{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} القذافي (1) | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد ٥٨ – شعبان ١٤٤٥ هـ |

الشيخ: محمد سمير

الاستبداد وتركيز السلطات في يد الطاغية فقط:

يبدأ الطاغية طريق الاستبداد بالاعتماد على عدد من مؤيديه يساعدونه على الوصول إلى السلطة مقابل أن يشاركوه في الحكم فإذا وصل أسند إليهم المناصب لثقته بتأييدهم ثم يبدأ بإقصاء كل معارض موكلا إلى شركائه مهمة التخلص منه فإذا فرغ من معارضيه التفت إلى شركائه فإما أن يرضوا بإلغاء شخصياتهم ويتحولوا إلى مصفقين مهمتهم هز الرؤوس عند سماعهم أي كلام من الطاغية وإما أن يكون مصيرهم مصير المعارضين وهذا بالضبط ما فعله القذافي.

“رغم أن القذافي كانت له اليد الطولى في الإعداد للانقلاب والتخطيط له وتنفيذه وأنه قام بتشكيل مجلس قيادة الانقلاب من مجموعة من الضباط الذين يسهل عليه قيادتهم واستعمل ذلك المجلس في تصفية الجيش من الضباط الكبار والضباط المناوئين له سواء بالاعتقال أو الإبعاد من الجيش أو من البلاد بالمرة بحجة الحاجة لهم في السفارات الليبية بالخارج… إلا أنه بعد مدة وبعد انقشاع الخطر الخارجي وإحساس القذافي بالقوة بدأ يهمش دور ضباط قيادة الانقلاب فبدأ بالتقليل من شأنهم وسبهم بأبشع النعوت والقول بأنهم لا يساوون شيئا من دونه وأنه هو الذي أوجدهم… فقرر التخلص منهم… فأعلن ما سماه بالثورة الشعبية والتي من أهم إنجازاتها زعمه تسليم السلطة للشعب وبذلك وضع ذلك المجلس على الرف فلم يعد أي من أعضائه يستطيع أن ينبس ببنت شفة في مواجهة الغوغاء والدهماء الذين أطلق القذافي لهم العنان”[1] وبقي حول القذافي من الذين ارتضوا النفاق والنعيق “عبد السلام جلّود ومصطفى الخروبي والخويلدي وأبو بكر يونس بقي هؤلاء الأعضاء الأربعة إلى جانب قائدهم الأوحد إمام الثوريين والمسلمين وخليفة الزعيم والأمين على القومية العربية والمحرر والمنظر العالمي والمفكر الملهم والمهندس والعميد إلى غير ذلك من الأسماء والألقاب”[2]

“لم يعر القذافي أي التفات لما طُرح من أفكار بناءة ووجهات نظر خلّاقة في الندوة التي عقدها حينها حول شكل العلم ومبادئ الدستور والحريات العامة ومبادئ الديمقراطية وغيرها، وكذلك فيما كانوا يطرحون في منتدياتهم وملتقياتهم ودورهم العلمية وتجمعاتهم الشعبية وفي مجلاتهم وصحفهم وعوضا عن ذلك فقد تم الإصرار على التزام سياسة الرأي الواحد وأصبح الانقلابيون يرددون: أنهم لم يحملوا أرواحهم على أكفهم ويقوموا بثورتهم ليسلموها لحفنة من الثرثارين، بدأت تتركز بيد القذافي لوحده سلسلة من الإجراءات والصلاحيات التي قصد منها تهميش المجلس رغم أن هذا المجلس من اختيار القذافي الخاص وبذلك صار قائدًا للثورة غير منازع وقائدًا للجيش ورئيسًا للاتحاد الاشتراكي ومشرفًا على مجلس الوزراء حتى أن محمود المغربي أول رئيس لمجلس الوزراء في عهد القذافي أوضح فيما بعد بأن مجلس الوزراء لم ينعقد جلسة واحدة دون حضور القذافي وصار يراجع أحكام القضاء ويشكل المحاكم الخاصة”[3]

