واااحجاباه.. واااإسلاماه.. -ركن المرأة – مقالات مجلة بلاغ العدد ٦٥ – ربيع الأول ١٤٤٦ هـ

الآنسة: خنساء عثمان

بسم الله الرحمن الرحيم

“إذا أردنا أن نقضي على الإسلام فلا بد أن ننزع حجاب المرأة المسلمة ونغطي به القرآن”، قالها غلادستون رئيس وزراء بريطانيا معلنًا بدء الحرب على حجاب المسلمات لضرب هدفين معًا: “هدم المرأة وأُسس الدستور الإسلامي والصلة بالله”، وبدأت الحرب على الحجاب لكن باسم التحرر والمدنية والتقدم ومحاربة الكبت وغير ذلك وانطلت الخدعة على كثير من نساء المسلمين فخرجن سافرات يتباهين بالتقدم الذي أحرزنه والحرية التي نلنها وأحرز أعداء الإسلام نصرًا كبيرًا في مهمتهم تلك.

لكنه كان نصرًا ناقصًا لأنهم مهما فعلوا فلن يستطيعوا تغيير فطرة الله التي فطر الناس عليها التي تجعل الإنسان يتحرّج من إظهار عورته أمام الناس، ويستحيي من ذلك، ثم جعل الدين الذي جاءت به الرسل صلوات الله عليهم منسجماً مع هذه الفطرة.

يقول صاحب الظلال رحمه في تفسير قوله تعالى: “{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30] وبهذا يربط بين فطرة النفس البشرية وطبيعة هذا الدين؛ وكلاهما من صنع الله؛ وكلاهما موافقٌ لناموس الوجود؛ وكلاهما متناسقٌ مع الآخر في طبيعته واتجاهه، والله الذي خلق القلب البشري هو الذي أنزل إليه هذا الدين ليحكمه ويصرفه ويطب له من المرض ويقومه من الانحراف”.

نعم لم يستطيعوا أن يغيروا فطرة جميع النساء وبقي الحجاب يفرض وجوده بمن تمسكن به كالجبال الراسخات وبمن عُدن إليه أيضًا بعد الضياع في متاهات السفور، وهنا بدأ مكر الليل والنهار ينصبُّ على حجاب المسلمة من كل الجهات كما قال تعالى: {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:46].

وبدأ التنازل عن ثوابت الحجاب بين المسلمات ينتشر ويستشري إلى أن وصلنا لأسوأ حالٍ، فقد صار الحجاب أُلعوبة بيد بيوت الأزياء المعادية للحجاب ففي كل صباحٍ نرى قاصمةً حلّت بالحجاب وقد نال منه أعداء الإسلام بغيتهم وتحقق قول غلادستون بحذافيره على المحجبات، وتحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم: بصنف من أهل النار لم يره صلى الله عليه وسلم ورأيناه للأسف الشديد، عن أبي هريرة رضي لله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صِنْفانِ مِن أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما، قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا» صحيح مسلم.

ولا أدري ماذا حصل للكثير من النساء ألهذا الحد ذهبت عقولهن!! ألهذا الحد تبلد الحس لديهن بحيث إذا أنكرت على إحداهن طريقة لباسها هذا تجدينها وكأن لسان حالها يقول ما قاله قوم شعيب عليه السلام: {مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ} [هود:91]، وتبدو الناصحةُ وكأنها متشددةٌ متنطعةٌ بعيدةٌ عن الواقع، ولا غرو فإن كثرة المنكر وعدم إنكاره صيره وكأنه المعروف وصير المعروف وكأنه المنكر، وانعدم الشعور بخطورة المعصية، وكما قيل كثرة المساس تبلد الإحساس! لكن هل هذا عذرٌ أمام الله وقد فرض الحجاب وجعله عبادةً من عبادات المرأة!.

لكل عبادةٍ شروطٌ وشروط الحجاب ثمانيةٌ حددها فقهاء الإسلام، وهي:

1_أن يكون ساترًا جميع البدن.

2_أن يكون كثيفًا لا يشف ما تحته.

3_أن يكون فضفاضاً لا يصف ما دونه.

4_أن لا يكون زينةً في نفسه.

5_أن لا يكون مبخراً أو مطيباً.

6_أن لا يشبه ثياب الرجال.

7_أن لا يشبه زي الكافرات.

8_أن لا يكون ثوب شهرةٍ تمتاز به عن قريناتها.

فانظري أين حجابك من هذه الشروط، لأنني أرى الكثيرات لا يلتفتن لتلك الشروط ولا يولينها أدنى اهتمام!!

