الشيخ: أبو شعيب طلحة المسير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد؛
فإن غربة المسلم تزداد زمن الضعف ووقت الهزيمة العسكرية أمام قوى الكفر والطغيان، وتتمثل تلك الغربة في أمور كثيرة منها انتشار المنكر واستحلال المحرمات ومحاربة الثوابت..، فتزداد لذلك أهمية التنبيه والتذكير بالحق نفيا لتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالين.
ومما تتكرر الحاجة للتنبيه عليه في زمننا هذا موقف المسلم من أعياد الكفار والمسائل والأحكام المتعلقة بذلك؛ حيث أدى غزو الكفار لكثير من مجتمعاتنا ثقافيا واجتماعيا وعسكريا إلى فشو الخطأ والخلل والضلال في التعامل مع أعياد الكفار؛ لذا كان هذا التنبيه والتذكير لأهمية الأمر وخطورته، مع نقل لبعض نصوص علماء من المذاهب الأربعة تأكيدا على عظم القضية، كما يلي:
1 – معنى أعياد الكفار:
العيد كما قال ابن منظور في لسان العرب: “ما عاد إليك من الشوق والمرض ونحوه..، والعيد كل يوم فيه جمع، واشتقاقه من عاد يعود كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتقاقه من العادة لأنهم اعتادوه..، قال الأزهري: والعيد عند العرب الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن..، ابن الأعرابي: سمي العيد عيدا لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد”.
فيؤخذ من ذلك أن العيد لغة يغلب فيه “اجتماع للناس” “بوقت مخصص متكرر” على “فرح أو حزن”.
ويمكن تعريف أعياد الكفار بأنها “المواسم المتكررة التي خصها قوم من الكفار بالاجتماع لتجديد معاني فرحهم أو حزنهم”، مثل أعياد: ميلاد المسيح عليه السلام، والنيروز، وشم النسيم، والحب، واليوم الوطني لدولهم..
2 – الضلالات الموجودة في أعياد الكفار:
أعياد الكفار هي تعبير ديني واجتماعي عن دين وأخلاق هؤلاء الكفار، فلا يخلو عيد من أعيادهم من اجتماع كثير من الضلالات فيه؛ ومنها:
أ – العقائد الكافرة: فغالب أعياد الكفار مبنية على عقائد كفرية كاعتقاد النصارى في احتفالهم بعيد مولد عيسى عليه السلام بأنه مولد ابن الرب المخلص للبشرية من خطيئة آدم الذي صلبه وقتله اليهود، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وعيد النيروز يرجع أصله إلى الزرادشتية وهي ديانة من ديانات المجوس الفرس تقدس عناصر الطبيعة كالشمس والنار، ولذلك فهم يحتفلون بالنيروز عند اعتدال الشمس في الربيع.
ب – الطقوس الشركية والمنحرفة: لكل عيد أعمال وممارسات تتعلق به؛ وكثير من أعياد الكفار لها طقوس شركية أو أعمال متعلقة بأديانهم الباطلة؛ مثل تصدير النصارى لشخصية بابا نويل فيما يسمونه أعياد الميلاد، وما يسمونه القديس فالنتين في عيد الحب، وتلوين البيض وأكل السمك في شم النسيم كعلامة على فطر النصارى من صومهم عن أكل الحيوان ومشتقاته..
ج – الفحش: حيث تقوم كثير من أعياد الكفار على شرب الخمور وممارسة الفواحش والانحلال الخلقي والسعار البهيمي، فهي عندهم مواسم للتفلت التام من بقايا المروءة والأخلاق.
د – الاعتزاز بالباطل: فالكفار يجعلون من أعيادهم فرصة للظهور المتكبر والعلو على الناس والافتخار بأباطيلهم ودياناتهم ودولهم وتاريخهم وعاداتهم..، حتى أثر ذلك على كثير من المجتمعات وأصبح المعتز بإسلامه غير المبالي بأعياد الكفار مستهجنا عند بعض الناس.
3 – موقف المسلم من أعياد الكفار:
الدنيا معركة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، يكيد فيها الكفار كيدا ويمكرون مكرا كبارا وينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ويودون عنتنا ولا يرقبون فينا إلا ولا ذمة؛ فهم أعداء نجس سفهاء، ودين المسلم هو أغلى ما يملكه في هذه الحياة وفي تلك المعركة، فهم يعملون على إضلاله وإغوائه لينحط معهم في درك الشرك والشقاء، وهو يعتز بدينه ويدافع عن عقيدته ويزن بالإيمان والتوحيد كل ما يعتريه في مسيرته في الحياة الدنيا، ومن هذا المنطلق العقدي الواضح يكون موقفه من أعياد الكفار كما يلي:
أ – بغض أعياد الكفار: فأعياد الكفار عبادات شيطانية تجب البراءة منها وبغضها وعداوتها، كما قال تعالى: (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)، وكما أخبر سبحانه عن قول إبراهيم الخليل ومن معه لقومهم: (إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ).
