معركة التغيير والأخطاء القاتلة || 5-داء الاستئنافية وغياب الاعتبار

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

ففي قوله تعالى : ((قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل ? ))

يقول السعدي رحمه الله : والأمر بالسير في الأرض يدخل فيه السير بالأبدان والسير في القلوب للنظر والتأمل بعواقب المتقدمين.

ويقول القرطبي رحمه الله :  قل لهم يا محمد سيروا في الأرض ليعتبروا بمن قبلهم 

وفي قوله تعالى : ( فاعتبروا ياأولي الأبصار

يقول القرطبي رحمه الله : ” فاعتبروا يا أولي ” أي اتعظوا يا أصحاب العقول والألباب . وقيل : يا من عاين ذلك ببصره ; فهو جمع للبصر . … ومن لم يعتبر بغيره اعتبر في نفسه . وفي الأمثال الصحيحة : ” السعيد من وعظ بغيره ” .

ويقول السعدي رحمه الله : العبرة بعموم اللفظ  لا بخصوص السبب، فإن هذه الآية تدل على الأمر بالاعتبار، وهو اعتبار النظير بنظيره، وقياس الشيء على مثله، والتفكر فيما تضمنته الأحكام من المعاني والحكم التي هي محل العقل والفكرة، وبذلك يزداد  العقل، وتتنور البصيرة ويزداد الإيمان، ويحصل الفهم الحقيقي،

وفي قوله تعالى : (( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ  ))

يقول القرطبي رحمه الله : قوله تعالى { لقد كان في قصصهم عبرة} أي في قصة يوسف وأبيه وإخوته، أو في قصص الأمم. { عبرة} أي فكرة وتذكرة وعظة. { لأولي الألباب} أي العقول

قلت : دلت الآيات السابقة على أهمية سنة الاعتبار والاتعاظ بتجارب الدعوات الإيمانية فمن خلالها تتضح سنن الله في عباده كما تظهر أساليب أعداء الدعوات ومكرهم وتآمرهم و بالمقابل تتكشف الأخطاء التي يقع بها أصحاب الدعوات خلال مسيرتهم وصراعهم مع الباطل وأهله و تتجلى الوسائل السنية الراشدة في التعاطي مع أعداء الدعوات ولعل من أبرز ثمرات الاعتبار السابق ثبات أهل الدعوات على مبادئهم وثقتهم بموعود ربهم طال الزمان ام قصر يقول تعالى :  (( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)) كما بينت الآيات أن أولي العقول والبصائر هم أهل الاعتبار والاتعاظ فهم القائمون به المنتفعون منه أما غيرهم من المحرومين من سنة الاعتبار فهم الذين يبتلون بداء الاستئنافية  المبتدئون من حيث بدأ الآخرون والمكررون لأخطاء تجارب من سبقهم

وفي واقعنا المعاصر  وبعد سقوط الملك العثماني، والحربين العالميتين الأولى والثانية، أحكمت المنظومة الدولية الجاهلية قبضتها على العالم، وتخلل هذا وتلاه تجارب كثيرة لجماعات الإسلام الحركي ولعل السمة الأبرز في هذه التجارب على اختلاف فلسفتها للصراع ووسيلتها المعتمدة في التغيير هي غياب الاعتبار والابتلاء بداء الاستئنافية حيث تتكرر التجارب بأخطائها وطوامها وتنتهي كما انتهت سابقاتها بل وصل الحال في بعض التجارب الى عدم الاعتبار حتى من التجارب المعاصرة لها والوقوع في نفس أخطائها القاتلة وبالمقابل تتعامل المنظومة الدولية الجاهلية بخبرة تراكمية أفرزتها تجاربها الغائرة في التاريخ لتصبح فعلا رائدة للاعتبار بمفهومه الجاهلي الإجرامي الذي يمكر بالدعوات الايمانية ويكيد لأهلها ونظرة بسيطة إلى تاريخنا المعاصر في الشام ومصر والجزائر وأفغانستان والعراق واليمن تثبت حقيقة هذا وفيما سبق  يقول الشيخ رفاعي سرور رحمه الله : ( والأخذ بالتجربة من أهم ضرورات المواجهة مع الجاهلية لسبب عملي واضح وهو أن الجاهلية تجربة واحدة بدأها إبليس بمعصيته واستكباره وسيظل قائماً عليها إلى يوم البعث. وهذا معناه أن الجاهلية تاريخ واحد وأن المواجهة من جانبها للإسلام قائمة بخبرة تاريخية كاملة ولنا أن نتصور بتلك القاعدة مدي التطور الجاهلي في المواجهة عندما يكون العامل الزمني الذي تتطور به هو هذا التاريخ القديم المستمر والمواجهة الإسلامية للجاهلية وهي تجربة تاريخية واحدة بتجارب مبتورة معناه فقد اكبر إمكانيات القدرة الإسلامية في تلك المواجهة.)

وفي ضوء ماسبق يتضح أن من يزعم أنه يعرف حقيقة الصراع دون ان يعرف جذوره ومراحله فهو واهم فما نحن إلا حلقة في سلسلة الحق تواجه حلقة في سلسلة الباطل ومالم نهضم تجارب من سبقونا ونستفيد منها في واقعنا ونسلمها للحلقة التي تلينا بأمانة سنبقى نعاني من داء الاستئنافية الذي لايخدم إلا الباطل المواجه

 

الدكتور : أبو عبد الله الشامي

الدكتور : أبو عبد الله الشامي 

 

لمتابعة المزيد من مقالات وإضاءات الدكتور: أبو عبد الله الشامي اضغط هنا 
Exit mobile version