الشيخ: أبو شعيب طلحة المسير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد؛
فإن من أظهر أسس الثورة السورية التي ترسخت مع أيامها وسنينها المتتابعة أنها معركة طائفية بين المسلمين والباطنية، اصطف فيها المسلمون مع مسلمي سوريا، واصطف المجرمون مع النصيرية، وهي امتداد لصراع تاريخي بين الطائفتين ممتد منذ أكثر من ألف سنة.
وقد روج الأعداء في القرن الماضي مفاهيم قومية ووطنية تحاول خداع المسلمين لصرف نظرهم عن حقيقة الصراع الديني فيتمكن الكفار من الاستيلاء على ديار الإسلام ومحاربة المسلمين، ومن أبرز هؤلاء الكفار الذين استخدموا المزاعم القومية لتحقيق مآربهم الخبيثة الدروز والنصيرية في فلسطين ولبنان وسوريا؛ حيث ارتكبت الطائفة الدرزية في فلسطين ولبنان والطائفة النصيرية في سوريا، فظائع ومجازر تشيب من هولها الولدان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقد كرر مؤخرا بعض الوظيفيين السماعين للأعداء تلك الدعاوى القومية الكاذبة، زاعمين أن الصراع في سوريا ليس دينيا ولا طائفيا!، وأن الثورة قامت بها كل الطوائف!، وأنه لا بد من احترام معتقدات الدروز والنصيرية.. إلخ، وأمام هذا التضليل كان هذا التذكير.
* الباطنية:
هم طوائف تعتقد بوجود ظاهر وباطن للشريعة؛ فتؤول الظاهر تأويلات كفرية شركية تؤله وتعبد غير الله جل وعلا، وتُعرض عن الشريعة فلا تلتزم أداء الفرائض ولا تحريم المحرمات، وتوالي الكفار على المسلمين، وهم في الحقيقة كما في مجموع فتاوى ابن تيمية: “لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللهِ وَلَا بِرَسُولِهِ وَلَا بِكِتَابِهِ وَلَا بِأَمْرِ وَلَا نَهْيٍ وَلَا ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَلَا جَنَّةٍ وَلَا نَارٍ وَلَا بِأَحَدِ مِنْ الْمُرْسَلِينَ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِمِلَّةِ مِنْ الْمِلَلِ السَّالِفَةِ”، ظهروا زمن العباسيين على يد حمدان بن قرمط وعبد الله بن ميمون القداح، وتشكلوا مع الأيام في طوائف كثيرة أبرزها الإسماعيلية والقرامطة والنصيرية والدروز.
* خطر الباطنية:
قال عبد القاهر البغدادي المتوفى سنة 429هـ في كتابه الفرق بين الفرق: “ضَرَر الباطنية على فرق الْمُسلمين أعظم من ضَرَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى والمجوس عَلَيْهِم، بل أعظم من مضرَّة الدهرية وَسَائِر أَصْنَاف الْكَفَرَة عَلَيْهِم، بل أعظم من ضَرَر الدَّجَّال الذي يظْهر فِي آخر الزَّمَان؛ لِأَن الَّذين ضلوا عَن الدين بدعوة الباطنية من وَقت ظُهُور دعوتهم إلى يَوْمنَا أكثر من الَّذين يضلون بالدجال في وَقت ظُهُوره؛ لأن فتْنَة الدَّجَّال لَا تزيد مدَّتهَا على أربعين يَوْمًا وفضائح الباطنية أكثر من عدد الرمل والقطر”، فكم عدد جرائمهم اليوم بعد ألف سنة من وفاته وقد كان عددها يومها أكثر من عدد الرمل؟!!
* حكم الدروز والنصيرية وإخوانهم في الباطنية:
الدروز والنصيرية وإخوانهم في الباطنية وإن اختلفت أسماؤهم فهم في مجملهم زنادقة يزعمون علنا أنهم مسلمون، وينطقون بالشهادتين، ومع ذلك يعتقدون عقائد كفرية يعلمون يقينا أن ظاهر القرآن ينقضها، ويعرضون الإعراض المطلق عن أحكام الإسلام..، فيجمعهم أنهم طوائف كفر وشرك وردة تتابع العلماء على ذكر كفرهم، وشركهم، ومعاداتهم للإسلام، وموالاتهم للكفار، ووصفوا بدقة حقيقة نحلهم.
والحكم على هذه الطوائف بالردة يشمل خاصتهم وعامتهم، والممتنع منهم والمقدور عليه، ويشملهم كطائفة وكأفراد معينين.
