بسم الله الرحمن الرحيم
معركة التغيير والأخطاء القاتلة
3- عقدة التصنيف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
يقول الله تعالى في محكم تنزيله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (2)
ويقول تعالى: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)
ويقول تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُم أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرضِ الفسَادَ)
ويقول أيضا: (إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ)
التصنيف والعداوة بين المؤمنين والكافرين سنة ماضية،
صبغت العلاقة بين الرسل وأتباعهم مع الكفر وأهله، وتجلت بمظاهر عديدة كان منها: تصنيفات شخصية، وتصنيفات جماعية، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فقد دلت الآيات السابقة على نموذج من التصنيف الشخصي (موسى عليه السلام)، ونماذج من التصنيف الجماعي (قوم لوط عليه السلام وقوم موسى عليه السلام).
وفي واقعنا المعاصر؛ وبعد سقوط الملك العثماني،
والحربين العالميتين الأولى والثانية، أحكمت المنظومة الدولية الجاهلية قبضتها على العالم، وتعاملت مع أي حراك مهدد لهذه السيطرة وخاصة ماكان إسلاميًا منها، وفق قاعدة التصنيف المتمثلة بشكل رئيس: بالإدراج على قائمة الإرهاب، ثم العمل على:
• الاحتواء المفضي للتنازل، و الاستعمال وصولًا للإنهاء.
• العزل والتشويه، وصولًا للاستئصال.
التعاطي الخاطئ لجماعات الإسلام الحركي مع تصنيف المنظومة الدولية الجاهلية، كان وفق نموذجين:
الأول: شكّل فيه التصنيف عند الجماعات عقدة، دفعتها للفرار منه بأي طريقة، الأمر الذي ساهم في احتواء المنظومة الدولية الجاهلية لهذه الجماعات، بجعلها تتنازل عن كثيرٍ من ثوابتها ومبادئها، باعتماد قاعدة التأطير، فإما التصنيف أو التنازل.
الثاني: شكّل فيه التصنيف عند الجماعات معيارًا لصحة المنهج، وصوابية المسار، الأمر الذي دفعها للحرص عليه والتعجل باكتسابه.
هذا وقد عمدت المنظومة الجاهلية عبر أسلوب التدرج في التصنيف، إلى الإيقاع بين جماعات الإسلام الحركي من ناحية، وبين الجماعات المصنفة وحاضنتها من ناحية ثانية، في صورة تدفع البعض للاحتواء والتنازل، وتدفع البعض الآخر للعزلة، الأمر الذي أسهم بجملته في إفساد الساحات والقضاء على الثورات.
في ضوء ماسبق، تتضح الحقائق الآتية:
1- الإسلام السني بجماعاته المختلفة مصنف عند المنظومة الجاهلية، وأسلوب التدرج في التصنيف والتفريق بين إسلام معتدل وإسلام راديكالي؛ لا يعدو كونه خدعة تساعد على احتواء البعض، واستعماله ثم إنهائه وشيطنة البعض الآخر، وعزله والعمل على استئصاله.
2- التعاطي السني مع مسألة التصنيف يكون بمعرفة أن التصنيف حتمي، فلا يشكل ذلك عقدة، ينتج عنها الدخول في معادلة الاحتواء والتنازلات، وبالمقابل لا يحرص عليها ابتداءًا كمعيار لسلامة المنهج وصوابية المسار، بل يتم السعي لتصحيح المفاهيم عند الجماعات المختلفة والشعوب المسلمة، وبيان أن المعركة مع المنظومة الجاهلية، هي معركة بين إسلام وكفر، وبين حق وباطل، وهذا يقطع الطريق على المنظومة، ويبطل آثار التصنيف السلبية بإذن الله.
(( قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
الدكتور : أبو عبد الله الشامي