الدكتور أبو عبد الله الشامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد : فمع كون دور أحفاد ابن العلقمي وإسماعيل الصفوي الذين يقودون قرار إيران مستمر وقد قطع شوطا كبيرا في تحقيق أهدافه الإجرامية التوسعية في السيطرة على عواصم العراق وسوريا ولبنان واليمن والتحكم عبر أذرعه في فلسطين والسعودية والبحرين وغيرها مع ذلك كله يأبى طغاة العرب المجرمون إلا المضي في تجريب المجرب والعودة للتطبيع مع صفويي هذا الزمان ولكن هذه المرة برعاية سيد جديد هو الصين وأرى أنه من الأهمية بمكان تسليط الضوء على هذا المسار التدميري من حيث الجذور التاريخية والواقع والمآل فأقول وبالله التوفيق :
أولا-الواقع : في ظل استراتيجية “تحالف الأقليات” فإن كل من إيران الصفوية و الكيان اليهودي الصهيوني يلعبان دور شرطي منطقة يتكامل دوره مع الشرطي الآخر كل ذلك بإشراف ودعم السيد الغربي والهدف المتفق عليه هو أهل السنة أما ماعدا ذلك فهم في حالة “صراع تنافسي” يشتد تارة ويضعف تارة اخرى و في إطار هذه اللعبة يتنقل طغاة العرب في العلاقة مع الطرفين بما يضمن استمرار سلطتهم وقمعهم للشعوب المسلمة وعليه من خلال فهم هذه القواعد الحاكمة يمكن فهم الانقلابات الحدية التي تتسم بها مواقف الطغاة فمن عداء مطلق إلى تطبيع مطلق وهكذا ..نأتي الآن إلى حلقة التطبيع الجديدة فوفقا لتحليل لمجلة فورين أفيرز (https://www.foreignaffairs.com/china/iran-saudi-arabia-middle-east-relations) نجد الآتي :
-قطعت السعودية علاقاتها مع إيران في 2016 بعدما اقتحم محتجون سفارتها في طهران وسط خلاف بين البلدين حول إعدام الرياض رجل دين شيعيا.
-عقدت طهران والرياض خمس جولات من المحادثات المباشرة، بينما استمرت المحادثات غير الرسمية بعد ذلك.
-جرى إعلان الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بين إيران والسعودية بعد محادثات غير معلنة على مدى أربعة أيام.
1- بالنسبة للسعودية :
-هناك عدم رضا عن سياسة امريكا في المنطقة منذ غزو العراق عام 2003 وعدم رضا عن تفكيك الحكومة العراقية، وانزعاج من الاتفاق النووي، وغضب من عدم استعداد واشنطن لدعم المصالح السعودية ضد إيران في سوريا واليمن، وقلق من فشلها في الدفاع عن المملكة عندما تعرضت منشآتها النفطية للهجوم من قبل إيران في 2019. واعتقاد أن الولايات المتحدة -التي كانت حليفتها القوية- تركز على أولويات أخرى، وعدم اعتقاد أن لدى واشنطن خطة واضحة للأمن الإقليمي في أعقاب المحادثات النووية المتوقفة مع إيران واعتقاد أن إشراك الصين هو الضمان الأكيد بأن الصفقة مع إيران ستستمر، حيث من غير المرجح أن تخاطر طهران بتعريض علاقاتها مع بكين للخطر من خلال انتهاك مثل هذه الصفقة
2-بالنسبة لأمريكا : كانت سباقة لتشجيع السعودية و إيران في عام 2021 على بدء محادثات، في محاولة للحد من التوترات بينهما، ودفع مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية، بالإضافة إلى إنهاء الصراع في اليمن.لكن، وخلال زيارته إلى السعودية في يوليو 2022، حث الرئيس الأميركي، جو بايدن، مجلس التعاون الخليجي الذي يضم إلى جانب السعودية، البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، على الانضمام إلى جهود إسرائيل “لاحتواء إيران” لكن السعودية تحولت إلى الصين بدلا من ذلك
3-بالنسبة لإيران :
-في عام 2015، كانت أولوية إيران هي تحسين العلاقات مع الولايات أمريكاوأوروبا، بينما اعتبرت المفاوضات مع جيرانها ثانوية وكانت ثمرة ذلك الاتفاق النووي الذي قلص من برنامج إيران النووي، مقابل تخفيف العقوبات عليها،
– لكن وبعدما سحب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، أمريكا منه، عام 2018، اقتربت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي أكثر من إسرائيل لتلافي الخطر الإيراني، وهي خطوة تسارعت بسبب هجوم إيراني على منشآت نفطية سعودية في عام 2019.
-لكن إيران غيرت بدورها تركيزها، وأعطت المزيد من الدفع لتحسين علاقاتها مع جيرانها وتعزيز التجارة الإقليمية. ولتحقيق هذه الغاية، أعادت طهران إقامة علاقات دبلوماسية كاملة -مع الكويت والإمارات العربية المتحدة في عام 2022.
-لكن صفقة بكين مع السعوديين هي الجائزة الأكبر التي تسعى إيران لتحقيقها وفق التحليل، إذ سيمكنها التقارب مع الرياض من الانفتاح الحقيقي على العالم العربي، والذي يمكن أن يمتد قريبا إلى البحرين ومصر ولن تقف إيران بمفردها بعد الآن في مواجهة تحالف من العرب والإسرائيليين، الذي كانت الولايات المتحدة تأمل أن يقوم بالمهمة الصعبة المتمثلة في احتوائها فمثل هذا التحالف أكثر تهديدا لطهران في أعقاب المحادثات النووية الفاشلة مع إدارة بايدن، والاحتجاجات المحلية، والوجود الإسرائيلي المتزايد في أذربيجان والعراق، والاستعداد المتزايد من قبل الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة للحرب، من أجل وقف برنامج إيران النووي.
