.
وقال تبارك اسمه: (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) [سورة الفتح: 29]، يقول القرطبي رحمه الله: “هو مَثَل كما بينا، فالزرع محمد صلى الله عليه وسلم، والشطء أصحابه، كانوا قليلا فكثروا، وضعفاء فقووا، قاله الضحاك وغيره. ليغيظ بهم الكفار اللام متعلقة بمحذوف، أي: فعل الله هذا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ليغيظ بهم الكفار”.
وقال جل وعلا: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) [النساء: 100]، قال السعدي: “فإذا هاجر في سبيل الله تمكن من إقامة دين الله وجهاد أعداء الله ومراغمتهم”.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك” رواه مسلم، ودلالة لفظ “قاهرين لعدوهم” أن مجرد الثبات على القتال كما أمر الله تعالى سيتسبب في إغاظة الكفار وقهرهم فيدب الرعب في صدورهم وتستنزف طاقتهم بالتشتت والخوف والغيظ.
يقول ابن القيم رحمه الله عن إغاظة الكفار: “عبودية خواص العارفين وهي تسمى عبودية المراغمة، ولا ينتبه لها إلا أولو البصائر التامة، ولا شيء أحب إلى الله من مراغمة وليه لعدوه، وإغاظته له..، فمغايظة الكفار غاية محبوبة للرب مطلوبة له، فموافقته فيها من كمال العبودية..، فمن تعبد الله بمراغمة عدوه، فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر، وعلى قدر محبة العبد لربه وموالاته ومعاداته لعدوه يكون نصيبه من هذه المراغمة، ولأجل هذه المراغمة حمد التبختر بين الصفين..، وهذا باب من العبودية لا يعرفه إلا القليل من الناس، ومن ذاق طعمه ولذته بكى على أيامه الأول“.
– وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من السباقين إلى هذه العبادة السامية، بل إن الغزوات والغنائم وهجاء المشركين وإعداد العدة ودعوة العرب للإسلام هي بعض صور إغاضة الكافرين، لذا فإن صور إغاظة الصحابة للكافرين تفوق العد والإحصاء البشري، ولكن نُذكِّر بعدة صور من تلك الإغاظة؛
* فمن إغاظة الصحابة للمشركين:
– كان بلال رضي الله عنه يقاسي شدة الحر تحت الصخر ويرفض أن يرتد عن دينه ويزيد على ذلك بقول: “أحد أحد” مراغمة لأبي جهل وأمية بن خلف.
– أما ابن مسعود رضي الله عنه فيذهب ليقرأ سورة الرحمن على الكفار، فيقوموا إلى ضربه، فيعود لذلك أكثر من مرة.
– ويأبى فاروق الأمة “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه إلا أن يدوي بـ “لا إله إلا الله محمد رسول الله” على رأس الجبل ويعلن هجرته بالطريقة نفسها إرغاما وإغاظة للكفار.
– أما أبو ذر الغفاري فيشمخ إغاظة للكفار بإعلان القرآن في وسط الكفار، ورفع الصوت بشهادة أن “لا إله إلا الله”، فيُضرب حتى يصبح نصباً أحمر من كثرة الدماء المتفجرة من الجراحات الناتجة عن اعتداءات الكفار وضربهم.
– ويوم الحديبية نحر النبي صلى الله عليه وسلم جملا كان لأبي جهل أخذه المسلمون غنيمة يوم بدر ليغيظ به المشركين.
– ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء راكبًا ناقته القصواء، والمسلمون حوله يُشهِرون سيوفهم يحيطون به من كل جانب، كما يحيط السِّوار بالمعصم، إغاظة للكفار.
– وقطع الصحابة نخيل يهود بني النضير لما في قطعها من إغاظة وخزي للكافرين، قال تعالى: (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِين) [الحشر: 5].
* كيف نغيظ الكفار في الجهاد؟
على المجاهد في سبيل الله عز وجل أن يحرص على إغاظة الكفار ومراغمتهم في جهاده، خاصة وأن الجهاد كله إغاظة للعدو..
– فالهجرة للجهاد في سبيل الله تعالى إغاظة لهم..
– وإعداد العدة وتجهيز القوة إغاظة للعدو وإرهاب له..
– والتبختر بين الصفين حين النزال إغاظة وهي «مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللهُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ»..
– واستهداف رؤوس الكفر والإجرام والإضلال إغاظة لهم..
– والإكثار من الغزوات والعمليات والاستهدافات إغاظة..
– وضرب خطوط إمدادهم وطرق سيرهم إغاظة..
– والغلظة عليهم عندما يحمى الوطيس إغاظة.
فيا إخواني المجاهدين: اعلموا أنه كلما دخل الغيظ في قلوب الكافرين دخلت الفرحة والبهجة في قلوب المسلمين فيشف الله بضربات المجاهدين المباركة صدور قوم مؤمنين ويُذهب غيظ قلوبهم؛ فتهنأ الثكلى، ويبتسم اليتيم، ويرضا المصاب، ويستبشر المهجَّر، وتعُم الفرحة ديار المسلمين.
فاللهم اجعلنا من عبادك المجاهدين المراغمين المغيظين لأعدائك على الوجه الصحيح المشروع، الصادقين حقًا قولًا وعملًا، حتى نحقق قولك: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) فنُرزق الهداية (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) إنك ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
لمتابعة بيقة مقالات ⇐ مجلة بلاغ العدد 20 جمادى الآخرة 1442
تابع هنا ⇓
وتتساقط الأصنام – كلمة التحرير
الركن الدعوي
– الشيخ محمد سمير
– بَقِيَّة..
– الشيخ أبو شعيب طلحة المسير
– الشيخ أبو حمزة الكردي
صدى إدلب
إدلب في شهر جمادى الأولى 1442هـ
– أبو جلال الحموي
– أبو محمد الجنوبي
مواقيت الصلاة في إدلب لشهر جمادى الآخرة 1442هـ
كتابات فكرية
– د. أبو عبد الله الشامي
مفوضية نصر الحريري وعدالة بيدرسون التصالحية.. لحظة النضج؟
– الأستاذ حسين أبو عمر
– الأستاذ أبو يحيى الشامي
حماس وإيران؛ وجدلية العلاقة هل هي تقاطع مصالح أم تحالف أم تبعية!
– الأستاذ الزبير أبو معاذ الفلسطيني
– الأستاذ خالد شاكر
الواحة الأدبية
1 – الأستاذ غياث الحلبي