وبالطبع فإن هذا الاستبداد سيلقى معارضة ورفضًا لذلك يبادر الطاغية إلى وسم معارضيه بألقاب تنفر الناس عنهم ويطلق سيلًا من التهديدات ليزرع الخوف في قلوبهم ويلجئهم إلى الصمت في أقل الأحوال وهذا ما فعله القذافي عندما أعلن ما يسمى “الثورة الشعبية” فقد أعلن خمس نقاط سماها ثورة شعبية ومنها: “تطهير البلاد ممن أسماهم بالمرضى والحزبيين وكان يقصد بهم أولئك الناس الذين يخالفونه الرأي أو الذين لا يعجبون سيادته وقد نسب ذلك التصرف لزميله الرئيس الجزائري (بومدين) الذي نصحه باعتقال المخالفين كما يفعل هو بالجزائر ليتفرغ للبناء والتنمية على حد زعمه”[4]

والطواغيت بعضهم أولياء بعض ولذا تراهم دائما يتواصون بالظلم والعدوان فقد زار حردان التكريتي وزير الدفاع العراقي القذافي وأوصاه أن يدخل كل معارضيه السجون حتى ينسوا أسماءهم[5]

حملة التطهير أدت إلى إقصاء أصحاب الكفاءات والخبرات والمهارات وأصبحت الأماكن التي كانوا يشغلونها شاغرة ويجب ملء الفراغ الذي خلّفه عزلهم، ولا يجد الطاغية عناء تعويض النقص الحاصل إذ إن المعيار لديه للقبول والتقديم هو تمجيد شخصه والإغراق في مدحه والتزلف له، وهذا النمط من المنافقين كثير لذلك تُسند لهم الوظائف والمناصب ولو كانوا أجهل الناس وأعرقهم في الغباء والتخلف[6]

وأصبح هؤلاء الهمج الرعاء الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها أصحاب سلطة ومناصب وكلمة مسموعة “يعبثون في مصير البلاد والعباد لا يسمحون بغير ما يريد قائدهم ويفرضون على الناس ما يريدوه لهم حتى وإن كان ضد ما يريدون فزيفوا إرادة الجماهير ونشروا في البلاد جوًا من الإرهاب والتخويف حتى استساق الناس لأوامر القائد فتضخمت الأنا لديه وأخذه الزهو بنفسه وأصبحت عبادة الشخصية مسلكاً لوسائل إعلامه وأجهزته حتى أنه لا يكاد يذكر أحد باسمه سواه وأخذت صوره الشخصية الضخمة ومقولاته الخالدة تملأ الشوارع والميادين وفي مداخل المدن ومخارجها”[7]

والمستبد دائمًا عدوٌ للعلم والعلماء لذلك يسعى لحربهم وللحيلولة بينهم وبين الناس، ولمنع الناس من الاطلاع على نتاجهم إلا ما وافق هوى الطاغية” فلم يعودوا [أي اللبيين] يتحدثون عن السياسة بالصراحة المعهودة التي كانت قبل تلك الفترة في العهد الملكي، وقد وصل الأمر بأن هناك من يتفاخر بعدم اطلاعه على أي كتاب سياسي أو فكري، بل وتعدى ذلك بأن تخلص الكثيرون مما كانوا يقتنونه من الكتب الثقافية القيمة”[8]

وبعد انقلاب القذافي اتصل بعض أعضاء مجلس الثورة بالشيخ الطاهر الزاوي ــ الذي كان محارَبا من الملك إدريس السنوسي ــ لإعادته إلى مكانته التي يستحقها وتم تعيينه مفتيًا لليبيا وكان القذافي يريد من الشيخ الزاوي أن يكون مرقعًا له ومحرفًا للدين ليكون موافقًا لأهوائه ولكن الشيخ رفض ذلك فبعد أن قام القذافي بتأميم ممتلكات الليبيين أفتى الشيخ الزاوي في التلفاز في برنامجه في رمضان بحرمة اغتصاب أملاك الناس باسم التأميم مما دفع القذافي إلى منعه من الظهور على التلفاز وبعد وفاته ظل منصب المفتي شاغرا فقد خشي القذافي أن يعارض من قبل من يعينه مفتيا ولذلك آثر أن يترك المنصب خاليا[9]

