حافظ الأسد ومجزرة تل الزعتر || الركن الدعوي ||مجلة بلاغ العدد الثالث والعشرون

الشيخ: محمد سمير

الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.. وبعد؛

فلا زال حديثنا عن جرائم الهالك المقبور حافظ الأسد، هذه الجرائم المنتنة التي لو مزجت بسبعة أبحر لأحالتها قذرا ونتنا، فلا يوجد باب من أبواب الغدر والخيانة إلا سلكه حافظ اللعين، ولا يوجد درب من دروب خدمة أعداء الله وضرب المسلمين إلا ووطأته قدماه.

وحديثنا اليوم عن جرائمه بحق المسلمين الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر في لبنان؛ فقد كان الحقد الصليبي يغلي في قلوب الموارنة النصارى فيقومون بعمليات خطف وسلب وقتل للفلسطينيين، وقد تطور الأمر ليصبح مجزرة مشينة همجية، يقول باتريك سل في كتابه الأسد الصراع على الشرق الأوسط: “غير أن قتل مائتين من المدنيين المسلمين الذين جمعهم رجال المليشيات المسيحية في 6 / ديسمبر كانون الأول / سنة 1975 وذبحوهم في بيروت لمجرد كونهم مسلمين وصل بالوحشية إلى حضيض جديد بدا أنه قد قضى على أي أمل بالمصالحة” ص449.

فكان لا بد للمسلمين أن يتحركوا ويدافعوا عن إخوانهم بغض النظر عن الانتماء القطري خاصة أن الموارنة كانوا يتلقون دعما من اليهود ليقتلوا الفلسطينيين.

يقول سل: “وفي آذار سنة 1976 جاءت الضربة القاضية للدولة اللبنانية وهي تفتت الجيش وانقسامه إلى مكوناته الطائفية؛ حيث تمرد الضباط المسلمون لصالح اليسار بينما اتجه الضباط المسيحيون إلى الكتائب، وبمساعدة المتمردين انطلقت الحركة الوطنية للهجوم فطردت القوات المسيحية من وسط مدينة بيروت، وقصفت القصر الجمهوري، وجعلت سليمان فرنجية يهرب منه للنجاة بحياته، ثم بدأت بعد ذلك تتحرك ضد جبال المسيحيين، فحشر الموارنة في لبنان الصغير الذي مركزه الرئيسي ميناء جونية” ص450.

وضاق صدر المجرم حين رأى المسلمين ينتصفون من قتلتهم وجلاديهم، ولكنه كان يخشى أن يفهم اليهود أن في ذلك تهديدا، لذلك تربص حتى أخذ الضوء الأخضر من أسياده الأمريكيين، يقول سل: “خطر لكيسنجر أن السياسة الصحيحة لم تكن بالتأكيد تخويف الأسد من الدخول، بل تخويفه من عدم الدخول، وبدلا من أن يقال له: إذا دخلت فسوف تدخل إسرائيل، فإن الرسالة الأكثر دهاء هي أن يقال له: إذا لم تدخل فإن إسرائيل ستدخل بالتأكيد” ص452.

فأنت ترى أن أمريكا رأت أن حافظ الأسد أسوأ من اليهود أنفسهم، وأن ما سيرتكبه من مجازر وجرائم يترفع عن بعضها اليهود وسيحقق غايات لأعداء المسلمين لم يكونوا يحلمون ببعضها.

يقول سل: “إن الفوائد لأميركا وإسرائيل يمكن أن تكون عظيمة حقا؛ فالفلسطينيون سيتم قهرهم وضبطهم، واليسار سوف يتم احتواؤه، وموسكو ستصاب بخيبة أمل، والأسد سيتلوث وتنسف مكانه بسبب فعلة شنعاء في نظر العرب” ص452 – 453.

وكان على كسينجر أن يقنع اليهود بأن حافظا سيكون قطا أليفا معهم وأسدا هصورا على الفلسطينيين، ولذلك لا داعي للقلق من دخول الجيش السوري لبنان.

يقول سل: “غير أن كسينجر في هذه المناسبة أيضا جادل بأنه هو أفضل من يعرف صالح إسرائيل، فحصل على تأييد غير متوقع من رئيس الأركان مردخاي غور ورئيس المخابرات العسكرية شلومو غازيت اللذين أكدا بأن دخول القوات السورية إلى لبنان سيضعف الجيش السوري بالفعل ويبعد اهتمامه عن مرتفعات الجولان، وقد تم إقناع رابين بذلك في آخر الأمر” ص453.

وحتى يطمئن اليهود أكثر فقد وافق الأسد على جلب الأسلحة التي لا تشكل خطرا على اليهود بل تقتصر وظيفتها على الفتك بالمسلمين، يقول سل: “وبالطبع جعل الإسرائيليون قبولهم مشروطا بأن لا تجلب القوات السورية معها صواريخ سام إلى الجنوب من طريق دمشق بيروت، وأصرت إسرائيل أيضا على أن يكون الانتشار السوري في البحر والجو محددا. وهكذا صار بإمكان سوريا أن تتحرك ضد الفلسطينيين في لبنان مع الفهم بأن إسرائيل لن تتدخل” ص453 – 454.

