أبو حمزة الكردي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
وانتصرت غزة؛ في ساعة من شروق الشمس إلى الضحى، وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال: “إنما النصر صبر ساعة”، ساعة دمرت سنين طويلة من التعب والسهر والتجهيز ومليارات من الإنفاق والمكر الكبّار لدى الأعداء، قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ“.
إلى حين كتابة هذا المقال وفي كل لحظة تطور جديد في ساحة غزة، فأعود لأحذف وأكتب مجددًا، لا أزيد عليه سوى ما يسمى بالمعجزات، يذهلنا المجاهدون في غزة بكثرة مفاجآتهم وما أعدوه للعدو.
دخول مدروس بدقة لمستوطنات غلاف غزة..
شجاعة منقطعة النظير لأبطالهم في الميدان..
رشقات صاروخية لا تتوقف ولا تنتهي..
إسقاط طائرات..
توربيد بحري يستهدف البارجات..
هنا فكرت قليلًا.. المجاهدون أدبوا الصهاينة في البر والبحر والجو في مستوطناتهم وقواعدهم العسكرية، اعتقلوهم من بيوتهم أنزلوهم وهم نائمون، عندهم إحداثيات بيوت الضباط وأماكن تواجدهم، لكن ماذا سيفعلون تجاه حاملات الطائرات والمدمرات البعيدة في مياه البحر الأبيض المتوسط؛ وإذ بخبر عاجل؛ إطلاق توربيد صاروخي بحري باتجاه البوارج العسكرية المتواجدة في المنطقة، تمثلوا حقيقةً قول الله عز وجل: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).
مجاهدو فلسطين؛ أقاموا الحجة على الأمة قاطبة في مشارق الأرض ومغاربها، أعدوا العدة، أخذوا بالأسباب، توكلوا على رب الأرباب، فكان وعد الله حقًا (نَصْرٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ).
من أراد الثمر زرع، ومن أراد النجاح درس، ومن أراد المال والرزق سعى، ومن رام الفلاح اجتهد، ومن أراد الخير بذله لغيره، قال تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا).
ويقول الشاعر:
بِـقَـدْرِ الْـكَـدِّ تُـكْـتَسَبُ الْمَعَالِي وَمَـنْ طَـلَـبَ الْعُلَا سَهِرَ اللَّيَالِي
وَمَـنْ رَامَ الْـعُـلَا مِـنْ غَـيْـرِ كَـدٍّ أَضَـاعَ الْعُمْرَ فِي طَلَبِ الْمُحَالِ
تَــرُومُ الْــعِــزَّ ثُــمَّ تَــنَـامُ لَـيْـلًا يَغُوصُ الْبَحْرَ مَنْ طَلَبَ اللَّآلِي
وهذا ما فعله مجاهدو غزة على مدار سنين طويلة من الإعداد والبذل والتجهيز والتدريب، مكملين طريقهم بالعز في نعمة الجهاد ونصرة الإسلام وتحرير الأقصى، ولن تُحَصِّل المعالي والنصر والفلاح والنجاح والتمكين إلا في طريق العز والبذل والتضحية والتعب والشقاء، ودون هذا الطريق فالمستحيل تطلب والذل تبغي، يقول عنتر بن شداد:
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ * بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ * وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ
أغرقتنا التحليلات السياسية والعسكرية، من قبل المجاهدين والمحللين العرب أو الغرب أو الإسلاميين، فدعوا التحليلات لأهلها جانبًا واستمتعوا بنصر غزة بل بنصر فلسطين بل بنصر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.
هذا العز والنصر والتمكين لن تبلغه سوى بالجهاد في سبيل الله، سمّه ما شئت مراعاة لوضعك ومكانك إقامتك والضغوط من حولك، سمّه مقاومة نضالًا دافعًا عن النفس نصرةً للمستضعفين، لكن اعلم أن اسمه الأصلي والشرعي الثابت والمراغم للأعداء “الجهاد في سبيل الله”، وهو معلوم عند الله باسمه الحقيقي “جهاد في سبيل الله”، كما صرح الغرب وأعداء الإسلام أنه “جهاد في سبيل الله”، والضابط عند العرب والغرب في كل هذا، أن المقاوم مسلم موحد لدين الله، أو صاحب ديانة وعبادة أخرى.