ب – اعتزال أعياد الكفار: فأماكن إقامة تلك الأعياد هي أماكن إقامة المنكر وفعل السوء، والمسلم مأمور باعتزال تلك الأماكن وعدم الجلوس فيها، كما قال إبراهيم الخليل: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا)، وقال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)، وقال جل وعلا: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا).
ج – العمل على منع ظهور شعائرها في المجتمع المسلم: أعياد الكفار من المنكر الذي لا يجوز ظهوره في مجتمع المسلمين، وعلى من أقام في بلاد المسلمين من الكافرين مراعاة حرمات الإسلام فلا يظهرون فيها شعائر كفرهم ودينهم، بل يتخفون بها في دورهم ومعابدهم، وهذا المنع هو من ظهور الإسلام على ملل الكفر، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، وقال صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم.
وقد نقل ابن القيم الشروط العمرية في كتاب أحكام أهل الذمة وقال عنها: “شهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها”، وفيها أن أهل الكتاب أقروا في جزيتهم بقولهم: “ألا نضرب بنواقيسنا إلا ضربا خفيا في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليبا، ولا ترفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون، وألا نخرج صليبا ولا كتابا في سوق المسلمين، وألا نخرج باعوثا -قال: والباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر- ولا شعانين، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين”، فالواجب ألا تقام أعياد الكفار في ديار الإسلام بالأماكن العامة، وينكر ما ظهر من ذلك حسب فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعروف في مظانه.
4 – خطورة المشاركة في أعياد الكفار:
كما زين الشيطان للكفار أعيادهم وصدهم عن السبيل المستقيم، فإنه يزين لبعض المسلمين تلك الأعياد ليصيبهم من شؤمها وشرورها ما يبعدهم عن الصراط المستقيم ليتبعوا سنن المغضوب عليهم والضالين، فعلى المسلم الحذر من إضلال الشيطان وإغوائه وتزيينه لتلك الأعياد الجاهلية الباطلة التي أبطلها الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه» رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع» رواه مسلم، ومن أخطر صور المشاركة في تلك الأعياد:
أ – التهنئة بأعياد الكفار: الأصل في التهنئة أنها دعاء للشخص بالبركة فيما أصابه من خير أو نعمة، قال ابن حجر في رسالته عن التهنئة: “يستدل لعموم التهنئة لما يحدث من النعم أو يندفع من النقم سجود الشكر لمن يقول به وهو الجمهور”، وجاء في المعجم الاشتقاقي: “التهنئة بالولاية والأمر خلاف التعزية؛ إذ هي دعاء أو تمنٍّ بأن ما دخل حوزته من خير – يطيب له فلا يعسر ولا يشقيه”.
فمن البدهي أن التهنئة تكون على الخير والنعم لا على الشرور والنقم؛ ولذا تكثر تهاني المسلمين في الأعياد الإسلامية وعند الزواج والولادة والنجاح..، أما أعياد الكفار فهي شرور وضلال وكفر وفسوق وعصيان، فكيف يهنئهم المسلم على ذلك ويشجعهم على الاحتفال بها؟!
وقد نقل ابن القيم في كتابه أحكام أهل الذمة الاتفاق على حرمة تهنئتهم بأعيادهم، فقال: “وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق؛ مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه”.
وقال الحطاب الرعيني المالكي في مواهب الجليل نقلا عن البلقيني: “سئل عن مسلم قال لذمي في عيد من أعيادهم: عيد مبارك عليك. هل يكفر أم لا؟ فأجاب: إن قاله المسلم للذمي على قصد تعظيم دينهم وعيدهم فإنه يكفر، وإن لم يقصد ذلك وإنما جرى ذلك على لسانه فلا يكفر لما قاله من غير قصد”.
ومن التهنئة التهادي معهم في أعيادهم تلك فهو في الأعياد تهنئة وزيادة، نقل الونشريسي في المعيار المعرب عن علماء المالكية كيحيى الليثي وسحنون قولهم: “لا تجوز الهدايا في الميلاد من نصراني ولا من مسلم، ولا إجابة الدعوة فيه”.
