الشيخ: أبو حمزة الكردي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) يدل هذا الحديث على عظيم أجر المجاهد، وأن عزه وشرفه وحياته الحقيقية تكون في سبيل الله عز وجل، رغم أن من ترك الجهاد قد يكون متقلبا في الكثير من الخير الدنيوي العرضي الزائل، إلا أن النعيم الحقيقي للمسلم وعزه يكون في الجهاد في سبيل الله، ومن فضل الجهاد أنه كله خير وبركة حتى النومة ينامها المجاهد هي في سبيل الله، كما يلي:
* نوم المجاهد طمأنينة ونعمة ومدد من الله تبارك وتعالى:
قال تعالى: ((إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ).
قال الطبري: “يقول تعالى ذكره: (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ)، (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ)، ويعني بقوله: (يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ)، يلقي عليكم النعاس، (أَمَنَةً) يقول: أمانًا من الله لكم من عدوكم أن يغلبكم، وكذلك النعاس في الحرب أمنة من الله عز وجل”.
* نوم المجاهد أجر كله:
فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الْغَزْوُ غَزْوَانِ: فَأَمَّا مَنْ ابْتَغَى وَجْهَ اللهِ، وَأَطَاعَ الْإِمَامَ، وَأَنْفَقَ الْكَرِيمَةَ، وَيَاسَرَ الشَّرِيكَ، وَاجْتَنَبَ الْفَسَادَ، فَإِنَّ نَوْمَهُ وَنُبْهَهُ أَجْرٌ كُلُّهُ، وَأَمَّا مَنْ غَزَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَسُمْعَةً، وَعَصَى الْإِمَامَ، وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ بِالْكَفَافِ”.
وفي الحديث: “قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قال: «لا تستطيعونه»، قال: فأعادوا عليه مرتين، أو ثلاثا كل ذلك يقول: «لا تستطيعونه»، وقال في الثالثة: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام، ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى»” فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المجاهد في كل أحواله كمثل الصائم القائم القانت إلى أن يرجع، فدل ذلك على أن نومه عبادة كالصيام والقيام والقنوت.
– قال ابن النحاس في مشارع الأشواق: “إذا كان -أكرمكم اللّه -هذه درجة نائمهم فكيف بقائمهم؟! وإذا كانت هذه رتبة غافلهم فكيف بعاملهم؟! وإذا كان هذا خطر شراك نعالهم فكيف بخطير أفعالهم؟! إن هذا لهو الفضل المبين، لمثل هذا فليشمر المشمرون، وعلى فواته فليبك العاجزون المقصرون، وعلى ضياع العمر في غيره فليحزن المفرطون، اللهم بصرنا بأسباب النجاة ويسرها علينا وانظر بعين عنايتك ورحمتك إلينا فقد تصرم العمر في غير طائل وأنت على كل شيء قدير”.
* أخذ الحذر عند نوم المجاهد؛ فينبغي الانتباه لأمرين:
– الأول النوم بجوار السلاح: “فعَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَفَلَ مَعَهُ، فَأدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُونَا، وَإِذَا عِنْدَهُ أعْرَابِيٌّ، فَقال: «إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي وَأنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتاً، فَقال: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: «اللهُ -ثَلاثاً-». وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ” متفق عليه.
– الثاني الحراسة: وقد ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه في حديث الخروج في غزوة من نجد قال: “فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ نَزَلَ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ، وَقَالَ: مَنْ رَجُلَانِ يَكْلَآَنَا فِي لَيْلَتِنَا هَذِهِ مِنْ عَدُوِّنَا، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: نَحْنُ نَكْلَؤُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَخَرَجَا إِلَى فَمِ الشِّعْبِ دُونَ الْعَسْكَرِ، ثُمَّ قَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِلْمُهَاجِرِيِّ: أَتَكْفِينِي أَوَّلَ اللَّيْلِ وَأَكْفِيكَ آخِرَهُ أَمْ تَكْفِينِي آخِرَهُ وَأَكْفِيكَ أَوَّلَهُ، قَالَ: فَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: بَلْ اكْفِنِي أَوَّلَهُ وَأَكْفِيكَ آخِرَهُ، فَنَامَ الْمُهَاجِرِيُّ وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي“.
اللهم لا تحرمنا لذة الجهاد في سبيلك، واجعل عملنا كله في سبيلك، واختم لنا بشهادة ترضى بها عنا رضاء لا سخط بعده يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٣١ جمادى الأولى ١٤٤٣ هـ
لتحميل نسخة من المجلة اضغط هنا
لقراءة المجلة تابع ⇓
مجلة بلاغ - عدد 31 - جمادى الأولى 1443