الأستاذ: حسين أبو عمر
تعرّف المبادئ في اللغة بأنها: أصول الأشياء والأسس التي تنطلق منها.
وتعرّف في الاصطلاح بأنها: مجموعة القواعد والضوابط الأخلاقية والمعتقدات الناظمة والمفسرة لسلوك الفرد أو الجماعة، والتي يميّز بها الصواب من الخطأ؛ كالصدق، والأمانة، وعزة النفس وغيرها…
إنَّ المبادئ لا تقتصر على الأمور الأخلاقية فحسب، بل إن لكل شيء مبادئه الخاصة به؛ فالحكم في الإسلام -مثلا- له مبادئه الأساسية؛ من أحقية الله -وحده- بالحكم، وصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، والشورى، والعدل، والأمانة، وغيرها من المبادئ.
الأصل في المبادئ أن تكون مستقاة من مصدر ثابت لا يتبدل، وأن تكون ثابتة، لا تتغير بتغير الزمان والمكان، أو بزيادة التجارب، وأن تكون مطلقة غير مقيدة بشخص أو بظرف أو بمصلحة. أمَّا من استمد مبادئه من الواقع والتجارب فقد جعل نفسه عرضة للتقلبات!.
إنَّ نفوس الناس من طبيعتها -في أكثر الأحيان- عندما تتعرض لضغوط شديدة، أن تتولد عندها ردة فعل غير منضبطة؛ إمَّا إلى غلو في بعض مبادئها أو في التعامل مع من لا يشاركونها هذه المبادئ، أو إلى التفريط بمبادئها -وهو الأغلب- بسبب ضغط الواقع، ومن ثم فلسفة منهجها الجديد على أنه هو الصح، وأنه فهم الواقع، وأنه الحكمة…! ثم تبدأ بمهاجمة من تبقوا متمسكين بمبادئهم: بعدم فهم الواقع، ومثالية حالمة، ومثالية مدمرة، مناهجة، متزمتين… وغيرها من الألقاب.
– إنَّ تعريض الناس لمحرض قوي يستثير عواطفهم وانفعالاتهم لدرجة معينة هو أحد وسائل غسيل الأدمغة وتحوير الأفكار التي يستعملها الكفار للتلاعب بمبادئ وعقائد واختيارات الناس في العصر الحديث؛ يقول فهمي النجار في كتابه “الحرب النفسية”: “لكي يكون التحويل -الديني والسياسي- مؤثِّرًا يجب أن تستثار انفعالات الشخص حتى يَصِل إلى درجة شاذَّة من درجات الغضب أو الخوف أو النشوة، فإذا أمكن الاحتفاظ بهذه الحالة أو أمكن زيادة حدَّتها بوسيلة أو بأخرى، فقد ينتهي الأمر بالشخص إلى حالة من حالات الهستيريا. وحينئذٍ يصبح الإنسان أكثر استعدادًا لتلقِّي الإيحاءات التي قد لا يتقبَّلها في الظروف العاديَّة، وقد يحدُث بديلاً عن ذلك مرحلة من المراحل: “المتعادلة” أو “المتناقضة” أو “شديدة التناقض”، أو قد يَحدث “انهيار امتناعي كامل” يقضي على كلِّ المعتقدات السابقة”.
– السجون -على سبيل المثال لا الحصر- تُمارس فيها هذه الاستراتيجية بكثرة، وتحصل بعض النتائج؛ فتحت ضغوط الجلادين تتغير الكثير من مبادئ الناس، إمَّا إلى غلو في هذه المبادئ، وحقد على المجتمع، بل وأحيانا تكفير له، أو إلى استسلام وتفريط وتراجعات؛ ثم تخرج باسم “مراجعات”. ويكأنَّ جلَّاد السجن فقيه علَّامة استطاع أن يحاجّ هذا المسكين ويقنعه!!
إنَّ استعمال هذه الاستراتيجية في محاولة تحوير أفكار ومبادئ وعقائد الناس وغسل أدمغتهم، لا يقتصر على الأفراد، بل يتعداه إلى المجتمعات والجماعات كذلك.
وهو الأسلوب المستعمل من قبل الكفار ضد مجتمعاتنا غالبا؛ ولا أدلّ على ذلك من عرضهم المستمر لأشكال القتل والتدمير والإذلال التي يمارسونها ضدنا: طائرات الدرون الروسية هي من صورت الدمار الذي أحدثته آلة الحرب الروسية بمدينتي حمص وحلب؛ وقناة روسيا اليوم هي من بثت الفيديوهات.
وطائرات الدرون الأمريكية هي من صورت الدمار الذي أحدثته آلة الحرب الأمريكية بمدينتي الموصل والرقة؛ وقناة CNN الأمريكية هي من بثت الفيديوهات. لم تكد قوات الاحتلال الأمريكي تبسط سيطرتها على مدينة الرقة حتى أطلت علينا وقتها قناة CNN الأمريكية بنشر مقطع فيديو حصري؛ اسمه (الرقة من الجو) يصور حجم الدمار الذي ألحقه المحتلون الجدد بمدينة الرشيد.
أول جملة كتبت في مقطع الفيديو كانت: “تحولت المباني إلى حطام على الأرض بسبب القذائف”.
وفي ذات الوقت كانت وما زالت الهجمات على كل مسَلَّمات الدين ومبادئه تشن بطريقة -ربما لم يسبق لها مثيل-. استعانوا في ذلك:
– بأذنابهم من الحكام،
– وبكل علماني حاقد على ديننا وتاريخنا ومجتمعاتنا،
– وبكل إعلامي مرتزق خبيث،
– وبكل شيخ أو مؤسسة أو جماعة مدجنة،
– وبكل لحية سوء..
ختاما، الأصل في التجارب أن تعطي الخبرات في فهم الواقع، في فهم الاستراتيجيات وصناعتها، وفي استشراف المستقبل وفقه المآلات، ومن ثم القيام بالتصرف الأمثل حيال كل ذلك. أمَّا أن يغيب كل ذلك ولا يحضر إلَّا تغيير المبادئ من باب “الواقعية” و “المسئولية” و “المحافظة على المكتسبات” وغيرها من الحجج؛ فهذا من العجائب المبكيات!
ولا حول ولا قوة إلا بالله.