الآنسة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
في خضم ما نمر به من أحداث وابتلاءات وما نراه من جثوم الباطل على الصدور كعقبة كأداء ونحن ندور في دوامة تدير الرؤوس ومحنٍ تجعل الحليم حيران نقلب وجهنا في السماء وروحنا تنادي لم هذه الحال؟ المحن تزداد والباطل منتفش لا يردعه شيء عن غيه وبطشه وضلاله.. ألسنا على الحق؟ فلماذا كل هذا؟ لماذا لا ينصرنا الله؟!! لماذا لا ينصرنا الله؟!!
إليك الإجابة:
إن الأمر الذي تحملينه عظيم وإن المطلب الذي تسعين إليه كبير، إنه أمانة خلافة الله في الأرض، فهل أنت أهل لهذه الأمانة؟
إن الأمر كبير وخطير لكنه يسير على من يسره الله عليه بعد أن خالف هواه ومشى على الصراط المستقيم.
يقول محمد قطب رحمه الله في كتابه واقعنا المعاصر:
“إن الانحراف الضخم الذي وقعت فيه الأمة حتى أصبح الإسلام غريبًا كما كان غريبًا أول مرة، يحتاج إلى جهدٍ ضخمٍ وزمنٍ غير قصيرٍ حتى تعود الأمة إلى الصراط السوي، أو حتى تعود منها فئةٌ تحتمل الصراع مع القوة العالمية المعادية للإسلام، حتى يمدها الله بالنصر، ويُمَكِّن لها في الأرض”.
فما صفاتها لكي يمدها الله بالنصر؟ إنه يبين صفاتها بما يلي:
1 – ذات إيمان قوي: فالعقيدة الصحيحة الراسخة أساس الثبات والنصر.
2 – صدق في العزيمة: فالأمر قد يحتاج لأن أعيش حياتي كلها له، ولا يعني هذا أن أتخلى عن مهماتي في الحياة بزعم أنني مجاهدة، وإنما أن يكون هدفي في كل عمل هو نصرة دين الله لا أن تكون تصرفاتي وأخلاقي ومعاملتي خنجرًا جديدًا أغرزه في صدر الإسلام.
الكثيرات يظنون أن الالتزام هو حفظ القرآن أو المتون أو شهادة شرعية أو الدخول في سلك العمل الإسلامي.
ثم بعد ذلك لا يهم طريقة تعاملي مع من تربطني بهم العلاقات الاجتماعية، فالوالدان يلقون منها أسوأ التعامل ويتجرعان المر وهي لا تشعر أبدًا أن هذه ليست أخلاق المؤمنة المجاهدة، ثم تنتظر النصر والفتح على يديها!!!!
فمثلًا تعالي لنرى بعض الأخلاق في المعاملة مع من تربطنا بهم علاقات اجتماعية، يسألنا الله عنها ويبعد عنا تأييده إن ظلمنا بها..
إن معاملة المؤمنة المجاهدة مع والديها باختصار يجب أن تكون على النحو التالي:
طاعتهما وصحبتهما والإحسان لهما والتودد إليهما والمحافظة على كرامتهما والابتعاد عن عقوقهما وإدخال السرور عليهما والدعاء لهما من القلب، فتأملي وانظري أين أنت من ذلك؟؟
وكذلك أم الزوج يجب مراقبة الله في التعامل معها فأنت ذات الدين التي في الأغلب اختارتك لدينك فلا تجعليها تندم لأنها فضلت ذات الدين على ميزات لدى غيرك، فيسألك الله عن هذه الأمانة.! فتصرفاتك رسائل دعوية لمن حولك، فأحسني إرسال الرسائل واحتسبي الأجر عند الله، وذلك لأن لأمّ الزوج حقًّا على الزوجة في الإسلام، -الذي تحملين رأيه وتجاهدين في سبيل تمكينه- وينبثق هذا الحقّ من حقّ زوجك عليك بحُسن العشرة، ومن حُسن العشرة الزوجيّة أن تُكرم الزوجة أهل زوجها، فتقوم باستضافتهم، وتبتسم في وجوههم، وتكرمهم؛ فإنّ في ذلك إعانةً لزوجها على برّ أهله، وتتقي الله فيهم، وإنّ رفضَ الزوجة لهذا النوع من الإكرام أمرٌ ذميمٌ، ولا يصدر في العادة من الزوجة صاحبة الدين والخُلق والمروءة، ويُظهِر هذا النوع من السلوك إساءةً للزوج وعشرته أمام الله عز وجل.
