الأستاذة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في كتاب تحفة العروس لمحمود مهدي الإسطنبولي فصل صفات نساء القادة والزعماء، وفي تعليقه على مقولة وراء كل عظيم امرأة عظيمة: “… فإن المصيبة إذا كانت في القديم ناجمة عن جهل المرأة فقد أصبحت اليوم تنجم عن المرأة المتعلمة تعليما منحرفا، وهو الغالب في تعليم المرأة -ويا للأسف-، وإذا كانت المرأة في الماضي قد عششت الخرافات والأوهام في دماغها فإن المرأة المتعلمة على الغالب قد أصابها الغرور والجهل المركب وعشش في دماغها القلق وحمى موضة الأزياء ومحاربة كل ما هو أصيل في تقاليدها الإسلامية وشخصيتها العربية، متأثرة بتعليمها المنحرف الذي صور لها بتأثير المستشرقين أن إسلامها رجعية ومصدر للتأخر، كل ذلك لتصبح ضحية وفريسة هي وأولادها والأمه كلها من وراء ذلك للغرب وعاداته وتقاليده وفلسفته. ولا يظنن ظان أن الإسلام يتنكر لتعليم المرأة، فهو أساس دعوته، إنما يتنكر للتعليم الناقص المنحرف فهو أخطر من الجهل…” ا.ه.
أقول: للأسف هذا ما حصل، فإن المستشرقين ربوا لنا الجيل السابق من المتعلمات التعليم المنحرف وزرعوه شوكا والآن نحن نحصده حنظلا..
لقد كان شغلهم الشاغل إخراج المسلمة من بيتها ليقطعوا عنها أواصر أسرتها وأصولها، لقد اهتموا بتعليم المرأة بالذات لأنها أقصر طريق يؤدي إلى حصن الأسرة، وبالتالي فهي أسهل وسيلة لنقل الأفكار والفساد، ولأن فسادها يترتب عليه فساد النشء والأسرة والمجتمع فتحوا المدارس، وكانت أول مدرسة فتحت في بيروت عام 1830 وهي التي يقول عنها المستشرق جيب: “إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني، لقد شعرت أن مستقبل سوريا إنما هو بتعليمي بناتها ونساءها”.
نعم كانوا يبتغون من وراء التعليم أهدافا منها:
– أولا: إنشاء جيل مُهجن نصفه مسلم والنصف الثاني؟.. علماني…؟ ملحد…؟ إلخ، وقد عبر هنري جيب عن هذا بقوله: “إن التعليم في المدارس والإرساليات المسيحية إنما هو وسيلة إلى غاية فقط…”، ثم أنشأ يقول: “… ولكن حينما يخطو التعليم ليصبح غاية في نفسه وليخرج لنا خيرة علماء الفلك وطبقات الأرض وخيرة الجراحين والأطباء فإننا لا نتردد حينئذ أن نقول: إن رسالة مثل هذه قد خرجت عن المدى التبشيري المسيحي الى مدى علماني محض… إلى مدى -علمي دنيوي-“.. وبتعبيرنا: طلاب الشهادات طلبا للدنيا فقط.
– ثانيا: تغريب المجتمع المسلم، وذلك لأنهم فشلوا في تنصيره، ثم إعداد قادة ممن تربوا على مناهجهم في هذه المدارس، هذه المناهج التي تخدم مصالح الأعداء ليصبحوا أضر على الإسلام من أعدائه؛ فأصبح التعليم ليس لأمتنا بل عليها.
وهكذا نشأت أجيال لا تؤمن إلا بالفكر الغربي، ولا تعرف غير الحضارة الأوروبية، وتتنكر لدينها وحضارتها وقيمها الأصيلة، وكان لها السيطرة في مختلف المجالات، وقد رسم التعليم الأجنبي للبلاد الإسلامية الطريق في منهج التعليم وسارت خلفه، ونجح في بث سمومه في مختلف مناشط الحياة، وحشد ضمن كل منشط منها مجموعة من المخاطر، ثم راح يؤلف بينها، ولهذا نرى المخاطر اليوم تتداعى وتتجمع وتتضافر ويكمل بعضها بعضا…، لتمثل شبكة من المخاطر كل خطر يوطئ لما بعده ويخدم جوانب أخرى غيره.