تقول إحدى المصلحات تحت عنوان عباءةٌ تحتاج لعباءة:

لا أدري ماذا أصاب عقول بعض المسلمات هذا اليوم!! لا تكاد ترى واحدةً من بين عشرٍ نجت من حُمّى زينة العباءات ويا له من مرضٍ عُضالٍ وداءٍ خطيرٍ مُعدٍ أودى بالكثيرات وخاصةً من لم يكن لديها (حصانة العلم والحشمة)، إنها حُمى خطيرةٌ تهز الحجاب الصحيح هزاً، وترفع درجة حرارة الناظر إلى أعلى درجة، (إما غيظاً لجهلها بالحجاب الشرعي، أو فرحاً بمنظرها)، ألهذا الحد يتلاعب بك أصحاب الأهواء والشهوات وأصحاب المحلات والمتاجر فتنساقين وراء كل موضة مهلكة!! والله إن العجب ليأخذ إحدانا عندما ترى عباءة السهرة المطرزة المزينة ذات الكُلفِ والدانتيل، وقولي ما شئت من أوصاف فلا أخالك إلا تجدينها ماثلةً أمامك ترتديها وللأسف امرأةٌ مسلمةٌ تقول: إنها حجاب!! ما هذا والله بالحجاب، وما هذه والله بالعباءة الساترة، بل هي فستانٌ، وعباءةٌ يلزمها عباءة.

تأملي قليلاً يا أختي المسلمة كيف كانت خطوات الشيطان للحرب على العباءة التي أكرمنا الله بها، إني لا أظنك ساذجةً بحيث لا تعلمين أن العباءة المتبرجة والتي وصفتها لك ورأتها عيناك قبل ذلك، أنها من الحرب على الحجاب الساتر الواقي وأنها وسيلةٌ للقضاء على الحجاب والنيل من مكانته العالية في نفوس المسلمات.

وكانت وسيلتهم هذه غير ذكيةٍ ولكنها انطلت على الغافلات اللاتي لا يفقهن ما معنى عباءة وما معنى حجاب.

وبعد.. أريدك أختي المسلمة أن تكوني منتبهةً وحذرةً من مخططات أعدائنا، وضعي نصب عينيك قوله تعالى: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]، يقول سيد قطب في تفسير هذه الآية: “إن هذا المنهج لا يُعنى ببيان الحق وإظهاره حتى تستبين سبيل المؤمنين الصالحين فحسب، إنما يُعنى كذلك ببيان الباطل وكشفه حتى تستبين سبيل الضالين المجرمين أيضًا، إن استبانة سبيل المجرمين ضروريةٌ لاستبانة سبيل المؤمنين، وذلك كالخط الفاصل يرسم عند مفرق الطريق!”.

وانظري لحالنا أختي المسلمة كيف انتشر الحجاب الصحيح السابغ الساتر في بداية الثورة والجهاد ثم وبهدوءٍ وبجُنح الظلام سُلب منا هذا المظهر الساتر، ولكن خطوةً خطوةً وذلك لأننا لم نستبن سبل المجرمين، وسلّمنا حجابنا وعباءتنا لدور الأزياء لتلعب به كيف تشاء ثم ترميه لنا فنتلقفه بكل لهفةٍ وسرورٍ ثم نلبسه وننزل به للشارع إلى أن اختفى المعنى الحقيقي من الحجاب الذي هو منعُ الفتنة فصار هو الفتنة بذاتها لماذا؟ لأننا لم نحذر من سبيل المجرمين، لذلك أنصحك أختي من قلبي الذي يحب لك الخير والمشفق عليك من عذاب يوم القيامة.

أختاه.. إنّ الشيطان لا ينام فهو يوحي إلى أوليائه ليلاً ونهارًا ليمكروا في عباد الله مكرًا تزول منه الجبال، فكيف لا يزول معنى الحجاب!! فكوني حذرةً من مكره وتمسكي بثوابت الحشمة وعضي عليها بالنواجذ قبل أن تُسلب منك وأنت لا تشعرين.

أختاه.. الأمر جدٌ فلا داعي للسذاجة نحن نفرح بأزياء الموضة القادمة من بيوت أزياء أعدائنا وتعتبرها قمة الأناقة والجمال والتطور، لكن هم يفرحون أكثر منا بكثيرٍ لأننا ننفذ مخططاتهم ونحن راضون مستسلمون.

أختاه.. إنّ عدونا يقظٌ وذو جلادةٍ في الباطل، ألم يسلب منا ثمرات الجهاد حين حوله إلى ارتزاق؟

ألم يسلب منا ثمرات العلم الصحيح حين غير نيتنا في طلبه حين جعله شهادةً للارتزاق أو المباهاة (حتى لا أكون أقل من غيري) فهزلت، ولم يعد العلم يرفع رأساً للأمة؟

ألم يسلب منا ثمرات الثقافة والاطلاع وسعة المعرفة حين جعله فارغًا من محتواه وجسدًا بلا روحٍ ومظاهر خاوية، وما معرض الكتاب وأهدافه منك ببعيد الذي قاطعه كل أبيٍّ وأبيّة يخافون الله مع ما يحملونه في صدورهم من حبٍّ للعلم والاطلاع وذلك تزيلاً عن المجرمين، وخوفًا من أن يُحشروا مع المتبرجات من النساء والإمّعات والمتبرجين من الذكور، شعارهم في ذلك: “مَن ترك شيئًا اتِّقاء الله عوَّضه الله خيرًا منه”.

أختاه.. الأمر جد ونحن غافلون!! فاستبيني سبيل المجرمين في دينك، وحجابك، وعباءتك وهويتك، واستبيني سبيل المجرمين واحذري مخططاتهم التي إن تكلمنا عنها سودنا بها الصفحات، ولكن أدعو الله لي ولك أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ.

ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

Exit mobile version