كان وزير الخارجية الأمريكي بومبيو التقى الرئيس الروسي بوتين في سوتشي، في الرابع من الشهر الخامس العام الماضي 2019م، وكان الحديث الأساسي بينهما عن سوريا وما تحتويه من ملفات، وأهم ما تم الاتفاق عليه هو دفع المسار السياسي، ومحاربة الارهاب، وبحسب اللقاءات والتصريحات اللاحقة بين مسؤولين من البلدين، تبين أن الولايات المتحدة ستزيد من استهدافها لقيادات ثورية جهادية في إدلب، وهذا ما صدقه واقع الحال، من خلال الاستهداف الفعلي المتزايد، هذا بعد إضعاف تنظيم الدولة (داعش) شرقاً إلى الحد المرغوب أمريكياً، والتأكيد المشترك على أنه لا مستقبل لإيران في سوريا.
أما هيئة تحرير الشام فلا يعد استهدافها للثوار والمجاهدين غير المنضوين تحتها توجهاً جديداً، فقيادة هيئة تحرير الشام منذ أن كانت قيادة لجبهة النصرة عملت على حصر واحتكار تمثيل الجهاد والثورة في سوريا، سابقاً ضد فصائل ثورية، والآن ضد فصائل ثورية جهادية، والدليل الأكبر على ذلك ما قاله أميرها الجولاني لمجموعة الأزمات الدولية، وما قاله الشرعي عبد الرحيم عطون لصحيفة LE TEMP السويسرية، حول تنظيف الصورة، هذه الصورة التي كانوا كرسوها أيام تبعيتهم لتنظيم الدولة ثم لتنظيم القاعدة، ثم عملوا على تنظيفها من خلال الاندماج مع مكونات جهادية وثورية أخرى ضمن هيئة تحرير الشام، وبعد استقلال مجموعات جهادية وثورية لأسباب كثيرة، قامت قيادة الهيئة بملاحقتهم لمنع ظهور قوى جديدة تنافسها الحضور الداخلي والتمثيل الخارجي، وتهدد التفاهمات المرحلية التي وصلت إليها الدول، وتبعاً لها الفصائل بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
هنا أؤكد أنني لا أتهم هيئة تحرير الشام بالتنسيق مع الولايات المتحدة والنظام الدولي، بل الظاهر لي أن الأمر اجتماع مصالح قدري، يعد في السياسة الدولية منفعة من الجيد تحصيلها من أيٍ كان، أما قيادة الهيئة فمصلحتها إنهاء القوى الداخلية المنافسة، وحصر واحتكار تمثيل الثورة أمام الخارج، وتنظيف الصورة أمام الغرب من خلال إنهاء الخط القديم بما فيه ومن فيه، وهذا لا يحقق مصلحة الثورة السورية، ويظلم أهلها، ويعرض ما بقي منها لخطر وجودي، فالهيئة وإن كانت غير مستهدفة حالياً، هي موضوعة على لائحة التصنيف الدولية، فربما تستهدف بعد حين، أقصد بعد انتهاء اجتماع المصالح القدري.
المهاجرون (المجاهدون غير السوريون) يهتم لهم النظام الدولي أكثر من اهتمامه بالمجاهدين المحليين، فحتى الدول الكبرى انطلق من حاملي جنسياتها أعداد للمشاركة في الثورة السورية، وهذا الأمر مهم عندهم، كما أن الدول تخشى من جرأة وخبرة المجاهدين العابرين للحدود، مما يجعل ملفهم ورقة قوة في يد الجهة التي تسيطر على مناطق الثورة أو على جزء منها، وكما أسلفت الهدف هو حصر واحتكار التمثيل من خلال ومن أجل تنظيف الصورة (الصورة الحصرية).
رغم تضرر الثورة السورية بسبب عدد منهم، والأسباب معروفة منها تنظيم الدولة وإساءته للثورة وللإسلام، ألا أن هناك أعداداً من المهاجرين قدموا الكثير للثورة السورية وأهل الثورة يعترفون لهم بالجميل، ويستفيدون من تضحياتهم وبسالتهم في الدفاع عما بقي من مناطق محررة حتى الآن، والكثير من الواعين المنصفين يعلمون الخطر المشترك الذي يمثله استهداف هؤلاء المجاهدين ويحذرون منه.
لم يعد هناك انتشار كبير لمنتسبي القاعدة بعد انفصال جبهة النصرة عنه، ثم بعد تضييق هيئة تحرير الشام عليهم، والحق أن رأي الثوار في سوريا منذ البداية وإلى الآن هو عدم العمل تحت أي أسماء تنظيمية قديمة أو حديثة غير الثورة بشكل عام، خاصة التي تحمل إرثاً من أعباء وذرائع استهداف دولية.