ب – حضور أعياد الكفار والاحتفال بها: وهذا تشبه بأهل الكفر، وتعاون على الإثم والعدوان، ومشاركة في الضلال والعصيان، وقد قال تعالى: (وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)، وقال سبحانه: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)، وقال جل وعلا: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) ومن أعظم الزور تلك الأعياد القائمة على الشرك بالله جل وعلا والفسوق عن أمره، قال الواحدي في تفسيره: “معنى {الزُّور} هاهنا: الشرك بالله في قول أكثر المفسرين؛ وهو قول ابن عباس في رواية عطاء، ومقاتل، والضحاك. ونحو هذا قول من فسر: {الزُّور} بأعياد المشركين، وهو قول الضحاك، فيما روى عنه حسين بن عقيل، وقول مجاهد، فيما روى عنه يحيى بن اليمان. ونحو هذا قال ابن سيرين؛ هو: الشعانين. قال أبو إسحاق: الذي جاء في الزور أنه الشرك جامع لأعياد النصارى وغيرها”.
وقال جل وعلا: (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) فالفرح إنما يكون بأعياد المسلمين التي تفضل الله بها عليهم لا بأعياد الكافرين، قال صلى الله عليه وسلم: «إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا» متفق عليه. ولقد «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر» رواه أبو داود، قال المظهري الحنفي في شرح المصابيح: “يعني: اتركوا هذين اليومين، يعني: النَّيْرُوْز والمَهْرجان، وخذوا واقبلوا بَدَلَهُما يومَ الأضحى ويوم الفطر، وهذا يدل على أن تعظيم يومَ النَّيْرُوز والمَهْرَجَان وغيرهما مما لم يأمر الشَّارِعُ به لا يجوز”.
– وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى مساكن الظالمين الهالكين إلا باكين فكيف بالدخول إلى أعياد الكفار المجرمين؟!، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم» متفق عليه.
– وقد أورد البيهقي في سننه عددا من الآثار عن الصحابة في النهي عن الدخول على الكفار في أعيادهم، منها قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم”، وقوله: “اجتنبوا أعداء الله في عيدهم”، وقول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: “من بنى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة”.
– ومن تأمل شريعة الإسلام علم كيف حرصت على مخالفة الكفار وعدم مشابهتهم في عامة الشؤون حتى من غير قصد التشبه؛ كالنهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس لسجود الكفار لها، والأمر بتوفير اللحى وإحفاء الشوارب مخالفة للمشركين، وصيام التاسع مع عاشوراء مخالفة لليهود، والنهي عن اشتمال الثوب كاشتمال اليهود..، وغير ذلك كثير.
بل لقد ورد النهي عن الوفاء بالنذر بمكان كان فيه عيد من أعياد الجاهلية، فقد “نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟» قالوا: لا، قال: «هل كان فيها عيد من أعيادهم؟»، قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم»” رواه أبو داود.
قال ابن تيمية: “أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟ أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها..؟ إن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره”.
– وقد كتب الذهبي رسالة في الإنكار على من تشبه بالكفار في أعيادهم اسمها تشبيه الخسيس بأهل الخميس، جاء فيها: “كيف يسوغ لمسلم إظهار شعائرهم الملعون من خضاب الأولاد، وصباغ البيض..، قال العلماء: ومن موالاتهم التشبُّه بهم، وإظهارُ أعيادهم، وهم مأمورون بإخفائها في بلاد المسلمين، فإذا فعلها المسلم معهم فقد أعانهم على إظهارها، وهذا منكرٌ وبدعةٌ في دين الإسلام، ولا يفعلُ ذلك إلا كل قليل الدين والإيمان..، وأيُّ منكر أعظم من مشاركة اليهود والنصارى في أعيادهم ومواسمهم، ويصنع كما يصنعون من خبز الأقراص، وشراء البخور، وخضاب النساء والأولاد، وصبغ البيض، وتجديد الكسوة، والخروج إلى ظاهر البلد بزيِّ التبهرج وشُطوط الأنهار..، فإن في هذا إحياء لدين الصليب، وإحداث عيد، ومشاركة المشاركين، وتشبهًا بالضالين”.
– وسئل ابن رشد المالكي كما في مسائله: “هل يحل عمل شيء من هذه الملاعب التي تصنع في النيروز من الزفافات والكمادين وما يشبهها، وهل ثمنها حلال لصانعها أم لا؟ فأجاب على ذلك بأن قال: لا يحل عمل شيء من هذه الصور، ولا يجوز بيعها، ولا التجارة بها، والواجب أن يمنعوا من ذلك”.