وحرمت الأمُة من ثمرات التعليم الذي يوثق الولاء للعقيدة الذي هو أعلى وأرقى وأرسخ أنواع الولاء، ومن قيمة وجودُية الأمة، كما قال تعالى: (…وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) [سورة آل عمران 79].
ومن الوقاية من عذاب الله، كما قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [سورة التحريم 6] كما قال المفسرون: يتم بالتعليم والتأديب…
فهل نحن هكذا؟! لقد انقطع ارتباط التعليم بالإصلاح
أرأيت أختي المؤمنة: لماذا فقدنا العظماء؟ لأننا فقدنا الأم التي انقطع ارتباط تعليمها بالإصلاح.
حتى التعليم الديني وحفظ القرآن أفرغوه من محتواه خوفا من تكرار تجربة طالبان بزعمهم.
لقد أحزنني في الأيام القليلة السابقة مشهد حفل لحافظات القرآن عملن استعراضا يمشين فيه والزهور وضعت فوق الجبين كاشفات وجوههن أو مغطيتهن سواء..، والوشاح على الصدر بمشهد من مجموعة كبيرة من الرجال ينظرون إليهن، فتوجع القلب من الكمد، وبدأت أسائل نفسي:
أين هؤلاء من الآيات التي حفظنها والتي تأمر بالقرار في البيت؟
أين هؤلاء من الآيات التي حفظنها والتي تأمر بالنهي عن التبرج أيا كان نوعه حتى لو كان تاجا من الزهور موضوعا على الجبين؟
هذا، والتصوير على أشده، ولا تسأل عمن رأى هذه الصور من الرجال المأمورين بغض البصر.
أيرضى حافظ القرآن أن تخرج المخدرة من بيتها بحجة إعلام الناس أنها حفظت القرآن -نسأل الله الإخلاص-، وما دخل الرجال بأماكن النساء؟
ولماذا التصوير ونشر الصور؟
وكل هذا نتيجة إهمال تعليم المرأة وإيضاح أن عدم منع الرسول صلى الله عليه وسلم النساء من حضور المساجد لا يعني أنه أباح أن يعملن استعراضا والحضور من الرجال.
كأنهم لم يسمعوا بآية سورة النور (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ).
إنها الفتن التي تجعل الحليم حيرانا، والتي أُمرنا أن نتجنبها بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم القائل: «تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله» رواه مسلم.
فلنتمسك بالكتاب والسنة..
ولنبحث في التاريخ عن قدواتنا مربيات العظماء مثل أم الإمام أحمد بن حنبل، وأم فروخ أستاذ ربيعة الرأي، وأم الإمام مالك، وأم الشافعي، وغيرهن كثيرات والحمد لله.
والأمل بالله كبير، وعلينا العمل فنحن لها إن شاء الله، والتوفيق من القوي القدير، فلا مكان لليأس، وقد أُمِرنا بأخذ الأسباب تعبدا لله.
جاء في موقع المدرسة الطريفية: “في المِحَنِ والشّدائدِ يطلبُ الكثيرُ منهجَ السلامةِ، بَينما يَطلُبُ الصّفوةُ سلامةَ المنهجِ، وبهذهِ الصّفوة يُحفَظُ الدّينُ وتُنصرُ المِلَّةُ”.
جعلكم الله من هذه الصّفوة، وحفظ بكم الدين ونصر المِلّة.
ولنا لقاءات أخرى إن شاء الله في هذا المجال.
وفق الله الجميع لنيل رضاه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله إمام المرسلين.