ولا تبعدي أبناءك عن أهل أبيهم وتحرميهم من قربهم فذلك يجرح قلبهم ويؤلمهم فاحذري من ذلك وهذا اختبار لك والأجر عظيم والأرباح فيه كبيرة، وكذلك كوني خير أم تعين أبناءها على برهم وتأخذ بيدهم لجنة عرضها السماوات والأرض ولمقعد صدق عند مليك مقتدر.
إن أهم خطوة مطلوبة في تربية الأبناء هي أن تكون الأم دافئةً حنونةً مستمعةً، وفي الوقت نفسه محاورةً ومنطقيةً تعرف كيف تمزج بين السلطة والتسامح، فلا يجوز أن تكون قاضيةً في كل وقت فلا يمر يومٌ على الطفل دون عقاب، ولا يجوز أيضاً أن تكون متساهلةً ومتسامحةً لدرجةٍ مبالغٍ فيها لأن التربية أمانةٌ نُسأل عنها يوم القيامة.
أما معاملة الزوج فإن خير طريقةٍ في المعاملة معه هي الاتصاف بالوصف الذي وصفه الله عز وجل الصالحة بقوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34].
ولا تنسي أن حسن تبعلك يعدل عند الله الجهاد في سبيله والجُمع والجماعات، هذه أهم مهماتك في الدين الذي هو بحد ذاته معاملة مع الله بمعاملتك للناس فأخلاقك وطريقة تعاملك تكشف عن دينك، قال صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقال صلى الله عليه وسلم «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» أختاه كوني نبراسًا يُضيء ويكون سببًا لنصر الأمة.
أختاه رددي هذه الأنشودة التي منها هذه الأبيات:
الفجر الباسم قادم *** من خلف الليل الجاثم
وربيع الأمة آت *** من بعد شتاءٍ قاتم
بنساء عشن حياة لله وكن ضياء
أختاه ضعي يدي بيدك *** نسمو للأعالي لننصر الدين
هيا بنا أختاه *** إلى العلى نرقاه
نبني وننشئ جيلا *** يسمو ويعلو علاه
نجعلْ بيوتنا حقلا *** من ديننا سقياه
قومي الليالي بقلب *** قد زاد في تقواه
وتمرغي في باب *** ما رد من ناجاه
رب رحيم ودود *** والسعد في لقياه
وبنوك فاجعلِ منهم *** جيلا تجلى سناه
حزمٌ جهادٌ ودين *** ويقين قلب نراه
أما البنات فهنّ *** أمل لنا نلقاه
أدب وعلم ونورِ *** والستر ما أحلاه
قولي لهن بناتي *** العمر بان قناه
فامضين فيه بجد *** فالفوز في أخراه
أتركن منهج غرب *** بالبعد عن أزياه
فالقدوة ليست فيهم *** بل هم من قد دساه
سم بشرية عسل *** فانجين من سقياه
شدي يديك بعزم *** وتميزي أختاه
أختاه انصري الله ينصرك، انصريه بجعل حياتك لله وكوني ريحانة الإسلام سترًا وعفافًا وقدوةً حسنةً وقرّي في بيتك ولا تكثري الخروج فيطهر المجتمع.
إن الله عز وجل قادرٌ أن يقول للنصر كن فيكون ولو شاء لفعل، ولكن الله جلت مشيئته جعل سننًا في الكون، وسننًا في الأرض، وسننًا في حياة الناس، وجعل تلك السنن هي العاملة بمشيئته سبحانه وتعالى في تحقق النصر.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَومٍ سوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُم مِن دونِهِ مِن والٍ} [الرعد:11].
والتغيير يحتاج لتربيةٍ والتربيةُ عمليةٌ شاقةٌ تحتاج إلى كثيرٍ من الجهد فكوني خير مربيةٍ للجيل، قال تعالى: {وَالَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسِنينَ} [العنكبوت: 69].
ولا تنسي أن التمحيص قبل القضاء على الأعداء سنة الله، قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمحَقَ الكافِرينَ} [آل عمران:141] فحين يتم الابتلاء والتمحيص، ويعلم الله من القلوب أنها تجردت له وأخلصت، وأصبح الله ورسوله أحب للقلب يجري قدره سبحانه بالتمكين في الأرض وفي فترة الابتلاء والتمحيص تتم جوانب كثيرة من التربية المطلوبة للذين يحملون الأمانة، الذين يواجهون الجاهلية في أول جولة، والذين تلزمهم صفات وأحوال غير التي تلزم الأفواج الداخلة فيما بعد، كما يقول الأستاذ محمد قطب رحمه الله فاستعدي أختي لتتصفي بهذه الصفات لعل الله يجري النصر على يديك، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.