روسيا تصوت في مجلس الأمن ضد قرار يدين ما فعلته حماس والجماعات المجاهدة في غزة، وهي تقتل وتقصف وتبيد أهل الإسلام في الشمال المحرر من سوريا ترسل طائراتها لتعيث قتلًا وقصفًا وتدميرًا وتشريدًا، بنك أهدافها الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيون!!!!
أمريكا تدعي زورًا وبهتانًا دعم الثورة السورية، والوقوف ضد النظام النصيري، وتفرض على النظام المجرم قانون قيصر وقانون ….. وقانون ….، وهي تدعم الصهاينة المزروعين في فلسطين فترسل طائراتها وبوارجها ومدمراتها، وأسلحتها النوعية، وأكثر من ألفي جند أمريكي من قوات النخبة، ومجموعات من قوات التدخل السريع “دلتا”، الأقوى عالميًا “كما يدعون” في استهداف أخطر القادة الجهاديين في العالم وتحرير الأسرى والرهائن، لتنكسر أمام مجاهدي غزة.
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن غزة انتصرت، وأن هذه الحرب ضد الإسلام وأهله في مشارق الأرض ومغاربها، مع الإسفار عن وجها الحقيقي الخبيث الوقح.
تبادل أدوار مفضوح بين المعسكر الشرقي والغربي، لقتل أهل السنة واستبدالهم بـ الشيعة الصهاينة الهندوس النصارى النصيرية الدروز أو حتى القوميين أو العلمانيين مع التحفظ على هاتين الفئتين مقابل الباقين.
هي الحرب كما أعلنها الغرب صراحة ضد الإسلام وأهله وما يعطيه لهم من جبروت وقوة ورفعة ومكانة، وضد أهل الجهاد الذي يرفع صاحبه عزة وشرفًا وكرامة، بكسره للروس والبريطانيين والأمريكان في أفغانستان، وكسره للورس والروافض والنصيرية في سوريا، وكسره للصهاينة ومن خلفهم قوى الغرب مجتمعين في فلسطين.
انتصرت غزة..
منذ أول ثلاث ساعات في معركة طوفان الأقصى وقضي الأمر، وكل ما حصل بعد ذلك تفاصيل متوقعة ومعلومة لا تُضِعْ وقتك فيها، سوى حرب الإبادة الجماعية والقصف الهستيري؛ بوارج وأساطيل ومدمرات ودبابات وجيوش وخبرات ضباط الغرب.
تخيل حتى طائرات تعبئة الوقود تحلق في السماء حتى لا تضطر الطائرات التي تقصف غزة للعودة إلى قواعدها لتعبئة الوقود فتخيل حجم الإبادة، هذه الإبادة التي فُهم منها الإرادة لمحو غزة من خارطة العالم، أرضها أسوارها أهلها حجرها شجرها طيورها هواؤها ماؤها، أي شيء له ارتباط بغزة.
يريدون محو غزة كما مسحت بكرامة الكيان المسخ ومشغليه من منظمات وأمم متحدة وغيرها أراضي ومزابل فلسطين والعالم أجمع، وأنهت وجوده وقضت على مستقبله وفضحت كذبه في وسائل التواصل، وأهدرت مليارات الدولارات لتبييض صورته.
انتصرت غزة..
دخلت الأسود أرض الخنازير.. فعاثت فيها.. “الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين” رواه البخاري.
كُسرت هيبة الصهاينة..
كُسرت هيبة الأمريكان..
خرب أقدم مشروع غربي في الوطن العربي..
دُمِّر أكبر مشروع تطبيع مع الكيان الصهيوني..
أُبيدت كتائب كاملة من الجيش الصهيوني وبقي منها اسمها الذي سيذكره التاريخ بالعار والهزيمة والقتل والسحل والاعتقال.