وإذا تمكن معارض من الهروب من البلد الذي يحكمه الطاغية وانتقل إلى بلد آخر لينكر من هناك على الطاغية فساده وإجرامه فإن الطاغية يرسل شبيحته ليقوموا باختطافه ثم يرميه في سجونه السرية كما حصل مع وزير الخارجية والسفير الليبي للأمم المتحدة منصور الكيخيا الذي انضم إلى الحركة المعارضة للقذافي بعد مغادرته ليبيا فأرسل القذافي أقذر عملائه ليختطفوه من مصر سنة 1993م بسيارة ذات لوحات دبلوماسية وظل في السجن السري حتى توفي بعد ثلاث سنوات وعثر على جثته بعد ذلك بزمن طويل عام 2012م [10]

*السجون والمحاكم:

والأقبية المعتمة والمسالخ البشرية لا يستغني عنها طاغية، حيث يبيح لجزاريه فعل ما شاؤوا من التعذيب والتنكيل والاعتداء والقتل ولا يسمح لأحد بمحاسبتهم ومحاكمتهم، وإذا حصل أن تسرب شيء من جرائمهم إلى المجتمع وخشي الطاغية غضبا شعبيا قد يطيح به فإنه يضحي ببعض صغار المجرمين والسجانين ثم يعطي ضوءا أخضر لكبارهم ليثأروا.

“في عام 1970 تم إلقاء القبض على عدد من المواطنين ضمن عدة مجموعات وأصبحت تعرف باسم مؤامرة الأبيار أو مؤامرة سبها المهم أن أولئك المواطنين تعرضوا لأنواع من التعذيب القاصي أودى بحياة أحدهم، وتسبب بإصابة آخرين بعاهات مستديمة وقد فاحت رائحة تلك الجريمة وصار الناس يتحدثون عنها في مجالسهم الأمر الذي أدى إلى ازدياد النقمة بين الناس ولامتصاص النقمة تم تشكيل لجنة تحقيق برئاسة (أ.محمد المقريف)، وبالفعل قام المقريف بزيارة السجن وأجرى تحقيقا حول وقائع التعذيب وخلص إلى أن هناك انتهاكات كبيرة قد حدثت بالسجن وطالب بمحاكمة مرتكبيها وإنزال العقوبة بهم”[11]

ومن ضمن المجرمين الذين ذكرهم المقريف بلقاسم القانقا فطلب من القانقا القيام بتحقيق حول مشاركة المقريف بنشاط ضد القذافي فأكد القانقا ضلوع المقريف الذي اغتيل عام 1972م[12]

ومن لوازم الطاغية إهدار كرامة من يشم منهم رائحة المعارضة أو يتوسم في وجوههم عدم الرضى عن سياسته الاستبدادية وبالتالي فلأجهزة الأمن أن تعتقل المواطنين من بيوتهم بعد اقتحامها ولا حاجة لإذن من النيابة أو القضاء.

“النقطة الثالثة: [في ثورته الشعبية] تعطيل القوانين ليتسنى له حرية العمل دون عراقيل قانونية، حيث استندت الأجهزة إلى هذه النقطة حين كانت تسأل عن الإذن من النيابة العامة من قبل المواطنين الذين كانت تأتي لاعتقالهم، وكذلك أصبح للموالين للقذافي الحرية في التصرف في شؤون الدولة بغض النظر عن القوانين واللوائح المنظمة لعملها”[13]

والتحقيق ليست غايته الوصول إلى الحقيقة وإنما إقرار السجين بما يمليه عليه المحقق، أو يتصوره عنه لينال بناء على ذلك علاوة أو ترفيعًا وإن رفض السجين الإقرار بما يدينه حلت عليه النقمة واستبيحت بشرته ليذوق ألوان العذاب.