وقد ذكر العلماء أن هذه الطوائف الباطنية لا تقر على جزية بالاتفاق، قال مفتي الشام العمادي المتوفى سنة 1051 هـ، في فتواه عن الدروز: “عقائد طائفة الدُّروز والتيامِنة لعنهما الله تعالى المكتوبة في كتبهم المنهوبة منهم، وما نُقل إلينا بالتَّوارثِ والتَّواتر المستفيضِ عنهم، وما ذكره العلماءُ قَبلنا في فتاويهم، وفي الرَّسائل المؤلَّفة فيهم: أنهم يَنتحلون عقائدَ النُّصيريَّة والإسماعيليَّة كالقَرامِطَةِ والباطنيَّة. وهم الذين ذكرهم صاحبُ المواقف في الفِرق الضَّالَّة، وشَرَحَ شنيعَ مقالاتِهم، التي هي على فظيعِ كفرهم دالَّةٌ.
وجميعُ الطَّوائف المذكورة زنادِقةٌ ملاحِدَة، وهم مُتقارِبونَ في الاعتقاد، ومِلَّتُهم في الكفر واحدةٌ.
وقد صرح قاضي القضاة ابن العز، والشيخ برهان الدين بن عبد الحق من السادة الحنفية، والشيخ صدر الدين بن الزملكاني، والشيخ البلاطنسي، والشيخ جمال الدين الشربيني من السادة الشافعية، والشيخ صدر الدين بن الوكيل من السادة المالكية، وشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية من السادة الحنابلة، في فتاويهم، وغيرُهم من أئمة المسلمين، رحمة الله عليهم أجمعين:
– أن كفر هؤلاء الطوائف مما اتفق عليه المسلمون، وأن من شك في كفرهم، فهو كافر مثلهم.
– وأنهم أكفر من اليهود والنصارى؛ لأنهم لا تحل مناكحتهم، ولا تؤكل ذبائحهم بخلاف أهل الكتاب.
– وأنه لا يجوز إقرارهم في ديار الإسلام بجزية ولا بغير جزية”.
وقد أكد ابن عابدين في حاشيته قول العمادي فقال: “يعلم مما هنا حكم الدروز والتيامنة فإنهم في البلاد الشامية يظهرون الإسلام والصوم والصلاة، مع أنهم يعتقدون تناسخ الأرواح وحل الخمر والزنا، وأن الألوهية تظهر في شخص بعد شخص، ويجحدون الحشر والصوم والصلاة والحج، ويقولون المسمى به غير المعنى المراد، ويتكلمون في جناب نبينا صلى الله عليه وسلم كلمات فظيعة، وللعلامة المحقق عبد الرحمن العمادي فيهم فتوى مطولة، وذكر فيها أنهم ينتحلون عقائد النصيرية والإسماعيلية الذين يلقبون بالقرامطة والباطنية الذين ذكرهم صاحب المواقف، ونقل عن علماء المذاهب الأربعة أنه لا يحل إقرارهم في ديار الإسلام بجزية ولا غيرها”.
* هل تقبل توبتهم:
توبة المرتد تكون بالشهادتين مع الإقرار بما أدى إنكاره له للردة، فإذا أراد الباطني أن يتوب؛ فلا تكفي الشهادتين ولا دعواه أنه مسلم في توبته، بل لا بد مع ذلك من التبرؤ من عقائد الطائفة الباطنية التي كان ينتسب لها، فإذا أعلن الباطنية توبتهم من الكفر الذي هم فيه وعقائد طائفتهم التي كانوا ينتسبون لها؛ فالأصل في الدنيا قبول توبة عامتهم، وقد قبل أبو بكر الصديق رضي الله عنه توبة من تاب من المرتدين، وهذا مذهب الشافعي في الباطنية وخالفه بعض الفقهاء، قال الشافعي في الأم: “قال آخَرُ منهم…: إِنْ رَجَعَ إلَى دِينٍ يَسْتَخْفِي بِهِ كَالزَّنْدَقَةِ وما يُستخفى بِهِ قَتَلْته، وَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ لم أَقْبَلْهَا، وَأَحْسِبُهُ سَوَّى بين من وُلِدَ على الْإِسْلَامِ وَمَنْ لم يُولَدْ عليه، (قال الشَّافِعِيُّ): فَوَافَقَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا من الْمَدَنِيِّينَ وَالْمَكِّيِّينَ وَالْمَشْرِقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ من أَهْلِ الْعِلْمِ في أَنْ لَا يُقْتَلَ من أَظْهَرَ التَّوْبَةَ، وفي أَنْ يسوى بين من وُلِدَ على الْإِسْلَامِ وَمَنْ لم يُولَدْ عليه، وَدَانَ دِينًا يُظْهِرُهُ أو دِينًا يَسْتَخْفِي بِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذلك كُفْرٌ”.