وبعد اطمئنان الأسد إلى رضى أسياده من الأمريكيين واليهود درج بقواته لمناصرة المجرمين الموارنة، يقول سل: “أرسل الأسد جيشا إلى لبنان ليعلم الفلسطينيين التعقل وليبقى المسيحيين عربا [سمج من سل] ففي ليلة 31 / أيار 1 / حزيران عام 1976 عبرت الطوابير السورية المدرعة الحدود بقوة، وعلى الفور فكت حصار الفلسطينيين اليساريين عن المعاقل المسيحية ولا سيما مدينة زحلة الهامة في وادي البقاع” ص459.

ويقول: “ولكن عندما رفضت القيادة الفلسطينية إنذاراته أرسل المدفعية والطيران لدعم تحرك قواته أعمق فأعمق في لبنان، ووقعت اشتباكات حادة على طريق بيروت دمشق وفي ميناء صيدا في الجنوب وحوله، وفي أرض فتح على سفوح جبل الشيخ، وحول ميناء طرابلس في الشمال، وفي أواخر حزيران كانت القوات السورية تحاصر المعاقل الفلسطينية واليسارية وخطوط إمدادها وتموينها في البر والبحر، وتسيطر على نحو ثلثي البلد ما عدا القطاع الساحلي الآهل بالسكان” ص460.

ويقول: “جعل التدخل السوري الفلسطينيين واليساريين يتخذون موقف الدفاع، وغيَّر مجرى الحرب الأهلية ومكن المسيحيين من التحول إلى الهجوم وخصوصا ضد الجيوب المعادية في أراضيهم، ولا سيما ضد مخيم تل الزعتر الكبير واسع الامتداد في ضواحي بيروت الشرقية، فحاصروه وكان هذا المكان الفقير المهترئ يقطنه ثلاثون ألفا من اللاجئين الفلسطينيين والشيعة، فسقط آخر الأمر في 12 / 8 / 1976 بعد اثنين وخمسين يوما من الحصار الوحشي الشديد، وقد مات فيه حوالي ثلاثة آلاف مدني معظمهم ذبحوا بعد سقوط المخيم في أيدي النمور جيش كميل شمعون بقيادة ولده داني” ص461.

وقد كان سرور اليهود عظيما بجرائم خادمهم المطيع، حتى إن رئيس الوزراء اليهودي لم يستطع أن يكتم ابتهاجه بفعل الهالك حافظ فصرخ قائلا: “إن إسرائيل لا تجد سببا يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان، فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين، وتدخلنا عندئذ سيكون بمثابة تقديم المساعدة للفلسطينيين، ويجب علينا ألا نزعج القوات السورية أثناء قتالها للفلسطينيين، فهي تقوم بمهمة لا تخفى نتائجها الحسنة بالنسبة لنا”. مأساة المخيمات الفلسطينية في لبنان، للشيخ محمد سرور زين العابدين ص173.

وقال أيضا: “إن على إسرائيل أن تظل في موقف المراقب حتى لو غزت القوات السورية بيروت واخترقت الخط الأحمر؛ لأن غزو القوات السورية للبنان ليس عملا موجها ضد أمن إسرائيل” المصدر السابق ص173.

وقد نقل الناجون من المجزرة صورا فظيعة تنم عن وحشية تترية يعز نظيرها، وقد ذكر بعض الشهادات الشيخ محمد سرور في كتابه الآنف الذكر، ونسوق هنا بعضا منها:

“شهادة جان هوفليفر: عندما دخلنا المخيم شاهدنا العديد من النساء والأطفال والعجزة مصابين بالغرغرينا والكزاز كما شاهدنا أطفالا كثيرين فقدوا الحياة بسبب عدم وجود المياه”.

“شهادة الدكتور يوسف العراقي: ارتكب الأعداء جريمة بشعة بحق البعثة الطبية؛ حيث أعدموا كل الذكور من الممرضين رميا بالرصاص في حين فقدت اثنتان من الأخوات الممرضات ولم يعرف مصيرهن” ص70.

“شهادة جميلة محمد العينا: عند حواجز الخروج تقدم شاب فاشيستي من امرأة تحمل ابنها الرضيع وأمرها بقطع رأسه، ناولها الخنجر فابتل وجهها بالدموع وصارت عيونها كمرجل من الغضب، لكنه لم يتراجع وظل السكين يرتعش داخل يد الأم ويصفر لونها حتى سقطت ميتة، فأطلق النار على الطفل وأوقف صراخه، ولم ينته الفاشي من جريمته حتى مرت طفلة عمرها ثماني سنوات وكانت تسير بجوار أمها، فادعى أنها تحملق به كالمقاتلين وقام بقتلها” ص72.

“شهادة مريم رضوان عمر: ذبحوا زوجي أمام عيني، وذبحوا أولادي الثلاثة، قلت لهم: إني سورية ولست فلسطينية أو لبنانية، ولكنهم لم يتراجعوا” ص75.

والشهادات كثيرة مؤلمة، فمن أراد الاستزادة فليراجع الكتاب المذكور، ولنكتف بهذا القدر في هذا المقال، وإلى مقال قادم نتحدث فيه عن جريمة جديدة من جرائم الهالك حافظ الأسد لعنه الله.

والحمد لله رب العالمين.

 

حافظ الأسد ومجزرة تل الزعتر || الركن الدعوي ||مجلة بلاغ العدد الثالث والعشرون
حافظ الأسد ومجزرة تل الزعتر || الركن الدعوي ||مجلة بلاغ العدد الثالث والعشرون

حافظ الأسد ومجزرة تل الزعتر || الركن الدعوي ||مجلة بلاغ العدد الثالث والعشرون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى