الوفاء خلق الأنبياء – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد الثالث والثلاثون رجب ١٤٤٣ هـ
مجلة بلاغ العدد الثالث والثلاثون رجب ١٤٤٣ هجرية – شباط ٢٠٢٢ ميلادي
جمع وترتيب الشيخ: رامز أبو المجد الشامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
قال الله سبحانه وتعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
وقال تعالى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ).
وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ).
* يقول مكرز وهو يومئذ مشرك لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “يا محمد ما عرفت صغيرا ولا كبيرا بالغدر..، هذا الذي تعرف به، البر والوفاء“.
* ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: “ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي فأخذنا كفار قريش، وقالوا: إنكم تريدون محمدا، قلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخبرناه الخبر، فقال صلى الله عليه وسلم: ((انصرفا، نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم)).
* أخرج الإمام أحمد -رحمه الله- وصححه الألباني، عن عائشة -رضي الله عنها- ما مختصره: اشترى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من رجل من الأعراب جزورا بوسق من تمر العجوة، ورجع به النبي -صلى الله عليه وسلم- ليعطيه حقه، التمس التمر له فلم يجده، فخرج وقال: ((يا عبد الله، التمسنا التمر فلم نجده))، فقال الأعرابي: واغدراه واغدراه! فنهنه الناس وانتهروه، وقالوا: قاتلك الله! أتُغدِّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله: ((دعوه؛ إن لصاحب الحق مقالا))، فلما رآه لا يفقه عنه، قال لرجل من أصحابه: ((اذهب لخولة بنت حكيم وأوفه الذي له))، فأوفاه حقه كاملا، فزال غضبه وتغيرت لهجته، وأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: جزاك الله خيرا؛ فقد أوفيت وأطيبت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أولئك خير عباد الله الموفون المطيبون))، وهو خيرهم صلى الله عليه وسلم .
* جاء في السير بسند حسنه ابن حجر -رحمه الله- لما فتح الله مكة لرسوله، ونزل بها واطمأن الناس خرج فطاف بالبيت، ثم دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة، فدخل فيها وصلى ركعتين ثم جلس، فقام علي -رضي الله عنه وأرضاه- وقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية، صلى الله عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أين عثمان بن طلحة؟)) فدعي له، فقال: ((هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء)).
* هذه بعض صور وفائه صلى الله عليه وسلم، وعندما نذكر الوفاء نريد الحديث عنه بمعناه العام الشامل الواسع الذي يستوعب تفاصيل الدين والدنيا وبه يسعد الإنسان سعادة لا شقاء بعدها بإذن الله.
– وأول درجات الوفاء وأولاه وأفضله وأعلاه: الوفاء مع الله سبحانه وتعالى بصدق العبودية بين يديه، وفاء مع الله بتوحيده في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وتوحيده سبحانه وتعالى بالحاكمية وأن لا ينازعه فيها أحد..
– ثم وفاء مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم باتباع هديه الظاهر والباطن ونشر سيرته وقول حديثه واقتفاء أثره والاستنان بسنته صلى الله عليه وسلم..
– ووفاء مع القرآن الكريم بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وتدبره، وتعلم تفسيره، والتخلق به، والعمل به، وجعله دستور حياة.
– ثم الوفاء مع الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وخص منهم آل البيت والسابقين الأولين وأمهات المؤمنين، بالسير على هداهم، فهم حملة الدين، ومَن فهمه عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولهم الفصل إذا اختلفت الأمة من بعدهم…
– والوفاء للجهاد في سبيل الله وللراية التي رفعت في الشام وفي غيرها من الساحات، والعمل على استمرار مقارعة الأعداء بكل السبل حتى ننال إحدى الحسنيين بإذن الله، سائلين الله أن يستخدمنا ولا يستبدلنا..
* فالوفاء خلق عظيم وصفة مباركة يتوجب على كل مسلم التخلق والاتصاف بها ليرتقي في سلم المحامد ودرجات الفضيلة، وكلما زاد الوفاء في جيل من الأجيال كان ذلك دليلا على صفة الإيمان لذلك الجيل والعكس بالعكس، ففي الحديث: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا))، ومنها ((وإذا عاهد غدر)).
سائلين الله أن يجعلنا من أهل الوفاء، ونعوذ بالله من الخيانة وأهلها أو أن نكون في عداد الخونة لله وللرسول وللإسلام والمسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٣٣ رجب ١٤٤٣ هـ