“وكان يطلب من الشخص الاعتراف وحين يجيب بماذا أعترف؟ يقال له: أنت تعرف وأمام الرفض يلجؤون لضربه وصعقه بالكهرباء وتهديده بالقتل والنيل من شرفه”[14]

والمحاكم عند القذافي هي للديكور لا أكثر فقانون القضاة الذي يحكمون به هو أهواء القذافي وإن حدث ولم يوافق قضاء القاضي هوى القذافي فالأمر يسير إذ تلغى الأحكام الصادرة وتدفع القضية لقاض آخر بعد أن تملى عليه الأحكام التي يجب عليه أن يصدرها كما جرى في محاكمة موسى الأحمد وآدم الحواز ومن معهما “تم الزج بهم في السجن وحوكموا مرتين المحاكمة الأولى برئاسة محمد نجم وكان قريبا من المتهمين، وربما كانت تدور حوله الشبهات بعلمه بتخطيطهم، ولم ترق أحكامه التي أصدرها عليهم للقذافي فكلف سليمان شعيب برئاسة محكمة ثانية أصدرت أحكاما أعدت سلفاً تقضي بإعدام موسى الأحمد وآدم الحواز وعمر الواحدي وعبد الونيس محمود وبلقاسم الرابطي وكذلك حكمت بالسجن المؤبد وبمدد طويلة على الباقين”[15] وزيادة في المهزلة “فقد حوكم المتهمون بموجب قرار حماية الثورة الذي أصدر عقب اعتقالهم”[16]

وهاك مثالًا آخر: “احتدمت معركة مهمة بين القضاء والقذافي حول قضية المعتقلين في أحداث ما يسمى الثورة الشعبية حيث تم إبلاغ القذافي أن القضاة سيحكمون بإخلاء سبيل المعتقلين جميعًا في حال عرض القضية عليهم وذلك لعدم توفر الأدلة وبطلان القبض والتحقيقات وقد خطب القذافي وقال: إنه سيعيد من يفرج عنه لتأكده من إدانة الجميع على حد زعمه”[17] إلا أن بجهود بعض الوزراء والعسكريين والمحامين تم إقناع القذافي بالإفراج عنهم فتم الإفراج عنهم وحين توجه السجناء إلى المطار ليعودوا إلى مدنهم تم اعتقالهم مجددا وعندما احتجوا بالإفراج القضائي أجابهم الضابط بأن القضاة سيتم اعتقالهم أيضا[18] “وعاد القذافي لنغمته السابقة من أنه متأكد من أننا مرضى وسيبقينا في السجن ليتفرغ لبناء بلده فهو ليس (فاضيا) لنا وتعرض للقضاة وقال: إنهم يطلبون إجراءات وقوانين (وناسين) أننا ألغينا القوانين لهذا السبب”[19]

 

*مهزلة الكتاب الأخضر:

وأما الكتاب الأخضر فقد جمع فيه القذافي بين التبجح والكذب والكبر والتعالي وبين السخف والاستخفاف والمهازل.

فمن اللون الأول رفضه الديمقراطية[20] لأنها تعني حكم الأغلبية مهما كانت نسبة المعارضة كبيرة ولو بلغت تسعة وأربعين في المائة.

“إن الصراع السياسي الذي يسفر عن فوز مرشح ما بنسبة 51% مثلا من مجموع أصوات الناخبين تكون نتيجته أداة حكم دكتاتورية، ولكن في ثوب ديمقراطي مزيف حيث أن 49% من الناخبين تحكمهم أداة حكم لم ينتخبوها بل فرضت عليهم”[21]

ويَعجب القارئ من وقاحة القذافي وكأن الشعب بأسره كان محبًا للقذافي راضيًا بحكمه حريصًا إليه.

ومن هذا اللون أيضًا تشنيعه على رقابة المجالس النيابة المراقبة والتي تكون من الحزب الحاكم ذاته.

