ما بين جدل الخبراء الألمان حول خيارات الردع وحديث البعض عن مشاريع في المحرر – كتابات فكرية – مقالات مجلة بلاغ العدد ٥٧ – رجب ١٤٤٥ هـ

الأستاذ: حسين أبو عمر

في ألمانيا، ومنذ مدة، هنالك جدل محتدم بين خبراء السياسة والدفاع والأمن حول خيارات الدفاع وكيفية تحقيق الردع. الذي أشعل الجدل هو اقتراب الانتخابات الأمريكية، وازدياد فرص ترامب بالعودة إلى البيت الأبيض؛ وما يمكن أن تسببه عودته من إضعاف الناتو، والتخلي عن حماية أوروبا، أو إجبارهم على الدفع مقابل الحماية.. شارك في هذا الجدل الساخن شخصيات كبيرة، وطُرحت آراء كثيرة: فمنهم من تحدث عن فكرة سلاح نووي يتبع للاتحاد الأوروبي، ومنهم من تحدث عن توسيع المشروعين النوويين الفرنسي والبريطاني ليشكل مظلة تحمي أوروبا، واقترح بعضهم فكرة تطوير سلاح نووي ألماني، وبعضهم طرح فكرة حاملة طائرات تتبع للاتحاد الأوروبي، والبعض الآخر طرح فكرة التجنيد الإجباري وتحدث عن تهيئة المجتمع والاقتصاد للحرب، وبعضهم اقترح زيادة الإنفاق على التسليح، وضرورة التسلح…؛ طُرحت أفكار كثيرة، والكل مجمع على خطورة الوضع، وعلى ضرورة الاستعداد وتحقيق الردع.

طرح كل هذه الاستراتيجيات المشروعة والغير مشروعة يؤكد نظرة ستيفن والت، السياسي الأمريكي الشهير، وأستاذ العلاقات الدولية أن “الدول تحت شعورها بالتهديد الخارجي الذي يستهدف أمنها أو مصالحها أو وجودها تلجأ إلى انتهاج كل الاستراتيجيات الممكنة سواءً كانت استراتيجيات مشروعة أم لا”.

والتساؤل هنا: هل فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية محتَّم، وهل يمكن أن يرفع ترامب المظلة النووية والحماية عن أوروبا؛ ليعيش هؤلاء الخبراء هذه الحالة من الرُهاب، وليشتعل كل هذا الجدل؟!

نيكو لانغ، مسؤول سابق في وزارة الدفاع الألمانية، وزميل كبير في «مؤتمر ميونيخ للأمن MSC»، وفي «مركز تحليل السياسات الأوروبية CEPA» في مقابلة مع محطة (BR 24) قال: “ليس من السهل على الكثيرين تفهم أن قضايا الدفاع تتعلق بتوقع الأسوأ والاستعداد له، ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تؤدي حقًا إلى أمان موثوق به”.

وكذلك كتب على صفحته على (منصة X) فولفغانغ إشنغر، الرئيس الأسبق لـ«مؤتمر ميونيخ للأمن»: “ينبغي للتخطيط الاستراتيجي المسؤول أن يأخذ في الاعتبار -دائمًا- أسوأ السيناريوهات حتى وإن بدت غير محتملة إلى حد كبير”.

هكذا يفكر كل العقلاء، وهكذا تتعاطى الأمم الحيَّة والنخب المسؤولة مع واقعها ومع ما يهدد بلدانها من مخاطر.

أما عندنا، حيث لا يجادل مراقب عاقل -بل وباعتراف المتسلطين على الساحة أنفسهم- في أن تفاهمات الأتراك السياسية، ومصالح الروس معهم، هي من منعت سقوط المناطق المتبقية معنا، وأن ما يمنع النظام المجرم وحلفاءه من السيطرة على هذه المناطق هو تفاهماتهم مع الأتراك، كما لا يشك عاقل في أن احتمالية تبدل هذا الواقع، ووقوع المخاطر عندنا أعلى بكثير من احتمالية وقوع شيء من المخاطر بالقرب من ألمانيا؛ ومع ذلك يعيش الخبراء الألمان، ومعهم الساسة والجيش، تلك الحالة، بينما يعيش الناس عندنا هذه اللامبالاة!! -سيقول الخائنون للأمانة: وأين التوكل والثقة بالله؟- يعتبرون التفريط في أوامر الله وخيانة الأمانة من التوكل!! يقول أبو مصعب السوري -رحمه الله حيا كان أو ميتا- في «إدارة وتنظيم حرب العصابات»: “يعتبرون البطالة والهمل من التوكل، والكسل والخمول ليس من التوكل”.

الألمان، وهم على ما هم عليه من الاستقرار والتقدم وما يملكون من تحالفات وإمكانيات، يتحدثون عن عسكرة المجتمع وتهيئته للحرب، بينما عمل المتسلطون عندنا، ومازالوا، على دفع المجتمع إلى حياة الركون، وإبعاده عن العسكرة، بل وحاولوا مراراً سحب السلاح منه!!

بالرغم من أن النظام المجرم لا يبعد عن غالبية المناطق الحيوية والكثافة السكانية سوى عشرة كيلومترات، ولا توجد عوائق طبيعية ولا صناعية تعرقل وصوله إلى هذه المناطق في حال قرر الهجوم عليها، وغياب العمل على مشروع استراتيجي للدفاع عن المحرر، فضلا عن مشروع لتحرير المناطق المحتلة، يتحدث البعض أنهم “أصحاب مشروع”!!.

وأي مشروع هذا الذي لا يملك من عوامل البقاء الذاتية -فضلا عن عوامل التحرير- شيئًا، وبقاؤه مرتبط بالحماية الخارجية؟!

 

بل وأي مشروع هذا الذي يخترقه الأعداء للنخاع، ولسنوات طويلة، من دون أن يستطيع اكتشاف الاختراق؟!

 

وأي مشروع هذا الذي ينخر فيه الفساد حتى العظام، ولا تمر عليه مدة من الزمن إلا وقد سرق أحد المتنفذين فيه مئات آلاف الدولارات -إن لم يكن ملايين- وهرب بها إلى الخارج؟!

 

وهل قامت الثورة من أجل “مشروع” أمني جبائي؛ يُصدر نفسه أمام الدول على أنه ضامن للأمن المحلي، ويعمل على قهر الناس وامتصاص أموالهم بالباطل، وهو بعيد كل البعد عن الحوكمة الرشيدة؟!

Exit mobile version