الأستاذ: خالد شاكر
أصدر الشيخ عبد الحكيم الحقاني القاضي الأول في حركة طالبان والذي يسمونه عندهم “قاضي القضاة” كتابا بعنوان: “الإمارة الإسلامية ونظامها” وقد قدم للكتاب أمير إمارة أفغانستان الإسلامية الشيخ هبة الله أخندزاده، وصدرت الطبعة الأولى في رمضان 1443 عن مكتبة دار العلوم الشرعية في 312 صفحة، ولأهمية الكتاب كانت هذه الجولة في ثناياه:
1 – أهمية الكتاب:
تأتي أهمية الكتاب من جوانب عديدة منها:
أ – أن مؤلفه مرجعية علمية معتمدة لدى حركة طالبان فهو كما جاء في التعريف بالمؤلف رئيس الإدارة العالية لمحاكم الإمارة الإسلامية الأفغانية “ص12”.
ب – أن الشيخ هبة الله أمير الإمارة الإسلامية اعتمد الكتاب، فذكر في تقديمه له أنه اطلع على بعض مواضيع الكتاب فأيده، ثم فوض مطالعة الكتاب إلى العلماء الذين يدققون بعض المسائل المهمة الواردة إليه فدققوه وأيدوه، قال: “فقد صار هذا الكتاب مؤيدا عندي بتأييدين؛ بمطالعتي وبمطالعة الشيوخ الكرام” “ص5”.
ج – أن الكتاب يعد بمثابة وثيقة رسمية لنظام الحكم في الإمارة الإسلامية في أفغانستان، فعنوانه: “الإمارة الإسلامية ونظامها” فالظاهر من العنوان أنه يقصد الإمارة الإسلامية في أفغانستان، قال المؤلف في مقدمته: “لا يجوز لمجاهدي الإمارة الإسلامية أن يتركوا الجهاد بمجرد خروج الأمريكان ومتحديهم، وليس هذا هدف جهاد الأفغانيين، بل هدفهم قيام قانون الله تعالى على عباده أهالي أفغانستان وحياتهم تحت لواء الشريعة، وهذا الهدف والمقصود العالي لا يحصل إلا بإقامة الدولة الإسلامية في أفغانستان..، وإقامة الدولة الإسلامية لا تنتظم ولا تتكون إلا بالإدارة الإسلامية ومديرها وهو الإمام..، فأردت أن أذكر بعض ضروريات الإدارة الإسلامية وما يجب في مديرها وعلى مديرها وعلى العامة على وجه الاختصار” “ص18 و 19”.
د – أن هذا الكتاب باللغة العربية يساعد في التواصل العلمي بين علماء الأمة وعلماء أفغانستان؛ حيث إن اللغة العربية هي الأصل في التواصل العلمي بين علماء الأمة، ولم يصل لنا من تراث مشايخ طالبان باللغة العربية إلا القليل، مما أوجد صعوبة في التواصل مع المدرسة العلمية الطالبانية، فكان هذا الكتاب صلة وصل بينهم وبين المدارس العلمية في العالم الإسلامي.
2 – مواضيع الكتاب:
الكتاب أحد كتاب السياسة الشرعية، ابتدأ المؤلف كتابه بذكر أن الحكومات نوعان؛ حكومة هداية وحكومة جباية، وذكر الفرق بينهما، وذكر أن الحكومة الإسلامية تقوم على: رئيس الدولة، وجهاز حكومي، وقوانين، وقضاء مستقل، وجيش قوي، وجماعة من أبناء الشعب يسهرون على تطبيق القوانين وتحقيق مصالح الشعب وهذه الجماعة هم الحسبة.
وتطرق الكتاب للحديث عن مواضيع منها: بطلان القوانين الوضعية، ومصادر التشريع الإسلامي، ومعنى الإمامة، وانتخاب الأمير، وطرق انتخاب الخلفاء الراشدين، والانتخابات الديمقراطية، وشروط الإمام وواجباته، وأصول السياسة العادلة، ومواعظ الخلفاء الراشدين، ووظائف الإمام، وانتهاء ولاية الإمام، والخروج على أئمة الجور، وواجبات الرعية، وأهل الحل والعقد، ونظام الحكم في الإسلام، ومصادر التشريع، وإدارة الدولة، والإدارة في عهد الخلفاء الراشدين، وأقسام الولايات، ووزارة التفويض والتنفيذ، وإمارة الاستكفاء وإمارة الاستيلاء، وأصحاب الولاية الخاصة في الأعمال العامة، وحكم القضاء، وتاريخ القضاء الإسلامي، والشورى، والتعليم العصري، وتعلم النساء وتعليمهن..
3 – الثبات هو روح الكتاب العامة:
المطلع على الكتاب يخرج بانطباع عام منه وهو الثبات وعدم التغير، وأن طالبان اليوم هي طالبان الأمس، وطالبان الأمس هي امتداد للبيئة العلمية في بلاد أفغانستان؛ ففائدة الكتاب الأصلية في تأكيد هذا المعنى، ويتضح ذلك من أمور منها:
أ – الكتاب في مجمله نقل وتلخيص لبعض ما كتب في السياسة الشرعية ككلام الماوردي والجويني والموسوعة الفقهية وكتابي وهبة الزحيلي “الفقه الإسلامي وأدلته” و”تاريخ القضاء في الإسلام”، وكتاب عبد الله الدميجي “الإمامة العظمى”..إلخ، ولا تخرج اختيارات المؤلف عن المشهور من كلام أهل العلم أو اختيار متأخري الأحناف أحيانا.
ب – كثرة ازدراء المؤلف للحضارة الغربية والديمقراطية وتحذيره المسلمين من مكرهم ووسائلهم، فكثيرا ما تتردد عبارات مثل: “الاستسلام للحلول المستوردة لا يؤدي بحال إلى تقدم الأمة ونمائها، بل يؤدي إلى تبعيتها وتأخرها” “ص24”.
“تفترق السياسة الإسلامية عن الديمقراطية العلمانية؛ حيث إنها مبنية على تصور أن السلطة العليا هي للشعب، وأن الشعب له أن يختار لنفسه ما شاء دون تقييد بأي أصل أو حكم، حتى له الاختيار في خلاف النصوص السماوية” “ص27”.
“الانتخابات المعاصرة لم يأت بها دليل شرعي ولم تعرفها الأمة الإسلامية، ولو كان فيها خير لما تركها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي جزء من النظام الجاهلي الديمقراطي المستورد من الكفار” “ص74”.
“المكاتب والأساكيل التي تختلط فيها النساء والرجال مخالطة فاحشة وزي المعلمين والمتعلمين زي المغربيين وأوربا، وهي من أعظم الدواهي ضد الإسلام والمسلمين وهي من أشد الموانع من تعليم القرآن والأخلاق الشرعية” “ص243 و 244”.
“على المسلمين أن يتخذوا في شأن النساء طريق الشريعة المطهرة ويعطوا حقوقهن الشرعية لهن وأن يجتنبوا طريق الجاهلية والديمقراطية” “ص 301”.
ج – التأكيد الواضح على الأصول والفروع بل والعادات الأفغانية، في رفض واضح لضغوط الأعداء ومكرهم، فيقول مثلا: “لا تصلح الدولة الإسلامية إلا بإجراء قوانين القرآن والسنة بفهم السلف والمجتهدين وهو المطلوب من جهاد الإمارة الإسلامية الأفغانية..، وقد أثبت مجاهدو الإمارة الإسلامية للمسلمين إمكانية تطبيق الإسلام شريعة وعقيدة وإمكانية قيام مجد المسلمين مرة أخرى على ما قام عليه المجد الأول” “ص24”.
“لا بد في دولة أفغانستان من العمل على المذهب الحنفي في المحاكمات وغيرها من شؤون الحياة؛ لأن أكثر أهالي أفغانستان حنفيون من قديم الزمان، وكتب الفقه المروجة في ديار أفغانستان في الدرس والمطالعة من المتون والشروح والفتاوى كلها كتب المذهب الحنفي، وغير المذهب الحنفي يعد عارا في ديار أفغانستان خصوصا بين عوام الناس، قال القاسم بن قطلوبغا الفقيه المحدث المتوفى سنة 879 هـ في رسالته في الكفاءة في النكاح: ذكر المشائخ بما وراء النهر على عادة بلادهم أنه لا ينبغي لحنفي المذهب أن يزوج ابنته لمن يخالف في المذهب لوقوع العار بذلك في عرف بلادهم لعدم وجود غيرهم لا لنقص فيهم بل للعرف” “ص37”.
“لا بد في أفغانستان من مراعاة الطبيعة الأفغانية في شؤون الحياة من اللباس والهيئة واللغة وغيرها التي لم تخالف الشريعة..، وأما الطبيعة الثانية الحادثة في عصر تسلط الأمريكان ومتحديهم والتي جاءت من الغرب فليست طبيعة أفغانية أصيلة فلا اعتبار لها بل لا بد من قلعها؛ لأنها مخالفة للشريعة المطهرة” ” ص39″.
د – رفضه المتكرر لآراء بعض العصرانيين، فيقول مثلا: “لم يوجد في عقد إمامة الخلفاء الراشدين ولا الأمويين والعباسيين تحديده بمدة معينة، بل كانوا يبقون على إمارتهم حتى جاء الموت أو القهر أو عزل نفسه، ولم يطالب أحد من الصحابة أو التابعين وتابعيهم حين البيعة تحديد مدة الخلافة..، ولكن حدثت في الأزمنة الأخيرة آراء تطالب بجعل عقد الإمارة والخلافة محدودا بمدة معينة مثل خمس سنوات أو أقل أو أكثر حسب نظرياتهم، ولا شك أن هذا بدعة ولا يقول به إلا من تأثر من أثرات الغربيين” “ص77”.
“ما أحدث في هذا العصر من قول شاذ يرى صاحبه أن مصافحة المرأة الأجنبية من قبيل المباح” ” ص 282″.
“هذا حكم هذه المسألة [يقصد سفر المرأة بمحرم]، لكن تهاون بها في هذا العصر أكثر الناس وفيهم كثير من العلماء المفروض فيهم أن يكونوا قدوة لغيرهم في كل أمر من أمور الشريعة فما بالك بغيرهم” “ص293”.
4 – المستوى العلمي للكتاب:
– الكتاب يعد نبذة مختصرة تهدف إلى تبيين نظام الإمارة الإسلامية على وجه الإجمال لجنود الإمارة ومثقفي الشعب وعموم الأمة..، فعباراته مختصرة مجملة وأسلوب الكاتب سهل، ولا يخلو من لطائف وحكايات؛ فالكتاب يعد مفتاحا ومرحلة أولى من مراحل تعلم السياسة الشرعية؛ حيث يغلب عليه سرد القضايا، والاستدلال عليها أحيانا، وفي أحيان أقل يعرض الأقوال المتعددة في المسألة، وتقل مناقشة ومقارنة أقوال الفقهاء المتعددة إن وجدت في مسألة.
– الكتاب يلاحظ واقع البيئة الأفغانية وما يثار حولها من أقاويل لذا فقد أخذ موضوع المرأة وتعليمها ومسؤولياتها ما يقارب ربع الكتاب، وأخذ موضوع مثل موضوع مصافحة المرأة ثمان صفحات أي أكثر من عدد صفحات بعض مواضيع السياسة الأساسية التي تناولها الكتاب، ويجنح الكاتب أحيانا للعبارات الوعظية خاصة في مثل هذه المواضيع، مثل قول المؤلف: “أيها الأفغانيون إذا علمتم ما ذكرنا فأين شهامتكم الأفغانية العريقة المتوارثة على مر العصور؟ كيف تتركون بناتكم خارجات عاريات” “ص270″، وقوله: “فاتقوا الله أيها المسلمون وخذوا على أيدي نسائكم وامنعوهن مما حرم الله عليهن من السفور والتبرج وإظهار المحاسن والتشبه بأعداء الله” “ص278”.
– ولأن الكتاب فيما يظهر يهدف إلى التأكيد على الثبات بلغة مختصرة، فلا يُلاحظ في الكتاب الاهتمام ببعض الأمور البحثية التي يظهر الاهتمام بها عادة في الكتب الحديثة من دقة التبويب والتقسيم، والعناية بالمراجع والمصادر، وتخريج الأحاديث..، ولا يخلو الكتاب من الاستئناس ببعض الأحاديث والآثار الضعيفة، وقد يؤدي الاختصار لعدم وضوح رأي المؤلف في بعض المسائل أو ظهوره بعبارة تحتاج بسطا ومزيد ضبط.
* أسأل الله أن يبارك في الإمارة الإسلامية في أفغانستان قادة وجندا، وأن يجعل نصرهم بركة للمسلمين في كل مكان.