شوارد أبي اليقظان 34) وتنسون أنفسكم

شوارد أبي اليقظان

34) وتنسون أنفسكم:

يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم.
وأراك تلقح بالرشاد عقولنا نصحًا وأنت من الرشاد عديم.

امتلأت وسائل التواصل بأمثال هذه العبارات:
(افتح مصحفك) (استمع إلى هذه الصوتية المهمة) (أنصحكم بمشاهدة هذه الحلقة) (اقرأوا هذا الكتاب النافع) (أكثروا من الصلاة على النبي) (احرصوا على قراءة سورة الكهف يوم الجمعة) (برنامج عبادة مقترح لهذه المناسبة) (انشر على أوسع نطاق)…
ثم تجد من كَتب هذه المنشورات ومن دَون تلك التغريدات لم يفتح مصحفه ولم يسمع الصوتية التي نقلها ولم يشاهد الحلقة التي أوصى بها ولم يقرأ الكتاب الذي نشره ولم يُصل على النبي عليه الصلاة والسلام ولم يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة ولم يطبق شيئا من البرنامج الذي اقترحه…
حتى تحولت تلك المنصات من منابر دعوية إلى ملهاة ومكاثرة وتفاخر، وأصبح الناس ما بين ناشر ومتابع دون عمل وكأننا اكتفينا بالنشر والمتابعة إلا من رحم ربي.

وصفت التقى حتى كأنك ذو تقى وريح الخطايا من ثناياك تسطع.

جاء رجل فقال: يا ابن عباس، إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، قال: “أو بلغت؟” قال: أرجو، قال: “فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله عز وجل فافعل” قال: وما هن؟ قال: “قوله عز وجل: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} [البقرة: 44] أَحْكَمتَ هذه الآية؟” قال: لا، قال: فالحرف الثاني؟ قال: “قوله عز وجل: “{لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: 3] أَحْكَمتَ هذه الآية؟” قال: لا، قال: فالحرف الثالث؟ قال: “قول العبد الصالح شعيب عليه السلام: {ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} [هود: 88] أَحْكَمتَ هذه الآية؟” قال: لا، قال: “فابدأ بنفسك”.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء من أهل الدنيا، كانوا يأمرون الناس بالبر، وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون؟”.

قال حبيب بن عبيد الرحبي: “تعلموا العلم واعقلوه وانتفعوا به، ولا تعلموه لتجملوا به، فإنه يوشك إن طال بكم العمر أن يُتجمل بالعلم كما يتجمل الرجل بثوبه”. وقال أبو قلابة لأيوب: “يا أيوب إذا أحدث الله لك علماً فأحدث لله عبادة ولا تكونن إنما همك أن تحدث به الناس”.

أخي الحبيب:
لا تكن كالمصباح الذي يحرق نفسه ويضيء لغيره، ولا يكن همك التجمل للناس، ولا تتشبع بما لم تعط، فتلبس ثوبي زور؛ ألم تر أن العلم صار مهاناً عند اليهود، فلم يشرفوا به، بل وبخهم الله فقال: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا}.

https://t.me/joinchat/AAAAAFftlQMhFgddASIZ8w

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى