كلمة التحرير
“لبيك عمرة وحجا” كانت هذه تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم عندما خرج لحجة الوداع، فقرن بين العمرة والحج، ويمكن أن يقول المرء “لبيك عمرة” مقتصرا عليها أو “لبيك حجا” مقتصرا عليه، والتلبية فيها معنى الإجابة ولزوم الطاعة والتوجه والقصد..
وإذا كان هذا حال الحاج والمعتمر وتلك تلبيته التي ينطلق بعدها مرددا في أرجاء الكون مكررا مؤكدا: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك“، فإن المجاهد صنو الحاج، والجهاد والحج قرينان؛
– فكلاهما جاء الأمر بالمسارعة إليه: ففي الحج: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ)، وفي الجهاد: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ).
– وكلاهما شعاره التوحيد والتكبير والإكثار من ذكر الله تعالى: خلافا للمشركين الذين كانوا يقولون: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، وخلافا للكافرين الذين يقاتلون في سبيل الطاغوت.
– وكلاهما جزاؤه الجنة: فـ (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، وفي الجهاد: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ).
– ومن مات في الحج أو الجهاد فله خصوصية عند الموت والبعث: فقد وقع رجل في حجة الوداع عن راحلته، فوقصته فمات؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا“، أما في الجهاد ففي شهداء أحد أمر صلى الله عليه وسلم “بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم ولم يغسلوا” وقال صلى الله عليه وسلم: “كل كلم يكلمه المسلم في سبيل الله، يكون يوم القيامة كهيئتها إذ طعنت، تفجر دما، اللون لون الدم، والعرف عرف المسك“.
– وكلاهما فيه إراقة الدماء: بالذبح والنحر في الحج، والضرب فوق الأعناق وكل بنان في الجهاد، وكلاهما إغاظة للشيطان وتكبيت له؛ ومن ذلك أن في الحج رمي للجمار وفي الجهاد قتال لأولياء الشيطان، وكلاهما فيه مشقة وعناء ويحتاج إلى صبر ومصابرة، ومن جميل اجتماعهما ما حصل في السنة التاسعة للهجرة من إعلان البراءة من الكفار في الحج وإنذارهم بالعذاب الشديد فيه، قال تعالى: (وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
لذا تعددت الأحاديث التي تجمع بين الجهاد والحج في الفضيلة والأجر؛ فقد سئل صلى الله عليه وسلم: “أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور“، وعندما قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: “نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟” أجابهن صلى الله عليه وسلم بقوله: “لكن أفضل الجهاد: حج مبرور“..
وفي زمن الغربة الشديدة زمن منع المسلمين من السفر إلى الحج تحت ذريعة كاذبة وهي الخوف من انتشار الوباء، فإن المجاهد تهب عليه نسائم الخير كتلك النسمات المباركة في الأرض المقدسة؛ فيردد في أعماق قلبه: “لبيك جهادا“، “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك“، “لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده“، “الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا“.
فهنيئا للمجاهد في سبيل الله لا في سبيل الوطن ولا الجماعة ولا النفس ولا المال..، المتبع سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سبيل كسرى ولا قيصر ولا الغلاة ولا الجفاة ولا أهل الأهواء، الذي يملك روحا واحدة فيضعها حيث أمره الله جل وعلا فاتجاهه وقصده وإجابته وتلبيته هي لله جل وعلا وحده لا شريك له؛ هنيئا له فمقامه في دار الثغور رباط وجهاد، وتدربه وتجهيزه إعداد في سبيل الله، وحراسته على الثغور إن أمكنه ذلك أمان من النار، وسيأتي بإذن الله يوم قريب تتحطم فيه مؤامرات الاستسلام وتهب جموع المجاهدين تكسر زنازين العذاب لتحرر الأسيرات من سجون النصيرية وتحرر البلاد من رجس المجوس والروس، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
لتحميل نسخة من المجلة يمكنك الضغط هنا
لقراءة باقي المقالات يمكنك الضغط هنا