جمع وترتيب الشيخ: رامز أبو المجد الشامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99].
من كان يعبد رمضان فإنّ رمضان قد انتهى، ومن كان يعبد اللّه فإنّ اللّه هو الذي أمرنا بالعبادة في كلّ وقت وحين في رمضان وفي غير رمضان، حتى يأتينا الموت زائراً لقبض أرواحنا، فلا يكن آخر عهدك بالمساجد هو آخر يوم من رمضان، ولا تترك القرآن مع غروب آخر شمس من رمضان، ولا تفتر عن الذكر مع انقضاء رمضان، ولا تترك عملاً صالحاً إذا رحل رمضان، فرمضان مضى ونحن مُلزَمون في الطاعة إلى نهاية الأعمار.
*رمضان وأثره فينا:
إنّ أعظم أثر يمكن أن يتركه رمضان فينا هو الاستمرار على الطاعة بعد رمضان، والثبات على الطاعات لا يوفق لها إلا من أخلص وأخبت وأناب للّه ربّ العالمين، وإنّ من الوسائل التي تثبت العبد بعد رمضان: كثرة ذكر اللّه سبحانه وتعالى والإقبال على القرآن والعمل بما علمنا مع مداومة النظر في قصص وسير الصالحين وأولهم وأولاهم سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم ففي تلك الوسائل زاد عظيم في الطريق إلى اللّه والثبات عليه.
*رمضان والسير إلى اللّه تعالى:
الطريق إلى اللّه طويلة وشاقة وصعبة وليس المطلوب منا أن نصل إلى نهايتها لكن المطلوب منا أن نثبت ونبقى على هذا الطريق حتى نلقى الله تعالى، وإنّ الطريق إلى اللّه تعالى لا تقطعها الأقدام إنما تقطعها القلوب.
*رمضان والإيمان:
لاشكّ أنّ المؤمن يصيبه فتور وتضعف همته ويقلّ نشاطه، ويحتاج إلى ما يقوي به إيمانه، وتراه كل العام يعارك الشهوات والشبهات، فإذا جاء رمضان نشطت همته وعظمت قوته وزاد الإيمان في قلبه، فلا تراه ينتهي من طاعة إلا ويقبل على طاعة أخرى وبذلك يزداد إيمانه، والإيمان قول وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، قال الإمام البخاري رحمه اللّه: “أدركت ألفاً من أهل العلم كلهم يقولون: أن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي”.
*هجمة الشياطين:
إنّ للشيطان وأعوانه هجمة شرسة بعد رمضان، همهم أن يصرفوك عن الطريق وأن يحرفوك عن سبيل الأبرار والأخيار، فاحذرهم، يقول تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6] فالحذر الحذر أن نعود للمربع الأول قبل رمضان.
*علامة قَبول الطاعة:
ومن علامات قَبول الطاعة أن تهديك لطاعة بعدها ومن علامة ردها والعياذ باللّه أن تعقبها بمعصية، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ} [الليل:10-5].
*رمضان وحال السلف بعد رمضان:
كان السلف بعد رمضان يصيبهم همّ عظيم ألا يتقبل الله منهم فكانوا يسألون الله على مدار ستة شهور أن يتقبل اللّه منهم رمضان، وصحّ عن كثير من الصحابة رضي اللّه عنهم أجمعين أنهم كانوا يتمنون أن يعلموا أنّ اللّه تقبل منهم عملاً واحداً ويقولون: إنما يتقبل الله من المتقين، جاء ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبو الدرداء وغيرهم.
*رمضان حجةٌ لك أو عليك:
من المقرر في شريعتنا الغراء أن اللّه تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، والوسع هو بذل ما تستطيع في مرضاة ربك جلّ جلاله المسلم في رمضان قرأ ختمة للقرآن الكريم ولو مرة واحدة، وصلى قيام الليل (التراويح) في كل ليلة، وذهب إلى صلاة الجماعة أكثر من مرة في كل يوم من أيام رمضان وغيرها الكثير من الأعمال الصالحة، وبهذا يكون رمضان حجة عليك لأن تقوم بنفس الأعمال في كلّ شهر من شهور العام فإن عجزت عن القيام بمثلها فلا تترك جنسها ولو بأقلّ القليل، كأن تصلي وقتاً واحداً في جماعة، وأن تقرأ ولو صفحة واحدة من القرآن الكريم كل يوم، وأن تصلي قيام الليل لو بركعتين خفيفتين فإن عجزت عنهما فلا تعجز عن الوتر، وليكن رمضان حجة لك لا عليك.
*رمضان وستة من شوال:
قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضانَ وأتبعَهُ بستٍّ من شوالَ فكأنما صام الدهرَ» رواه مسلم، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان يعني كعشرة شهور وستة أيام من شوال كشهرين يصبح المجموع عاماً كاملاً وهو كصيام الدهر.
سائلين اللّه أن يعيد علينا رمضان أعواماً عديدة وأزمنة مديدة وقد تحقق للمسلمين ما يريدونه من النصر والفرج والتمكين، إنه وليّ ذلك والقادر عليه، وصلى اللّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد للّه ربّ العالمين.