انتهت عبارة “الجيش الذي لا يقهر” فسُحل وعُرّي وذبح وأسر ومسحت بجنوده الأرض، وجلسوا تحت الأسرّة ضمن قواعدهم العسكرية يصيحون كالنساء من الخوف والزعر والبكاء..
أُزيلت الصورة النمطية المرسومة للجندي الذي لا يُؤسر ولا يُجرح ولا يُقتل وتُدفع أغلى الأثمان لاسترجاعه..
كُسرت القبضة الفولاذية، وثُقبت القبة الحديدية، ومُزّق السياج المانع، واختُرقت المنظومة الالكترونية الذكية، وأُحرقت الميركافا، وأُسقطت الطائرات المروحية..
إلى حين كتابة هذا المقال زاد عدد قتلى الصهاينة عن ألف وستمائة صهيوني محتل غاصب، أكثر من مئتان وخمسون أسيرًا، وجُرح ما يقارب ٦٠٠٠ صهيوني، ودُمِّرَ الكثير من البيوت والمصانع، وانهار الاقتصاد وهاجرت يد العمالة الأجنبية وخسر الشيكل الصهيوني أكثر من ثلث قيمته.
كل هذا الفشل والانهزام العسكري والاستخباراتي والسياسي أمام أصغر جماعة سنية مسلمة مجاهدة في الشام، محاصرة منذ عشرين سنة.
جماعة سنية مسلمة مجاهدة في الشام محاصرة دون أي دعم، في قطاع جغرافي صغير محاصر منذ 20 سنة، لا تتجوز مساحته 360 كم2.
انتصرت غزة، حين تحررت من القيود العالمية، حين رأت أن التحالف مع القوى الإقليمية شيء؛ وأن تسليمهم لذمام الأمر والقيادة وكشف جميع أوراق قوتها على الأرض شيء آخر.
انتصرت غزة، حين اهتمت بكلام ربها، وطبقته حفظًا وعلمًا وعملًا وواقعًا في كتائبها وأهلها وأطفالها.
انتصرت غزة، حين اعتمدت على نفسها في إنتاج سلاحها وتطويره وتحديثه، ودراسة نقاط ضعف العدو وضربها.
انتصرت غزة، عندما علمت أن النصر من الله وحده، بالتزام أوامره والانتهاء عن نواهيه، وأن الأمر بيده كن فيكون، لا تحدها الحدود، ولا تمنعها الاتفاقيات، ولا يوقفها الحصار، ولا يخيفها تكالب الأعداء.
انصروا أهلكم وإخوانكم ومجاهديكم في فلسطين، وتذكروا وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس حين كان خلفه، فقال: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف)) رواه الترمذي.
تحرروا من قيود الذنوب والمعاصي والآثام..
تحرروا من قيود المنظمات والجمعيات النسوية والجندر..
تحرروا من قيود الداعمين المستفيدين منكم أكثر منكم..
تحرروا من قيود التفكير المغلق والتقليدي والعبثي..
تحرروا من قيود فكرة أننا دائما ضعفاء ومتخلفون..
تحرروا من قيود انتظار طعام الغرب وصناعاته وتطوره..
تحرروا من فكرة أننا يجب أن نكون منفتحين على الغرب..
تحرروا من فكرة أن الإسلام يقيدنا أو يحد من حريتنا..
تحرروا من فكرة وضع الحجج والأسباب والصعاب..
تحرروا من فكرة الإرهاب وقائمة الإرهاب..
تحرروا فالهزيمة للكفر وأهله..
تحرروا فالنصر للإسلام وأهله..
تحرروا فالقادم أعظم..
اللهم انصر أهلنا في غزة، واحفظهم وأعنهم وثبتهم وأنزل السكينة والرحمة والطمأنينة على قلوبهم، اللهم ارحم شهداءهم واشف جرحاهم وآو نازحيهم ومشرديهم، وأطعم جائعيهم واسق عطشاهم وأنت يا أرحم الراحمين.