– وقال ابن الحاج المالكي في المدخل: “وقد جمع هؤلاء بين التشبه بهم فيما ذكر والإعانة لهم على كفرهم فيزدادون به طغيانا؛ إذ إنهم إذا رأوا المسلمين يوافقونهم أو يساعدونهم أو هما معا، كان ذلك سببا لغبطتهم بدينهم ويظنون أنهم على حق..، فعلهم في يوم النيروز فإنهم فيه منهتكون؛ لأنهم نزعوا فيه ثيابهم وخلعوا فيه جلباب الحياء عنهم فتجد بعضهم عريانا عدا المئزر وآخر عليه خلقة أو قميص رفيع للمحتشم أو المحتشمة منهم فإذا أتى عليه الماء صار كأنه عريانا.. فما أقبح هذا وأشنعه عند من يعتقد الإسلام ويدين به كائنا ما كان، فمن كان باكيا فليبك على غربة الإسلام وغربة أهله ودثور أكثر معالمه”.
وقال الدردير المالكي في الشرح الكبير: “اللعب في يوم النيروز وهو أول يوم من السنة القبطية مانع من قبول الشهادة، وهو من فعل الجاهلية والنصارى، ويقع في بعض البلاد من رعاع الناس”.
وقال الجمل الشافعي في شرح المنهج: “يعزر من وافق الكفار في أعيادهم”.
ج – تعظيم أعياد الكفار: أخطر أنواع المشاركة في أعياد الكفار ما يكون تعظيما لها، والتهنئة بتلك الأعياد وحضورها والاحتفال بها لا تخلو من نوع تعظيم، والتعظيم يتفاوت، فمنه ما يكون تعظيما للهو واللعب، ومنه ما يكون تعظيما لدنياهم وعاداتهم، ومنه ما يكون تعظيما لدينهم وافتتانا بسبيلهم، فالحذر الحذر فإن الشر يهدي للشرور، قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً).
قال علاء الدين الحصكفي الحنفي في الدر المختار: “الإعطاء باسم النيروز والمهرجان لا يجوز، أي الهدايا باسم هذين اليومين حرام، وإن قصد تعظيمه كما يعظمه المشركون يكفر، قال أبو حفص الكبير: لو أن رجلا عبد الله خمسين سنة ثم أهدى لمشرك يوم النيروز بيضة يريد تعظيم اليوم فقد كفر وحبط عمله. اهـ، ولو أهدى لمسلم ولم يرد تعظيم اليوم بل جرى على عادة الناس لا يكفر، وينبغي أن يفعله قبله أو بعده نفيا للشبهة، ولو شرى فيه ما لم يشتره قبل إن أراد تعظيمه كفر، وإن أراد الأكل كالشرب والتنعيم لا يكفر”.
5 – تنبيهات:
أ – يختلط عند بعض الناس البر والقسط لمن لم يقاتلنا في الدين ولم يخرجنا من ديارنا مع المداهنة في العقيدة والتنازل عن الثوابت؛ فالبر والصلة والمكافأة بالمعروف والعدل شيء غير الإقرار على الكفر والضلالة والمشاركة فيهما والفرح بهما فتلك أمور من الموالاة المحرمة والمداهنة في الدين المذمومة.
ب – الغالب على أعياد الكفار أنها أعياد ذات صبغة دينية كعيد ميلاد المسيح عليه السلام، وقد توجد أعياد ذات صبغة دينية وقومية ككثير من أعيادهم الوطنية والقومية التي يفتخرون فيها بانتصار دولهم ودينهم وعظمائهم، وقد توجد عندهم أعياد اجتماعية كعيد الأم وعيد الزواج وأعياد الميلاد الشخصية، وكلها لا تخلو من منكرات ولكنها دركات متفاوتة؛ فكلما ارتبط عيدهم بدينهم وكفرهم كان أشنع، وكانت عداوته والبراءة منه أوجب، والمشاركة فيه أضل.
ج – من الجهل الخلط بين تهنئة الكفار بأعيادهم والتي تتابع العلماء على التحذير منها والنهي عنها وبيان خطورتها، وبين مسألة أخرى بعيدة عنها اختلف فيها الفقهاء وهي حديث بعضهم عن تهنئة بعض الكفار غير الحربيين بكلمات لا محظور فيها في مناسباتهم السعيدة الجائزة “وليس بأعيادهم” كزواج أحدهم وقدوم مولود له تأليفا لقلوبهم، فالفرق بين المسألتين كبير.
د – في زمن تسلط الأعداء وانتشار الغربة وكثرة الجهل، فإن الغالب على من يقع في محظورات تتعلق بتلك الأعياد من المسلمين أنه يقع فيها عن جهل وغفلة عن حقائقها لا عن معاندة للشرع وتنكب عن الطريق، فالواجب توعية المسلمين لخطورة أعياد الكفار على الدين والأخلاق، عسى الله أن يجعل في ذلك دحرا للكفر وقمعا لشعائره.
والحمد لله رب العالمين
هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٣٢ جمادى الآخرة ١٤٤٣ هـ