“أما الرقيب الشرعي وفق هذه الديمقراطية الحديثة فهو المجلس النيابي الذي غالبيته هم أعضاء الحزب الحاكم أي الرقابة من حزب السلطة، والسلطة من حزب الرقابة هكذا يتضح التدجيل والتزييف وبطلان النظريات السياسية السائدة في العالم اليوم”[22] ولا شك أن كلام القذافي هنا صحيح ولكن البديل عن هذا من الناحية العملية هو الاستبداد التام المطلق وإلغاء الرقابة تمامًا وقتل أو خطف وتعذيب من يجرؤ على المطالبة بشيء من الحقوق أو الاعتراض على شيء من المظالم والمفاسد المنتشرة في كل مكان ومع ذلك لا يستحيي أن يقول: “ولم يبق أمام الجماهير إلا الكفاح للقضاء على كافة أشكال الحكم الديكتاتورية السائدة في العالم الآن”[23] ولما قامت المظاهرات السلمية الرافضة لدكتاتورية القذافي واستبداده قام بقصفها بالطائرات وواجه الشعب الأعزل بالنار والحديد.

وإذا أردت شيئًا من التكبر والتعالي والتبجح الذي لا نظير له فإليك ما قاله في كتابه الأخضر: “إن الكتاب الأخضر يقدم الحل النهائي لمشكلة أداة الحكم، ويرسم الطريق أمام الشعوب لتعبر عصر الدكتاتورية إلى عصور الديمقراطية الحقيقية”[24] ويجمع العقلاء أن أسوأ حقبة عاشتها ليبيا منذ فجر التاريخ إلى يوم الناس هذا هي المدة التي حكم فيها القذافي وطبق فيها نظرياته الخرقاء على الشعب المسكين.

ومع أنه سرق ثروات ليبيا ونهب خيراتها وسخرها لخدمة أمراضه النفسية وساديته وشهواته السافلة إلا أنه وبغرور كبير يقول: “إن الادخار الزائد عن الحاجة هو حاجة إنسان آخر من ثروة المجتمع”[25] ويقول: “إن ما وراء إشباع الحاجات فهو يبقى أخيرًا ملكا لكل أفراد المجتمع، أما الأفراد فلهم أن يدخروا ما يشاؤون من حاجاتهم فقط، إذ الاكتناز فوق الحاجات هو تَعَدٍّ على ثروة عامة”[26]

ومع أنه استعبد اللبيبين واسترقهم وعاملهم أسوأ معاملة واغتصبهم حقوقهم لا يرف له جفن هو يسطر: “إن العمل مقابل أجرة إضافة على كونه عبودية للإنسان كما أسلفنا هو عمل بدون بواعث العمل لأن المنتج فيه أجير وليس شريكا”[27] ويقول: ” خدم المنازل سواء أكانوا بأجر أم بدونه هم إحدى حالات الرقيق بل هم رقيق العصر الحديث”[28]

ومع أن اغتصاب الفتيات وخطفهن من بيت أهاليهن لذلك كان أمرًا مستمرًا إلا أنه وبكل صفاقة يقول: “فلا يجوز لأي واحد منهما أن يتزوج الآخر رغم إرادته، أو يطلقه دون محاكمة عادلة تؤيده أو دون اتفاق إرادتي الرجل والمرأة بدون محاكمة”[29]

وأما اللون الثاني أعني السخف والغباء والمهازل فهي كثيرة جدًا في الكتاب وهذا ما يجعلنا أن الكتاب من تأليف القذافي فعلًا ومن نتاجه دون استعانة بأحد.

وخذ مثالًا على ذلك قوله: “المرأة إنسان والرجل إنسان ليس في ذلك خلاف ولا شك”[30] وهذه حقيقة علمية مبهرة لا نعلم على وجه التحقيق كم استغرقت من وقت القذافي حتى تمكن من الوصول إليها واكتشافها.

