نحن نعيش أياما استثنائية في عمر الأمة فيها من الفرح والبهجة بنصر الله تعالى لعباده المؤمنين في سوريا ما يفوق الحصر، غير أن مثل هذه الأحوال فيها محاذير ينبغي التنبه لها:
1- المبالغة في توقع المستقبل بناء على النصر الحالي، فالبعض يرفع سقف الآمال دون مراعاة لأي أسباب أو سنن.
وأرى أهمية التفريق بين الأمرين؛ فالذي جرى إلى الآن هو نصر وفتح عظيم من عند الله لا شك فيه، وأما القادم -أعني ما بعد الفتوح-ففيه تحديات كبيرة وحسابات مختلفة وموازنات صعبة؛ وفيه تكاليف شرعية تتطلب الصدق في الامتثال في الرخاء كما تم الصدق في الشدة والنزال، ونسأل الله أن يوفق إخواننا من أهل سوريا للنجاح في المستقبل كما نجحوا في الحاضر.
2- المبالغة في تصور الكمال وعدم الوقوع في الأخطاء، وهذا خطأ متكرر في التجارب الإصلاحية، بل لا بد من تقبل معنى وجود النقص، وإمكان الزلل، وأن هذا لا يتعارض مع تنزل النصر وتحقق الفتح، مع الخشية بتخلف تمام النصر حال وجود الذنب.
ومن لا يفقه ذلك فقد يُصدَم إذا رأى شيئا من النقص أو الخطأ ممن ظن فيهم من الكمال ما يُشبه العصمة.
3-الغرور والركون إلى الأسباب والظن بأن هناك قدرة على تكرار هذا النصر متى ما أردنا.
4- نسيان واجبات التمكين وابتلاءاته التكليفية، فالله سبحانه كما جعل لأوقات الاستضعاف واجبات فقد جعل لأوقات التمكين واجبات كذلك: ﴿قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون﴾
فالمؤمنون بعد التمكين محلٌّ لنظر الله تعالى فيرى كيف يعملون، ولذلك فإن من المهم الفقه في واجبات التمكين كما كان هناك فقه في واجبات الاستضعاف، والتفريط في واجبات التمكين قد تُسلَب به النعمة.
5- التكبر والاستعلاء على الخلق من المخالفين والموافقين، وهذا مركوز في الطبع البشري عند الشعور بالقوة والنصر، وأما التكليف الشرعي فهو بعكس ذلك؛ ولذلك نرى أن النبي ﷺ دخل مكة عند الفتح متواضعاً، وعفا عن أهلها وأمّنهم، سوى بعض رؤوس المحاربين الذين أهدر دماءهم.
والحمد لله نحن نشاهد اليوم في الواقع السوري حالة عالية من التواضع عند النصر تبشر بخير.
6- التنازع والاختلاف عند توزيع المناصب والمكاسب، وكثيرا ما يحصل ذلك في التاريخ، ونسأل الله أن يعصم منه أهلنا في سوريا الذين ما انتصروا إلا باجتماع كلمتهم وحُسن إعدادهم وظُلم عدوهم؛ فبارك الله لهم في ذلك كله فنصرهم.
7- الاستهتار وترك الحذر اغترارا بالنصر، والتهاون بخطر الأعداء وكيدهم ومكرهم، وهذا يخالف الأمر الشرعي المتكرر (خذوا حذركم) وعادة ما يخف الحذر وقت النصر، وهذا إشكال.
وختاماً؛ فإن ما جرى من هذا النصر حجة من الله للأمة كلها، وللسوريين على وجه الخصوص، وهو باب عظيم للفقه في الدين والعلم بالله وسننه وأقداره.
اللهم أتم النعمة على المستضعفين في كل مكان..
الشيح أحمد بن يوسف السيد