-وترحب طهران بالدور الصيني المتصاعد في الشرق الأوسط لأنه يضعف نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة ويقوض نظام العقوبات الذي تقوده واشنطن والذي أصاب الاقتصاد الإيراني بالشلل
4-بالنسبة لليهود الصهاينة :ستمكن علاقات إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي من تقليل التهديد الذي تشكله “اتفاقات إبراهيم” التي توسطت فيها إدارة ترامب، والتي بدأت تنسيقا استخباراتيا وعسكريا أوثق بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وامتد لاحقا إلى المغرب والسودان، وبالتالي تمديد حرب الظل بين إيران وإسرائيل إلى الخليج. وعلى الرغم من أن طهران قد تكون على استعداد لقبول العلاقات الثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، إلا أنها لا يمكن أن تتسامح مع تحالف عسكري عربي- إسرائيلي تدعمه الولايات المتحدة ضدها.
5-بالنسبة لبكين، كان الإعلان قفزة كبيرة إلى الأمام في تنافسها مع واشنطن. وكانت بكين في السابق حريصة على تجنب التورط في الشرق الأوسط، لكن مصالحها الاقتصادية المزدهرة هناك، استلزمت القيام بدور دبلوماسي أيضا.
والمنطقة مهمة لمبادرة الحزام والطريق الصينية؛ حيث تحتاج الحكومة الصينية إلى ضمان، على سبيل المثال، أن استثماراتها في قطاع الطاقة السعودي ليست مهددة بصواريخ الحوثيينوعلاوة على ذلك، تعمل الصين بشكل مطرد على توسيع بصمتها الاقتصادية في إيران، وهي مهتمة بدعم خطة موسكو لتطوير ممر عبور عبر إيران من شأنه أن يسمح للتجارة الروسية بالوصول إلى الأسواق العالمية دون استخدام قناة السويس. وسيسمح تطوير هذا الممر أيضا للصين بالالتفاف حول مضيق ملقا، في مواجهة الأسطول الهائل الذي تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها ببنائه.
ويختم التحليل بعبارة “لتعزيز هذه الأولويات الاستراتيجية، تستعد بكين الآن لتحدي واشنطن من أجل النفوذ في الشرق الأوسط”.
ثانيا-الجذور التاريخية : ورثت إيران الخميني -بصبغتها القومية الفارسية المتدثرة بلبوس عقيدة الرفض- الدولة الصفوية عقديا وسياسيا
-فحقدها على أهل السنة راسخ
-واهدافها التوسعية الإجرامية الاستئصالية واضحة
-وتعاونها مع أعداء الأمة وخدمتهم والتمكين لهم على طريقة جدهم العلقمي واسماعيل وعباس الصفويان حقيقة ساطعة لاينتطح فيها عنزان
في ضوء ذلك فالصراع بينها وبين أهل السنة “وجودي” ومزاعم التقارب والتطبيع مزاعم زائفة تكذبها معتقداتهم ومواقفهم وتاريخهم القذر في التعاون مع أعداء الأمة للقضاء على أهل السنة
ثالثا-الخلاصة :
1-صفقة التطبيع الحالية هي إعلان تغلب مجاني لصالح إيران الصفوية وشرعنة لجميع احتلالاتها للعواصم العربية وأذرعها الخبيثة
2-المكاسب المتوهمة والتبريرات الزائفة التي يسوقها طغاة العرب هي فقط للتغطية على فشلهم الذريع في اليمن وسوريا والعراق الناتج عن عدائهم لأي جهة سنية حركية فاعلة حتى ولو صب ذلك في خدمة وتمكين أعدائهم ولحماية ملكهم وعروشهم ولضمان عدم التأثر بالصراع الذي يلوح بالافق بين شرطيي المنطقة إيران الصفوية والكيان الصهيوني
3-الصراع بين أهل السنة وإيران الصفوية صراع وجودي تحكمه لغة الدم ودعاوى التقريب والتطبيع التخديرية معلومة النتائج تاريخيا وواقعيا والحل الجذري تتضح معالمه في حديث نبينا صلى الله عليه وسلم :( سيصيرُ الأمرُ إلى أن تَكونوا جُنودًا مجنَّدةً جُندٌ بالشَّامِ، وجندٌ باليمنِ وجُندٌ بالعراقِ قالَ ابنُ حوالةَ: خِر لي يا رسولَ اللَّهِ إن أدرَكْتُ ذلِكَ، فقالَ: عليكَ بالشَّامِ، فإنَّها خيرةُ اللَّهِ من أرضِهِ، يَجتبي إليها خيرتَهُ من عبادِهِ، فأمَّا إن أبيتُمْ، فعليكُم بيمنِكُم، واسقوا من غُدُرِكُم، فإنَّ اللَّهَ توَكَّلَ لي بالشَّامِ وأَهْلِهِ ) صحيح أبي داود
والحمد لله رب العالمين
هنا بقية مقالات العدد الحادي والخمسون من مجلة بلاغ لشهر المحرم ١٤٤٥هـ
https://fromidlib.com/مقالات-مجلة-بلاغ…٥١-_-المحرم-١٤٤٥/