{وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ} مجلة بلاغ العدد ٧١ – شوال ١٤٤٦ هـ

باحث

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:

أورد الله عز وجل مادة (الهوى) في القرآن الكريم في ثمانية وثلاثين موضعاً، وأكثر هذه المواضع جاءت في السور المكية، وقد جاءت في سياق الذم، قال تعالى:

{فَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلۡهَوَىٰۤ أَن تَعۡدلوا} [النساء:135].

{وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَیُضِلَّكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ} [ص:26].

{وَلَوۡ شِئۡنَا لَرَفَعۡنَـٰهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُۥۤ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ} [الأعراف:173].

{وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطًا} [الكهف:28].

{فَلَا یَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا یُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ} [طه:16].

{أَرَءَیۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَیۡهِ وَكِیلًا} [الفرقان:43].

{أَفَرَءَیۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمࣲ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَـٰوَةࣰ فَمَن یَهۡدِیهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُون} [الجاثية:23]، وغيرها الكثير من الآيات.

والهوى في معناه اللغوي: ميل النفس وانحرافها نحو الشيء، ويأتي بمعنى الهبوط من علو، فالعاشق الذي مالت نفسه سقط في شباكها.

وفي الاصطلاح عرفه الجرجاني بقوله: “ميلان النفس إلى ما تستلذه من الشهوات من غير داعية الشرع”، وعرفه ابن الجوزي: “ميل الطبع إلى ما يلائمه”، وقد أورد ابن القيم هذا التعريف بنصّه في كتابه روضة المحبين.

وفي القرآن الكريم حمل (الهوى) أكثر من معنى، كالهلاك والسقوط والشهوة وميل النفس… إلخ، وإليك بعض الإشارات على مصطلح الهوى في القرآن الكريم:

أولاً: أكثر السور التي أوردت مادة (الهوى) مكية، وهذا يشير إلى أن توطين الإيمان في القلوب وترسيخ قواعده في بداية الدعوة لا بدّ له من دفع هوى النفس، فإن الهوى يشكل حجاباً يحول دون وصول الإيمان إلى القلوب، إضافة إلى أن المجتمع المكي خضع للمشركين الذين لم يحتكموا لشرع الله، إنما تحاكموا لأهوائهم وشهواتهم، فاحتاج الأمر إلى بيان خطورة الهوى في أكثر من موضع، وأن التشريع لا يخضع له.

ثانياً: ورود الكثير من النصوص التي تذمّ الهوى دون تقييد، منها: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: “ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمّه”، وعن ابن جريج قال: “كلّ هوى ضلالة”، ولكن عند التحقيق فإن الهوى قد يأتي بمعنى محمود حسن.

ثالثاً: اتباع الهوى درجات أعلاها الشرك بالله، ومن أدناها مداهنة الكافرين وملاينة المشركين القول والفعل.

رابعاً: أمور العقيدة والتشريع لا تخضع للأهواء، وثمّة فرقٌ كبيرٌ بين أصحاب العقيدة والثوابت والمبادئ وبين أصحاب الأهواء، لذلك كثرت الآيات التي تأمر النبي صلى الله عليه وسلّم بالمفاصلة التامة مع أصحاب الأهواء {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة:49].

خامساً: يلاحَظ أن خطاب المفاصلة والتبري من أصحاب الأهواء غالبه للقائد العام للمسلمين – النبي صلى الله عليه وسلّم – وهذا يدلّ على ضرورة استقامة قادة الأمة، فإذا سقط القائد في فخّ الهوى فقد هوى وانتهى وفنيت معه الرعية.

سادساً: دفع الهوى بحاجة إلى مجاهدة عظيمة، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ} [النازعات:41-40]، قال الأصفهاني: “فإنه لم يعن أن يقول لنفسه لا تفعلي كذا، بل أراد قمعها عن شهوتها، ودفعها عما نزعت إليه وهمت به”.

سابعاً: جزاء اتباع الهوى السقوط، فقوم لوط لمّا تمادوا في اتباع أهوائهم أهواهم الله تعالى وقلب ديارهم رأسا على عقب: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ} [النجم:53].

خاتمة؛ إنّ النصر الذي أكرم الله عز وجلّ أهل الشام به يحتاج إلى صبرٍ ومصابرةٍ وجهادٍ ومجاهدةٍ، فإن أبواب الدنيا فتحت على مصراعيها، واختلاط المجاهدين بأصحاب الأهواء نذيرٌ خطير، فاحذر أخي المجاهد أن تكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تنساق وراء الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب، هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٧١ – شوال ١٤٤٦ هـ

لتحميل نسختك من مجلة بلاغ  اضغط هنا  أو قم بزيارة قناتنا على تطبيق التليجرام بالضغط هنا 

Exit mobile version