– أما زعماء الزنادقة الذين كادوا للإسلام بشدة وأشباههم، فالأمر يخضع لاجتهاد مجتهدي المسلمين؛ فيمكنهم قبول توبتهم في الدنيا، ويمكنهم كذلك عدم قبولها وقتلهم على زندقتهم، والأصل في ذلك حادثة عبد الله بن أبي سرح؛ حين ارتد وأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، وجاء ابن أبي سرح ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم فامتنع النبي عليه الصلاة والسلام عن بيعته لحظات ثم بايعه، فكان دمه مهدورا قبل قبول البيعة معصوما بعدها، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: “لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلاَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَسَمَّاهُمْ وَابْن أَبِى سَرْحٍ…، قَالَ: وَأَمَّا ابْنُ أَبِى سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ بَايِعْ عَبْدَ اللهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاَثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاَثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ. فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلاَ أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ، قَالَ: إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ” رواه أبو داود.
– ولو قبلت توبتهم فهل يؤاخذون على الجنايات التي ارتكبوها أثناء تحيزهم وحربهم للمسلمين، في المسألة خلاف؛ ففي الأم للشافعي: “وَلَوْ كَانُوا ارْتَدُّوا عن الْإِسْلَامِ قبل فِعْلِ هذا ثُمَّ فَعَلُوهُ مُرْتَدِّينَ ثُمَّ تَابُوا لم نُقِمْ عليهم شيئا من هذا؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ مُمْتَنِعُونَ، قد ارْتَدَّ طُلَيْحَةُ فَقَتَلَ ثَابِتَ بن أَقْرَمَ وَعُكاشَة بن مُحْصِنٍ بيده ثُمَّ أَسْلَمَ فلم يُقَدْ منه ولم يَعْقلْ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذلك في حَالِ الشِّرْكِ وَلَا تَبَاعَةَ عليه في الْحُكْمِ…، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ في مَوْضِعٍ آخَرَ: إذَا ارْتَدَّ عن الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَتَلَ مُسْلِمًا مُمْتَنِعًا وَغَيْرَ مُمْتَنِعٍ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ بِالرِّدَّةِ إنْ لم تَزِدْهُ شَرًّا لم تَزِدْهُ خَيْرًا، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ”، ولعل القول الأول بشروطه أولى.
– أما لو كانت توبة هؤلاء بعد الأسر والقدرة عليهم فتجوز مفاداتهم بأسرى مسلمين، أو أخذ فدية، أو حبسهم، أو العفو عنهم، حسب المصلحة، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: “كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِي عُقَيْلٍ، فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي الْوَثَاقِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ. فَأَتَاهُ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِي وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟ فَقَالَ إِعْظَامًا لِذَلِكَ: أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ. ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَقِيقًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ. قَالَ: لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلاَحِ… فَفُدِيَ بِالرَّجُلَيْنِ” رواه مسلم.
– وسنة حكام المسلمين الصالحين القادرين على قتالهم عبر التاريخ هي أنهم كانوا يقاتلون الدروز والنصيرية وسائر الباطنية قتال المرتدين، ويكثرون النكاية فيهم، حتى إذا أعلنوا التوبة، والرجوع للإسلام، والانقياد للشريعة، والبراءة من طوائفهم الباطنية، فرقوا شملهم، وبنوا المساجد في قراهم، وأرسلوا من يعلمهم الدين ويلزمهم به، ومع ذلك فعادتهم الغدر والخيانة، وينبغي دوام الحذر منهم، قال محمد كرد علي في خطط الشام: “ولقد زيّن بعض عمال السلطنة العثمانية للسلطان عبد الحميد الثاني أن يبني جوامع ومساجد في جبال النصيرية وجبل الدروز عسى أن يثوب أهلها إلى مذهب أهل السنة والجماعة، بنيت عدة جوامع في هاتين المقاطعتين، منها أربعون جامعا في جبال العلويين، على أمل أن يعود النصيرية والدروز إلى التسنن، فأصبح بعضهم يصلون شبه مكرهين، فلما آنسوا ضعف الحكومة بعد مدة قليلة أتى جهلاء النصيريين والدروز على ما بني من مساجد الجديدة ودمرها عن آخرها، ودنسوا كرامتها بما لا يليق…، وقد كان الظاهر بيبرس في القرن السابع أمر أن تبنى لهم جوامع في قراهم فبنوا في كل قرية جامعاً، وما كانوا يدخلونها على عهد ابن بطوطة في القرن التاسع، بل كانت حظائر للغنم وإصطبلات للدواب، وأمر السلطان قلاوون أيضاً أن يبنى جامع في كل قرية من قرى النصيرية، وهكذا فعل عبد الحميد الثاني من العثمانيين فبنى لهم جوامع لم يلبثوا أن خربوها وأهانوها”..