ويقول: “فالمرأة تأكل وتشرب كما يأكل الرجل ويشرب والمرأة تكره وتحب كما يكره الرجل ويحب والمرأة تفكر وتتعلم وتفهم كما يفكر الرجل ويتعلم ويفهم والمرأة تحتاج إلى المأوى والملبس والمركوب كما يحتاج الرجل إلى ذلك والمرأة تجوع وتعطش كما يجوع الرجل ويعطش والمرأة تحيا وتموت كما يحيا الرجل ويموت”[31] ولا نملك سوى أن نقف فاغري الأفواه أمام هذه العبقرية التي قادت القذافي إلى استنباط هذه الحقائق العميقة التي يحار أمامها أساطين الفكر وعمالقة الفلاسفة خاصة عندما يفجؤهم القذافي بأسئلته: “ولكن لماذا الرجل رجل ولماذا المرأة امرأة؟ ثم ما الفرق بين الرجال والنساء أي بين الرجل والمرأة”[32] وهذه الأسئلة تحتاج إلى كثير من التأمل والتدقيق لخفاء أجوبتها وعسرها.

ولا شك أن القارئ في شوق إلى المزيد من تحقيقات العقيد القذافي وكشوفاته فريدة فإليك هذا: “المرأة أنثى والرجل ذكر والمرأة طبقًا لذلك يقول طبيب أمراض النساء: إنها تحيض أو تمرض كل شهر والرجل لا يحيض لكونه ذكرا، والمرأة إن لم تحض تحمل، وعندما تضع أو تجهض فإنها تصاب بمرض النفاس… والرجل لا يحمل… والمرأة بعد ذلك ترضع ما كانت تحمله… والرجل لا يحمل ولا يرضع”[33] وظني أن القارئ وهو يقرأ هذا الكلام يقرأ وينفث حتى لا يصاب القذافي بالحسد أو (تطرقه) عين تودي بعمق فكره ودقه تحليله وسعة علمه وجمال أسلوبه.

وهذا الغثاء المسمى بالكتاب الأخضر كان المنافقون يعظمونه ويقدسونه لينالوا الحظوة عن المجنون القذافي حتى أن أحد المنافقين قال للقذافي: “إن الكتاب الأخضر يجب أن يحفر على ألواح معدنية ثم يدفن في عمق الصحراء حتى إذا وقع زلزال أو حرب نووية ودمرت البشرية يظل الكتاب الأخضر إرثًا للأجيال التي ستأتي بعد ذلك”[34]

والحديث عن القذافي وجنونه وعظمته الزائفة وجرائمه يحتاج إلى كلام طويل غير أننا نكتفي بهذا القدر ونكمل في اللقاء القادم إن شاء الله.

[1] بين الألم والأمل (ص196)

[2] المصدر السابق (197)

[3]   بين الألم والأمل، مذكرات عمر المختار الوافي، جمع وترتيب: محمد الهاشمي، منشورات موقع ليبيا المستقبل، 2017م (ص119)

[4] بين الألم والأمل (ص128)

[5] جماهيرية الرعب (ص62)

[6] انظر: بين الألم والأمل (ص130)

[7] بين الألم والأمل (ص198)

[8] بين الألم والأمل (ص123)

[9] انظر: جماهيرية الرعب، حسن صبرا (ص48)

[10] انظر: ىبين الألم والأمل (ص185) وترجمته في ويكيبيديا

[11] بين الألم والأمل (ص124)

[12] انظر: المصدر السابق (125)

[13] بين الألم والأمل (ص129)

[14] بين الألم والأمل (س168)

[15] بين الألم والأمل (ص117)

[16] المصدر السابق نفسه

[17] المصدر السابق (ص185)

[18] بين الألم والأمل (س187)

[19] المصدر السابق (ص188)

[20] ونحن نرفضها لأنها مناقضة لشريعة الله

[21] الكتاب الأخضر، معمر القذافي، (ص6) وما بعدها

[22] الكتاب الأخضر (ص24)

[23] المصدر السابق (ص47)

[24] الكتاب الأخضر (ص41)

[25] الكتاب الأخضر (ص95)

[26] المصدر السابق (103)

[27] الكتاب الأخضر (ص96)

[28] المصدر السابق (ص111)

[29] الكتاب الأخضر (ص159)

[30] الكتاب الأخضر (ص147)

[31] الكتاب الأخضر (ص147 وما بعدها)

[32] المصدر السابق (ص148)

[33] المصدر السابق (ص150)

[34] جماهيرية الرعب (ص285)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى