{لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}

{لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}

فتية من أبناء الأشراف والملوك آمنوا بالله وحده {فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}
قاموا بين يدي ملك جبار متكبر فأعلنوا توحيدهم لله تعالى ونبذهم للشرك وأهله؛ فربط الله على قلوبهم، وألهمهم رشدهم، وآتاهم تقواهم، وصبّرهم على مفارقة ما كانوا فيه من العيش الرغيد: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}.
فتهددهم الملك وتوعدهم وأرجأهم لينظروا في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم فهربوا فرارا بدينهم من الفتنة، فلما أَوَوا إلى الكهف دعوا الله: {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} فبسط الله عليهم من رحمته وسترهم عن قومهم وهيأ لهم ما يرتفقون به {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا} فصاروا في منعة ومأمن من الكفار لا يصلون إليهم.

ثم يصور القرآن الكريم لنا المشهد من زاوية مختلفة تماما لعل القلوب الغافلة أن تستيقظ؛ فيقول لحبيبه صلى الله عليه وسلم: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}.

تأمل:
{لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} ألقى الله عليهم المهابة وحفّهم الله تعالى بالرعب وألبسهم الوقار وأنزل عليهم السكينة..

يا سبحان الله…
من هو الخائف الفار المرعوب؟!
من هو المُطارد المُلاحق؟!

إنه الطاغية وزبانيته جعلهم الله يفرون من الفتية المؤمنين العزّل؛ فقد ملأ الله قلوب الكفار رعبا منهم فلا يجرأ أحدٌ منهم على الاقتراب من كهفهم.

ولما غزا معاوية رضي الله عنه الروم مرّ بالكهف، فقال: لو كُشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم، فقال ابن عباس رضي الله عنهما:
ليس لك ذلك قد منع الله تعالى مَنْ هو خير منك، حيث قال: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}
فلم يسمع، وقال: ما أنتهي حتى أعْلَم علمهم، فبعث ناسًا، وقال: اذهبوا فانظروا، ففعلوا، فلما دخلوا بعث الله ريحًا فأحرقتهم.

Exit mobile version