* مهادنتهم أو ترك التعرض لهم عند الضرورة الملحة:
الأصل الذي يجب العمل به هو أن المرتدين الذين ظلوا على ردتهم يجب قتلهم ولا يجوز إعطاء الأمان لهم، ولا يخاف المسلمون فيهم لومة لائم، وهذا من حفظ حدود الله جل وعلا، ومن تعظيم شعائره سبحانه وتعالى، قال تعالى في الأمر بإقامة بعض الحدود: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ)، وقال جل وعلا: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
وهذا الأصل الواجب يعتريه ما يعتري بعض الواجبات من عجز حقيقي وضرورة معتبرة شرعا تؤدي لمهادنة بعضهم مؤقتا وعدم التعرض لهم بعض الزمن كفا لشرهم أو انشغالا بمن هو أضر منهم أو ما شابه ذلك..، قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شيء فَدَعُوهُ” متفق عليه.
وقد نص بعض الفقهاء على جواز موادعة بعض المرتدين الذين غلبوا على بعض ديار الإسلام للضرورة، فقد ذكر ابن الهمام الحنفي في فتح القدير أنه إذا: “غَلَبَ الْمُرْتَدُّونَ عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِ الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِمُوَادَعَتِهِمْ عِنْدَ الْخَوْفِ”. قال ابن شداد في النوادر السلطانية: “ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وفيها قصد السلطان بلد الإسماعيلية في قلعة مصياف، فأرسل سنان مقدم الإسماعيلية إلى خال صلاح الدين وهو شهاب الدين الحارمي صاحب حماة، يسأله أن يسعى في الصلح، فسأل الحارمي الصفح عنهم، فأجابه صلاح الدين إلى ذلك وصالحهم ورحل عنهم”.
وينبغي هنا التنويه على مسائل:
* إحداها: أن الإقدام عند الضرورة الشرعية على مهادنة أو ترك التعرض لمن وجب في الأصل قتاله، ليس من باب التنازلات الذميمة، والمداهنات في الدين، بل هذا إعمال لنصوص الشرع الشريف، أما كون بعض الفاسقين يستخدم نفس هذه الأدلة في تقديم التنازلات الذميمة، فهذا ينكر عليه تلاعبه بنصوص الشريعة وعدم انضباطه.
* الثانية: أن تقدير المصلحة في الحالات الاستثنائية التي يعمل فيها بخلاف الأصل ليس بالتشهي، بل لا بد من التحري والتقدير والنظر والتدبير ممن هم أهل لهذا الأمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة” متفق عليه.
* الثالثة: العجز والضرورة الشرعية قد يسقط بعض الواجب، ولكن العجز ليس مفخرة نرفعه فوق رؤوسنا، ونتباهى به أمام الكفرة والفجرة أننا قد اقتربنا من مبادئهم ونُظمهم؛ بسبب عجزنا وقدرتهم، وضعفنا وقوتهم، وأن سوريا للجميع لا مجال فيها للضغائن والأحقاد! وتُحترم فيها معتقدات الطوائف!، إلى غير ذلك من كذب وافتراء وتحريف للشريعة وتضليل للمسلمين وخيانة لدماء الشهداء.
كلا أيها القوم، إننا نخاطب أعداء الإسلام موضحين لهم أننا: “لن نتدسس إليهم بالإسلام تدسسًا، ولن نربت على شهواتهم وتصوراتهم المنحرفة، سنكون صرحاء معهم غاية الصراحة:
– هذه الجاهلية التي أنتم فيها نجس، والله يريد أن يطهركم.
– هذه الأوضاع التي أنتم فهيا خبث، والله يريد أن يطيِّبكم.
– هذه الحياة التي تحيونها دون، والله يريد أن يرفعكم.
– هذا الذي أنتم فيه شقوة وبؤس ونكد، والله يريد أن يخفف عنكم ويرحمكم ويسعدكم” [معالم في الطريق لسيد قطب].
* أسأل الله أن ينتقم من الباطنية ومن والاهم، وأن يطهر البلاد من رجزهم ورجسهم، والحمد لله رب العالمين.
لتحميل نسخة من مجلة بلاغ اضغط هنا
لمتابعة بقية مقالات مجلة بلاغ العدد 18 اضغط هنا